لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الجمعة، 13 أبريل 2018

فن الكتابة لمسرح الأطفال دراسة من إعداد : يعقوب الشارونى



فن الكتابة لمسرح الأطفال
دراسة من إعداد : يعقوب الشارونى

المسرح من أقدم الفنون التى مارسها الإنسان ، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لمسرح الأطفال .
فكما كان الأطفال يقرءون كُتب الكبار ويأخذون منها ما يقدرون على                     فهمه - مثلما كان كبارنا يأخذون من كُتب مثل ألف ليلة وليلة والسيرة الهلالية وكليلة  ودمنة - فقد كان الصغار ، مُنذ اليونان القديمة ، يُشاهدون مسرحيات الكبار ويأخذون منها ما يقدرون على فهمه .
لكن مُنذ نهاية القرن الثامن عشر بدأ الاهتمام بمسرح الأطفال ، يكتب له الكُتــّـاب نصوصًا خاصة ، وتــُـخصَّص له قاعات عرض خاصة ، تعمل فيها بصفة دائمة              أو مُتقطّعة فِرَق خاصة .
مُنذ تلك الفترة والاهتمام يتزايد فى كل أنحاء العالم بالمسرح الذى يُقدَّم للأطفال .
وقد أثبتت التجارب فى كافة البلاد التى قدّمت مسرحًا للأطفال ، أن المسرح النموذجى لهم هو المسرح الذى يُقدّمه الكبار المُحترفون للصغار .
ومُنذ كتب أرسطو كتابه " فن الشـِّـعر " والعالم يتدارس قواعد وأساليب كتابة المسرح للكبار ، لكن الاهتمام بوضع الدراسات حول فن الكتابة لمسرح الأطفال لم يبدأ إلا مُنذ عشرات السنين الأخيرة فقط .
وسنــُـحاول فى الصفحات التالية أن نــُـركّز على الأهداف والخصائص التى يتميّز بها فن الكتابة لمسرح الأطفال ، بغير أن نخوض فى العناصر المُشتركة بين فن الكتابة للمسرح بوجه عام وفن الكتابة لمسرح الطفل . فمن يكتب لمسرح الأطفال لابد أن يكون على دراية واسعة ، وفهم عميق ، وتذوُّق وحُب ، لفن المسرح بوجه عام .
فكل الذين يعملون فى مُختلف مجالات ثقافة الطفل ، لابد أن تتوافر لديهم المعرفة العميقة الشاملة المُتذوّقة لنوع الوسيلةالتى  يتعاملون بها مع الأطفال ، وإلا تعَذَّر أن يُقدّموا للأطفال شيئــًـا له قيمة باقية .
وقد قدمنا فى الفصل السابق دراسة متكاملة عن فن الكتابة للمسرح بوجه عام .
* أهداف مسرح الطفل :
تتنوّع وتتعدّد الأهداف التى يُمكِـن أن يُحقــّـقهــا مســرح الأطفــال ، بقــدر تنــوّع
وتعدّد أهدافنا التى نرمىإلى تحقيقها ونحن نــُـربى أطفالنا .
          ونتناول فيما يلى بعضًا من أبرز الأهداف التى يُمكِن أن يُحققها الكاتب من خلال مسرحياته التى يُقدّمها للأطفال ( وذلك من خلال ملاحظات قدمها مدير ومخرج مسرح الأطفال بألمانيا " كلاوس أوربان " ، أثناء زيارة له إلى مصر لإخراج إحدى مسرحياته للأطفال ) :
        1 - عندما تتناول الدراما مواقف مُباشرة فى حياتنا اليومية ، فإنها توسع مفهوم الشخصيات ومدلول المواقف ، وتــُـبرز قيم التصرفات والأعمال ، وبذلك تُعمِّق القُدرة على الفهم وتزيد من الإحساس ، فتــُـعاون الطفل على أن يتــّـزن عاطفيًّا ، وعلى أن يتقبَّل التعليم بسهولة ،   وأن يتعامل مع مُجتمعه بنجاح .
          2 - كما أن الطفل المُشاهد ، عندما يتمثــّـل بأحد أشخاص المسرحية التى يُشاهدها ، فإن هذا يُساعده على التخلّص من الانشغال بنفسه ، وبذلك تتحرّر شخصيته من الكبت والضغوط ، ومن التمركز حول الذات .
          3 - إن المسرحيات الجيّدة تــُـثير عواطف كثيرة لدى الأطفال، كالإعجاب والخوف والشفقة ، فإذا أُثيرت هذه العواطف بأسلوب سليم ، فإنها تُنمى فى الطفل الأحاسيس الطيّبة والإدراك السليم .
          أما إذا أُثيرت عواطف الأطفال بطريقة رخيصة ، أو بصورة مُبتذلة ، فإن هذا يُسبّب ضررًا بالغــًـا ومُدمّـرًا ( كأن نجعل من سلوك الأطفال الطبيعى مصدرًا للسُّخرية  أو التحقير ).
          لكن لا يكفى أن يتعرّض الطفل للتأثيـر المُباشــر السريع أو لمُجــرّد رد الفعل العاطفى المؤقــّـت ، بل يجب أن يؤدى هذا التأثير العاطفى إلى دعوة الطفل إلى التفكير ، وإلى المُقارنة ، وإلى إلقاء الأسئلة واتخاذ المواقف .
          4 - يُقدّم المسرح للأطفال وجهات نظر جديدة فى الأشياء والأشخاص والمواقف ، وهذا يحملهم على أن يُفكّروا بمرونة وحُرية : أن يُفكّروا لأنفسهم ، وأن يختاروا لأنفسهم ، وأن يحسّوا بالمسئولية عن تفكيرهم واختيارهم ، وهذه هى الوسيلة لكى يُصبح كل طفل عاملاً فعّالاً من عوامل التقدّم  الحضارى .
          5 - يُشبــِـع المسرح رغبة الأطفال فى المعرفة والبحث ، بما يُقدّمه إليهم من خبرات مُتنوّعة ومعلومات وأساليب سلوك .
          كما أنه يُساعد على حمل الأطفال على إلقــاء الأسئلة والبحــث عـن المعلومات ،
 وهو ما يؤدى بهم إلى إدراكهم لسر العالم الذى يُحيط بهم .
6 - يُثير المسرح حيويّة الأطفال العقلية عـن طريق إثارة الخيال ، فالخيــال ضــرورة مــن ضرورات الإبداع . فكل الأعمال الكُبرى فى التاريخ ، وكل النظريات التى غيّرت مسار العلم ، كانت نتيجة للخيال الواسع . والطفل الذى نــُـثير خياله هو طفل يُمكِن إثارة اهتمامه بكل ما هو صائب  وبَـنـَّـاء ومُفيد .
لكن إذا كان الخيال هو أحد العناصر الهامة فى العمل المسرحى الخلاّق ،               فلا يجب أن ننسى أن مضمون العمل يجب أن يأتى فى المرتبة الأولى من الأهمية . إننا لا نــُـثير الخيال كهدف فى حد ذاته ، بل كوسيلة لإثارة طاقات الأطفال الخلاّقة .
7 - يُمكِن عن طريق المسـرح أن نؤكّــد ما هو مطلوب للطفل من قيم دينية وخلقية واجتماعية وسلوكية ، وأن نُنمى فيه الشعور بالمسئولية ، وذلك حتى نــُـساعد الطفل على التمييز السليم بيـن الخطــأ والصــواب ، وعلــى اتبــاع السلوك الــذى يتوافق مع قيم المُجتمع الذى يعيش فيه . مع إعطائه القــُـدرة على أن يتحكّم فى أفكاره وأفعاله ، وأن نــُـعمّق فى روحه الإحساس الدينى ، ونــُـربى ضميره على سُرعة الاستجابة لما هو خير وصواب .
          علينا أن نــُـقدّم المسرحيات التى يدور موضوعها ، بوجه عام ، حول ما نــُـريد أن نــُـنميه فى أطفالنا من قيم واتجاهات ، بشرط أن يجىء هذا فى ثنايا المسرحية                 ولا يجىء بطريق مُباشر .
          لكن على الكاتب المسرحى للأطفال أن يتجنــّـب قلب مسرحيته إلى درس فى الوعظ والإرشاد ، بل يجب أن يهتم كثيرًا بالجانب الفنى الذى يتولى بدوره نقل مُختلف المعانى والقيم للأطفال ، بحيث يُدرك المُشاهد الصغير المضمون بغير تصريح .
          إن كثيرًا من مؤلفى مسرحيات الأطفال يكتبون نصوصًا هى مُجرّد صياغة للنصائح والمعلومات فى شكل حوار . وهم بهذا يفشلون سواء فى تقديم المسرح أو فى تقديم النصائح والمعلومات . ذلك أنه لابد من تقديم المضمون الجيّد بأفضل الطُّرق الفنية ، ولا قيمة لمضمون جيّد يفشل فى أن يصل إلى عقول وقلوب الأطفال بسبب عدم مُراعاة العناصر الفنية المُختلفة : من حبكة مسرحية ، ورسم واضح للشخصيات ، وصراع يتضمّن قدرًا كافيًا من التشويق ، وحوار ينبع من الشخصيات ويُجسِّم الصراع ويتقدّم بالموضوع خطوة بعد أُخرى حتى يصل بالموضوع إلى ذروته ، وروح فكاهية تنسجم مع طبيعة الأطفال المرحة وتُحبّبهم فى العمل المعروض .
          8 - كذلك يُمكن أن يكون مسرح الطفل وسيلة لإثارة اهتمام الأطفال بالعلوم ، ولتقديـم مُختلف المواد المدرسية والتعليمية فى أسلوب مُشوّق ، يتقبّله الطفل بسهولة ولا ينساه بسهولة ، خاصة فيما يتعلّق بالأحداث التاريخيـة الكُبرى - وبالمواقف المُهممّة فى حياة العُلماء والمُخترعين والأبطال القوميين .
          9 - وعن طريق المسرح يُمكن أن نُقدِّم للطفل أغنى مادة فى الأدب والموسيقى وفنون الحركة  والتشكيل . إن النص المسرحى الجيّد ، والذى يُمكن إعداده من أفضل الأعمال الأدبية ، وباشتراك الرقص والباليه والموسيقى والديكور  فى تقديم العمل المسرحى ، هو من أهم وسائل صقل تذوّق الأطفال للفنون .
          10 - كما أن مسرح الأطفال هو المدخل الطبيعى كى يتذوّق الأطفال ، عندما يبلغون مبلغ الكبار ، مُختلف صور الفنون المسرحية ، سواء اعتمدت على الكلمة أو الحركة أو الموسيقى .
* خصائص مسرحيات الأطفال :
          جوهر فن المسرح لا يختلف من عمل مسرحى إلى آخر ، سواء كانت المسرحيات مُقدّمة للكبار أو للصغار .
          وكما ذكرنا فإن القاعدة النقدية العامة التى تــَـصْـدُق على كل عمل مسرحى جيّد وناجح هى نفس القاعدة ، لا تتغيّر مهما تغيّر الزمان أو المكان أو الأسلوب ، وهى قاعدة تتلخــّـص فى أن :
          " العمل المسرحى الناجح ، هو الذى يشد انتباه المُتفرّج طوال تواجده لمُتابعة العرض المسرحى ، ثم يظل عالقــًـا بذهنه وعقله وخياله بعد مُغادرته المكان المُخصّص للعرض " .
          لكن بسبب الخصائص النفسية لمرحلة الطفولة ، وبمُراعاة مراحل النمو المُختلفة والقــُـدرات التى فىطور الاكتمال بالنسبة للأطفال ، فإن هناك بعض الخصائص التى يجب مُراعاتها عند كتابة مسرحيات الأطفال ، وهى خصائص يشترك معظمها مع ما نتطلبه فى القصص الموجه للأطفال :
أولاً : أن تكون المسرحية مُناسبة لسن الأطفال ، فليست كل الموضوعات مُناسبة لكافة الأعمار :
          أ - فقبل سن الخامسة لا يحتاج صغار الأطفال إلى مسرح ، إذ إن فى لعبهم الإيهامى أو التخيّلى ما يكفيهم . ومن الصعب أن يشد المسرح انتباه الأطفال فى هذه السن ، وإن كان من المُمكن أن تــُـثير اهتمامهم العروض التى تعتمـد علــى الحركة وحدها ، مثل عروض الرقص والأقنعة إذا كانت قصيرة لا تزيد مُدّتها عن 20 أو 25 دقيقة .      
          ب - ومن سن الخامسة إلى الثامنة ، وهى سن الخيال ، يجد الأطفال فى القصص الخيالية والخـُـرافية ، والقصص التى تدور حول الحيوانات ، مادة خلاّبة . فالمرآة السحرية والأقزام السبعة ومصباح علاء الدين والذئب وذات الرداء الأحمر ، كل هذه مادة تأسر الأطفال فى هذه السن .    
          جـ - ومن سن الثامنة إلى الثانيـة عشـرة ، وهــى مرحلــة البحـث عن البطولة ، يــزداد اهتمام الأولاد بالمسرحيات التى تتضمّن عُنصر الغموض والبطولة ، فيُثير حماسهم الأبطال الذين يقومون بأعمال جريئة أو يواجهون الأخطار أو يتجنــّـبونها فى أحرج اللحظات ، ويسعدون بانتصار البطل بينما ينزل العقاب بالشرير .
          بينما تـُفضّل البنات فى هذه السن المسرحيات التى تدور حول العواطف الأُسرية والفنية ، والتى تدور حول بطلة تــُـحقــّـق  ما يُحقــّـقه الأبطال ، وتستطيع التغلّب على العقبات ، مع الاكتفاء بقليل من المواقف المُثيرة .
          د - وفى السن بعد الثانية عشرة إلى السادسة عشرة ، وهى سن الرومانسية ، يُفضــّـل الأطفال أن تمتزج المؤامرة بالعواطف ، ويزيد التأكيد على القيم المثالية . وتنجح مع جمهور هذه السن المسرحيات التى تدور حول النجاح فى المشروعات والوصول إلى القيادة والزعامة
          * ورغم هذا العرض لنوعيات المسرحيات حتى تتفق مع مراحل العُمر المُختلفة ، فقد لوحظ أنه من الصعب ، بالنسبة لمسرح أطفال ناشئ ، أن يُقدّم نوعيات مُختلفة من المسرحيات التى تــُـناسب أعمارًا مُتباينة . لذلك تلجأ مسارح الأطفال - فى معظمها  - إلى تقديم المسرحيات التى تــُـناسب مُختلف الأعمار ، وهى مسرحيات تعتمد عادة على موضوعات قصص الأطفال المشهورة ذات الجاذبية العامة لكل الأعمار ،  مثل قصة               " سندريلا " .
ثانيًا : أن تكون المسرحية مُناسبة الطول :
          فكُـلّما صغرت سن الطفل كان الملل أسرع فى التسلّل إلى نفسه ، وقلّت قــُـدرته على التركيز فى أمر واحد فترة طويلة .
          وقد لوحظ بالتجربة أن الوقت المُناسب لمسرحيات الأطفال يتراوح ما بين 45 دقيقة و 75 دقيقة ، تبعًا لتقدُّم عُمر الأطفال .
ويُمكن تقديم مسرحيات الأطفال دون توقــّـف بين المشاهــد أو الفصــول ، ومــن المُمكن أن يكون هناك توقــّـف لمرة واحدة ولفترة قصيرة جدًّا أثناء العرض المسرحى ، وذلك حتى لا يفقد الأطفال قــُـدرتهم على مُتابعة الموضوع المعروض .
ثالثًا : يجب تجنّب المسرحيات التى تدور حول حكايات مُعقّدة وأحداث متداخلة ، أو التى تضم شخصيات كثيرة العدد ، أو بهاعُقدة ثانوية إلى جانب العُقدة الرئيسية، أو التى تنتقل مشاهدها كثيرًا فى الزمان أو المكان ، مثل العودة إلى الماضى ، ذلك لأن مثل هذه المسرحيات تــُـصيب الأطفال بالحيرة والارتباك أثناء تتبعهم للأحداث ، وذلك على التفصيل التالى :
أ - الشخصيات :
يجب الاقتصــار فى مسرحيــات الأطفــال على عــدد قليــل من الشخصيــات ، وأن
تكون كل منهما مُتميّزة عن الشخصيات الأُخرى بخصائص بارزة يكشف مظهرها عن مخبرها ، حتى لا يخلط الأطفال المُشاهدون بينها . وأن تكون سمات ومميزات كل شخصية واضحة بحيث يسهل على الأطفال إدراك حقيقتها . ويحسن التركيز فى مسرحيات الأطفال على شخصية أساسية واحدة ، حتى يسهل على الأطفال مُتابعتها واستيعاب موضوعها .
وعندما قامت الفرق المسرحية الإنجليزية بتقديم مسرحيات شكسبير للأطفال ، كانت الخطوة الأولى فى إعدادها ، هى الاستغناء عن شخصيات عديدة والاكتفاء بالشخصية أو الشخصيات الرئيسية .
بل إن الشخصية فى مسرح الأطفال إذا كانت على جانب كبير من التميّز  والتفرّد ، فإنه يُمكن أن تـُـعوِّض كثيرًا من الضعف فى العُقدة أو فى الحكاية التى تدور حولها المسرحية ، وفى هذا يقول " وينفريد وارد " فى كتابه " مسرح الأطفال " ، إن مسرحية مثل المسرحية المأخوذة عن قصة " ساحر أوز " ، " لا تـُـعجب عُقدتها الضعيفة الأطفال ، لكن أعجبتهم المسرحية بسبب شخوصها الغريبة المُتميّزة " .
والأطفال لا يُفرّقون كثيرًا بين المسرحيات التى تشتمل شخوصها على أطفال والمسرحيات التى تخلو من الأطفال . فقد نجحت مسرحية " سندريلا " نجاحًا ساحقــًـا عندما قدمناها على مسرح الطفل التابع لقصر ثقافة الطفل بالقاهرة ، رغم أنه ليس بين شخوصها أطفال . لقد ظللنا نــُـقدّمها مساء كل خميس وصباح كل جمعة ، أسبوعيًّا ، لمُدّة تقرب من العامين . وقد لوحظت نفس الظاهرة فى إنجلترا وأمريكا عند تقديم مسرحيات " روبين هود " و " ملابس الإمبراطور الجديدة " ، وهما مسرحيتان لا يوجد بين شخصياتها " الرئيسية " شخصية طفل ، إلا فى مشهد واحد قصير فى نهاية المسرحية الثانية .
وإذا كان من المُهم فى مسرحيات الكبار أن يتعـرّف المُتفـرّج مُنــذ بداية العرض على أبطال المسرحية ، وعلى مكان وزمان وقوعها ، فإن هذا أمر أكثر أهمية بالنسبة لجمهور المُشاهدين من الأطفال . فلا يجب أن نترك الأطفال المُشاهدين يتساءلون ، ولو للحظة واحدة ، عن حقيقة إحدى الشخصيات أو عن مكان وزمان وقوع أى حدث من أحداث المسرحية ، وإلا فإن مثل هذا التساؤل قد يتسبّب فى ارتباك الأطفال ويصرفهم عن مُتابعة العرض المسرحى .   
          ب - تجنّب وجود عُقدة ثانوية أو أحداث جانبية :
كذلك لا يجب أن تتضمّن مسرحيات الأطفال عُقدة ثانوية بجوار العُقدة           الرئيسية ، وإلا اختلط الأمر على الأطفال وفقدوا القــُـدرة على التمييز بين العُقدتين .
كذلك لا يجب أن يمضى مؤلف مسرحيات الأطفال مع أى حدث ثانوى ، حتى إذا كان مُسليًا أو باهرًا ، وذلك لكى لا يفقد المُشاهدون تتبعهم لسير الحدث الرئيسى . فإذا كان هناك مشهد من مسرحية يتم فى السيرك مثلاً ، كما هو الحال فى مسرحية " بينكيو " ، فلا يجب أن ننشغل عن موضوع المسرحية بتقديم عرض طويل للسيرك مهما كان الإغراء للقيام بذلك ، وإلاَّ نــَـسى الأطفال موضوع المسرحية .
كذلك إذا تضمّنت أحداث المسرحية حفلاً ، مثل الحفل الذى ذهبت إليه سندريلا تلبية لدعوة الأمير ، فلا يجب أن تشغلنا مشاهد الحفل وما به من عروض استعراضية ، عن موضوع المسرحية الرئيسى .
          جــ - التتابع الزمنى والمكانى :
كذلك يجب أن تــُـراعِى مسرحيات الأطفال التتابع الطبيعى للأحداث ، فتتجنـّـب أسلوب العودة إلى الماضى ، ولا تلجأ إلى التنقل السريع فى الزمان                           أو الـمكان ، وذلك مُـراعــاة لـقـُـدرة الأطفــال عـلى الاستيعاب . ذلك أن الطفل إذا فاته شىء من المسرحية سيتعذّر عليه استنتاج ما فاته ، ويصعب عليه من ثــَمَّ العودة إلى مُتابعة العرض المسرحى .
رابعًا : الاهتمام بالحكاية :
          الحكاية المحبوكة البسيطة الواضحة المُشوّقة ، هى السبب الرئيسى فى               إقبال الأطفال على عرض مسرحى بذاته . إن الأطفال يسألون دائمًا : وماذا بعد ؟ وطالما هناك إجابة مُستمرة مُقنعة بالنسبة لسن وخبرة وخيال الأطفال ، يستمر اهتمامهم بمُتابعة المسرحية . لقد نشأ المسرح مُنذ آلاف السنين ، وبقى حتى الآن ، لأنه يرتبط بميل طبيعى لدى الإنسانية جمعاء ، ألا وهو الشغف بالحكايات . وإذا كانت مسرحيات كثيرة للكبار قد أخذت تبتعد عن الاعتماد على الحكاية ، فإن مؤلف مسرحيات الأطفال يجب أن يلتزم تمامًا بأن يستفيد من ظاهرة حُب الأطفال للحكايات ، مهما كان الموضوع الذى تدور حوله مسرحيته .
          وخير وسيلة كىنــُـقدّم للأطفال مُختلف الموضوعات ، هو أن نسوقها إليهم فى قالب قصصى ، وهو ما يجب ألا ينساه أبدًا كاتب مسرحيات الأطفال .
كذلك يتطلب مسرح الطفل البساطة والوضوح ، لكن هذا لا يعنى البساطة فى الأفكار ، فكم من الأفكار الرفيعة يُمكن التعبير عنها فى أشكال بسيطة . إن كبار المُفكّرين يتميّزون بقدرتهم على أن يعبّروا عن آرائهم فى أشكال بسيطة وبطريقة سهلة وواضحة .
خامسًا : البداية المشوّقة والخاتمة العادلة :
أ - البداية المشوّقة :
 يُحب الأطفال الدخول فى موضوع المسرحية على الفور . إن " برتراند راسل " يقــول إن نوع البهجة الذى يشعر به الأطفال على نحو تلقائى ، أصبح مُستحيلاً بالنسسبة للبالغين الذين يُفكّرون دائمًا فى " الشىء التالى " وقد فقدوا القــُـدرة على أن يُركّزوا أنفسهم مع اللحظة الراهنة . ويقول إن هذا سبب من أهم أسباب فساد الفن فى وقتنا الحالى .. ذلك أن الفن إنما يحيا فى القلب والشعور بغير انتظار لشىء تالٍ .
          والطفل مُنهمك دائمًا فى اللحظة الراهنة ، وهو يدخل المسرح وكُـلّه شوق للمُتعة والإثارة ، فيُصبح على غير استعداد للانتظار بعد رفع الستار حتى تبدأ الأحداث الحقيقيّة للمسرحية ، بل هو يُريد مُنذ اللحظة الأولى أن يعيش مع أحداث مسرحية مُشوّقة مُمتعة ، بغير أن نطلب منه أن يرى ويسمع أشياء انتظارًا لشىء تالٍ سيجىء فيما بعد . لهذا يجب أن تكون أحداث المسرحية مُشوّقة مُمتعة مُنذ البداية .
          وإذا كُـنـّـا فى مسرحيات الكبار ، نــُـخصّص الجانب الأول من العرض المسرحى لكى نــُـقدّم للنظارة المعلومات الأساسية عن الشخصيات والمكان ، وما وقع من أحداث قبل بدء المسرحية ، فإن الطفل إذا لم يستوعب موضوع المسرحية مُنذ اللحظات الأولى بعد رفع الستار ، فسُرعان ما يتسرّب إليه الملل . ولن يجدى أن نطلب منه الانتظار حتى يتعرّف على الشخصيات أو المكان أو الزمان .
          لكن لما كان هذا التعرّف ضروريًّا ، فلابد أن يتم خلال سير أحداث المسرحيــة ،
 خاصة من خلال الحوار المسرحى الناجح .
          وكما سبق أن أوضحنا ، فإن الحوار يجب أن يكشف لنا عن الشخصيات ، وكل كلمة تقولها الشخصية يجب أن تكون ثمرة لمقوماتها الجُسمانية والاجتماعية والنفسية ، فنعرف منه حقيقة الشخصية . كما أن المعانى والألفاظ التى يُعبّـر بها كل شخص فى المسرحية عن نفسه ، يجــب أن تتفق مع ثقافته ووضعــه الاجتماعى وسنــّـه ومهنتــه وغيـــر ذلك ، كمــا تــُـقـدّم للنظارة كل المعلومات الضرورية التى تــُـيَـسِّر لهم مُتابعة الموضوع المعروض .
ب - الخاتمة العادلة :
 وكما يُحب الأطفال الدخول فى موضوع المسرحية فورًا ومُنذ لحظات العرض الأولى ، فإنهم لن يهتموا بالبقاء فى المسرح بعد وصول الأحداث إلى ذروتها وحل العُقدة .
فعندما كُـنــّـا نعرض مسرحية سندريلا ، كان الأطفال يُتابعون العرض بشغف           شديد إلى أن يتعرّف الأمير على سندريــلا بعــد أن يُلائــم الحــذاء قدمهــا . وبعــد هــذه
اللحظة من لحظات العرض المسرحى كان يصعب دائمًا السيطرة على جمهور  الأطفال ، رغم تضمّن العرض أغنية ورقصة إيقاعية بعد ذلك الموقف ، وهى ظاهرة تؤكّد أنه لا محل فى مسرحيات الأطفال لأى مُناقشة أو تعليق أو استطراد بعد حل العُقدة  ووصول الأحداث إلى ذروتها .
ويجب أن تكون الخاتمة واضحة ، ومُحدّدة ، وشاملة بالنسبة لأحداث المسرحية وكافة شخصياتها ، وذلك حتى لا نترك الأطفال فى حيرة عند نهاية المسرحية بشأن مصير أيّة شخصية من شخصياتها أو حدث من أحداثها .
كذلك يجب أن تنتهى المسرحية نهاية عادلة ، فلدى الأطفال إحساس قوى بالعدالة ، وهم يرتاحون إلى المسرحية التى يتم فيها توزيع الثواب والعقاب على من يستحقون أيهما .
وقد يثور التساؤل عمّا إذا كان فى مثل هذه النهايات العادلة تجاهل لما يقع كثيرًا فى الحياة من ظــُـلم ، لكن يجب أن نذكر فى هذا الصدد أن الطفل فى حاجة إلى أن تزداد ثقته بالعالم المُحيط به لكى لا يُصاب بالإحباط نتيجة ما يحفل به المُجتمع من مظالم .
كذلك يحتــاج الطفــل إلى أن يعــرف فــى سنــوات عُمـره الأولى المقاييس الصحيحة للعدالة . فإذا وضعنا أمام الطفل وهو لا يزال فى بداية طريق الحياة ، موقفــًـا يكون فيه الخزى والعار والهزيمة جزاء فعل الخير ، سيترتب على هذا أن يلتبس الأمر على الطفل ولن يكون على استعداد لتقبُّل مثل ذلك الجزاء الظالم .
لكن هذا لا يمنع من أن نــُـنمى داخل الطفل الإرادة والشجاعة اللتين               تـمكنانه من خوض مواقف صعبة ، حتـى نـُـعِدُّه لمواجهــة مــا قـد يُقابله فــى الحيــاة مــن ظــُـلم وإجحاف فى بعض المواقف .
سادسًا : روح الفكاهة :
ومن المُهم أن يحتفظ المؤلف المسرحى بروح الفكاهة وهو  يُقدِّم                  موضوعه وشخصياته وبعض المواقف للأطفال ، فهذا سبب من أهم أسباب إقبال الأطفال على العرض المسرحى .
إن الأطفال يقفون موقفــًـا مرحًا من الحياة .. إنهم يواجهون الحياة بسعادة وإيجابية . وبقدر إقبالهم على الجانب المرح مما يُعرَض أمامهم ، بقدر انصرافهم عن المواقف العنيفة أو المؤلمة أو القاسية .
لذلك لابد أن يحتوى العرض المسرحى الناجح للأطفال على قدر كافٍ من المرح أو الفكاهة ، أو على الأقل من المواقف الطريفة .
بل إنه حتى عند تقديم الشخصيات السيئة أو الشريرة ، يجب أن نــُـقدّمها على نحو يجعلنا نسخر منها ، بدلاً من أن نــُـقدّمها بأسلوب يحملنا  على كُرهها ، وهو ما فعلناه عندما قدّمنا شخصيات زوجة الأب وابنتيها فى مسرحية سندريلا .
إن الكُره يتضمّن نوعًا من الرهبة والخشية ، بينما السُّخرية تــُـشعِرنا بالتفوّق ، مما يؤكّد لدى الطفل أن موقف الشر يُزرى بالإنسان ولا يُسبــِـغ عليه صفة البطولة ، بالإضافة إلى ما تتيحه السُّخرية من إمكانيات فكاهية مرغوبة ومطلوبة .
لكن يجب الحرص على ألا ينقلب عُنصـر المرح هذا إلى جعل العمل الفنى مُجرّد مجموعة من الفكاهات ، وإلا انصرف الأطفال عن موضوع العرض المسرحى إلى انتظار ما يُثير ضحكهم .
إن الفكاهة لابد أن تجىء عَرَضــًـا من خلال الموضوع المعروض ، وألا تكون مُـقـْـحَـمَـة أو مُسيطِرة عليه .
إن على كاتب مسرح الأطفال أن يضع نفسه موضع المُتفرجين على عمله ، وأن يسأل نفسه كيف يجعلهم يقتنعون بوجهة نظره ، فى نفس الوقت الذى يُقبــِـلون فيــه بشغف وحُب على مُشاهدة ما يُقدّمه إليهم .
إن على كاتب المسرح أن يعرف مُتفرّجيه بقـدر ما يعرف أبطال مسرحيته .
سابعًا : الحوار واللغة ومُراعاةمُستوى الأطفال اللغوى :
أ - مراحل السن :
لكل مرحلة من مراحل نمو الأطفال محصول لغوى يستخدمونه فى التعبير عن أنفسهم ، ولابد لمؤلف مسرحيات الأطفال أن يكون صاحب خبرة بالحصيلة اللغوية التى يفهمها جمهور الأطفال الذين سيحضرون عروض مسرحيته ، وأن يكون عارفــًـا بالألفاظ المُتداولة بينهم ، وبمدلولاتها كما يفهمونها هم ، وأن يستخدم كُـلّما أمكن الكلمات ذات المضمون المادى الملموس أكثر من الكلمات ذات المعنى المعنوى ، فيختار من الألفاظ ما يُثير المعانى المُتعلّقة بالبصر والسمع والحركة واللمس والتذوق والشم ، فكل حواس الأطفال تــُـشارك فى التعرّف على المعالم المُحيطة بهم قبل أن تبلغ قــُـدرتهم اللغوية أكمل نــُـضجها.
ب - اللغة فى المسرح :
 وقد ثار جدل طويل حول اللغة التى نستخدمها فى مسرح  الطفل ، وهل تكون فــُـصحى أم عامية .
وهناك شبه اتفــاق على أنه بالنسبــة " للمســرح المدرســى " ، فإن المســرح يُعتبــرعُنصرًا من عملية التعلم ذاتها ، لذلك فإن اللهجة التى تـُـستخدَم فيه يجب أن تكون اللهجة الفــُـصحى البسيطة القريبة من لغة الطفل .
أما بالنسبة لمسرح الأطفال الذى يُقدّمه الكبار المُحترفون ،  فإننا فى                     مسرح الطفل لا نستقبل أطفالاً مُعيّنين لهم مُستوى ثقافى متقارب كما هو الحال فى المسرح المدرسى ، وإنما نــُـقدّم مسرحًا لكل الأطفال فى المدينة أو فى القرية ، لأبناء المُثقـّـفين وأبناء الفلاّحين ، لمن يقرءون ويكتبون وللأميين الذين لا يقرءون  ولا يكتبون .
ومن أجل هذا كان لابد لنا من صيغة لغوية تضمن لنا ، لا مُجرّد فهم جماهير هؤلاء الأطفال لمُحتوى النص المسرحى فحسب ، بل استمتاعهم به واندماجهم فيه ، وانفعالهم بأحداثه وتأثــّـرهم به ، لينعكس كل هذا على سلوكهم فى الحياة .
لذلك فإن لغة هذا المسرح يجب أن تكون بصفة عامة هى لغة الحياة اليومية ، القائمة على ألفاظ وتراكيب مألوفة فى حصيلة الأطفال اللغوية ، مع تطعيمها كُـلّما أمكن ذلك بألفاظ وأساليب من    الفــُـصحى المُبسّطة التى يتيسّر على الطفل فهمها دون مشقــّـة .
جــ - الحوار :
 الحوار هو الذى يحمل كل شىء فى المسرح ، فهو كيان المسرحية المادى . وإذا كان كثيرون من الراشدين يُعجَبون بحوار شكسبير الشاعرى الطويل ، أو بالحوار الحافل بالتشبيهات أو بالعبارات ذات التلميحات اللاذعة ، فإن الصغار ينبغى أن ينالوا قسطًا وافرًا من التعليم والخبرة اللغوية حتى يتذوّقوا ويفهموا هذا اللون من الحوار .
إن مسرحيات الأطفال يجب أن تـُـقـَـدَّم فى حوار طبيعى قصير واضح ، فى عبارات دقيقة موجزة ، لأن هذا من خصائص المسرحيات التى يستمتع بها المُتفرّجون الصغار .
وإذا كان من خصائص الكتابة المسرحية للكبار ضرورة الاقتصاد فى استعمال الكلمات وتجنــُّـب الثرثرة ، وحذف كل ما هو واضح ومألوف ، وكان الحوار المسرحى الجيّد هو الحوار المُركّز المضغوط .. وإذا كانت كثير من الأحداث والتحولات تــُـقدَّم فى مسرح الكبار بطريق التلميح ، وعن طريق الانفعال الذى يُثيره المُمثــّـل وليس بمُجرّد سرد القصص ، فإننا فى مسرح الطفل يجب أن نحذر من المُغالاة فى مُراعاة هذه الخصائص لكى لا يخرج الحوار غامضــًـا بالنسبة لأذهان لعلّها تعتمد فى فهم العالم المُحيط بها على بصرها أكثر من اعتمادها على سمعها ، أو يتساوى لديها الاعتماد على الأُذن وعلى العين .
ثامنًا : الحركة واستخدام عناصر المسرح الشامل :
يتأثــّـر الأطفال بالحركة والنموذج المُجسّد ، أشد كثيرًا من تأثــّـرهم بمواقف الحوار الساكنة مهما تضمّنت الكلمات من قوة وعمق .
لذلك فإن مسرحيات الأطفال يجب أن تَعْرض عليهم الأحداث بدلاً من أن تصفها لهم  بالكلمات ، حتى تــُـتيح لهم مُتابعة أكبر قدر من الحركة .
وإذا كانت هذه المُلاحظة هامة بالنسبة للأطفال فى مُختلف الأعمار ،                     فإنها مُلاحظة أساسية يجب مُراعاتها بكل دقــّـة بالنسبة لما يُقدَّم لصغار الأطفال قبل            سن الثامنة .
كما أنه لما كانت طبيعة الطفل تميل إلى الحركــة ، ولمــا كان مــن السهــل علــى
الأطفال أن يحفظوا من الكلام ما كان موزونــًـا أو مسجوعًـا ، مع ميلهم الدائم إلى سماع الأغانى وترديدها ، والقيام بالحركات الإيقاعية مع نغمات الموسيقى وألحانها ، فإنه يحسن أن يُتيح المؤلف إمكانية استخدام الحركات الإيقاعية والرقص والأغانى والموسيقى ضمن ما يُقدِّمه من مسرحيات للأطفال .
لكن يُلاحَظ مرة أخرى ، أن هذه العناصر أكثر لزومًا فى المسرحيات التى تــُـقدَّم للسن الصغيرة ، أما بالنسبة للسن الأكبر خاصة بعد سن 11 و 12 سنة ، فإن الإسراف فى تقديم هذه العناصر قد يؤدى إلى ارتباك الإيقاع المسرحى لدى الأطفال المُشاهدين .
لكن يجب أن نــُـنبّه أنه من المُمكن أن نــُـقدّم للأطفال فوق سن السابعة               أو الثامنة ، مسرحيات ذات قيمة فنية عالية ومُكتملة لا يتخلّلها الرقص أو الموسيقى ، وذلك إذا كان النص والأداء المسرحى على درجة عالية من الاكتمال الفنى . ونحن نسوق هذه المُلاحظة حتى لا تكون قلّة الإمكانيات الموسيقية أو الغنائية أو الراقصة  سببًا فى الإحجام عن تقديم مسرح ناجح للأطفال . 
تاسعًا : مشاركة الأطفال المشاهدين فى العمل المسرحى :
إن دور المُتفرّج فى المسرح ، خاصة فى مسرح الطفل ، ليس دورًا سلبيًّا ... ومن الخطأ الاعتقاد أن كل دور المُتفرّج هو الاسترخاء فى مقعده ومُتابعة العرض .
إن العرض المسرحى لن يتحوّل إلى تجربة غنية إلا عندما يُصبح المُتفرّجون جُزءًا منه ، بمعنى أن تتم عملية تبادل وتفاعل بين المُتفرّج والمسرح ، فالاستمتاع بالمسرح إنما يكون بالتفكير فيما نـُشاهده .
ولكى تتم عملية المُشاركة ، لا يجب أن نـُـقدّم للطفل مسرحيات فى استطاعته أن يتصوّر نهايتها مُنذ البداية ، بل يجب أن ينمو اهتمام الطفل بالمسرحية من مرحلة إلى مرحلة بحيث يُستثار خيال الطفل وتنمو مُشاركته ، إلى أن يصل إلى خاتمة العمل الدرامى .
ومن واجبنا أن نــُـشجّع الطفل وهو جالس فى راحة ليُشاهد المسرحية ، على أن يُشارك فى العمل . ولا يوجَد عند الطفل أى تعارض بين التعلّم والمُتعة ، وفى استطاعة الطفل أن يُحَوِّل التعلّم إلى مُتعة والمُتعة إلى تعلّم . إن اللعب عمل جَدِّى وهام بالنسبة للطفل ، والعمل الجدى يجب أن يُصبح مُتعة للطفل حتى يتقبّله .
ويُمكن أن تتم عملية المُشاركــة أثنــاء التدريــب ( البروفــات ) ، فيُنظــِّـم المســرح
عروضـًـا للتجارب المسرحية يُشاهدها الأطفال ، وينتشر بعض العاملين فى المسرح                بين الأطفال يُدوّنون مُلاحظاتهم حول ردود فعل الأطفـال . وفـى كثيــر مـن الأحيـان  كان المؤلفون - فى بعض مسارح العالم - يُـغيّـرون بعض التفصيلات فى ضوء مُقترحات الأطفال .
هذه المُشاركة بين المسرح والأطفال تــُـعطى للعاملين فى المسرح إلهامًا ، وهى فى نفس الوقت تــُـوقظ خيال الطفل وتــُـثير لديه الإحساس الفنى .
إن اللعب الحر مهم ، لكن يمكن أن يؤدى فى نفس الوقت إلى عمل بَنَّاء .
          إن اشتراك الأطفال فى الإجابة على بعض الأسئلة التى يلقيها عليهم الممثلون ، أو اشتـراكهــم فــى النــداء علــى شخصيــة أوتحذيرهــا ، أو اشتراكهــم فــى أغنيــة ضمــن
  المسرحية ، أو توجيههم الممثل الذى يؤدى جزءًا من العـرض بين مقاعــد المتفرجين ، كل هذا يساعد على جعل الطفل عنصرًا إيجابيًّا فعالاً فى العرض المسرحى ، ويربط الطفل بالمسرح ويزيد ثراء التجربة المسرحية .
          بل إن بعض المسارح تضع بعض الواجبات أمام الطفل المتفرج ، من شأنها أن توجه اهتمام الطفل إلى الأساسيات أثناء العرض ، وبذلك يستطيع أن يتعرف على المعنى الكامن وراء تفصيلات العرض الجذابة .
          إن مسرح الأطفال فى ألمانيا طبق هذه الفكرة ، عندما قدم مسرحية مستمدة من ألف ليلة وليلة عنوانها " قدر الزيتون " . وكان السؤال الذى وجهه القائمون على مسرح الأطفال للمشاهدين هو : " ما هو رأيكم فى الصداقة بين خلف وعبده ؟ " وظل الأطفال طوال العرض يحاولون معرفة الإجابة عن طريق مراقبة تعبيرات الوجوه ولهجـة الصوت والموسيقى . وكم كان سرور الأطفــال بالغـًـا عندمــا اكتشفــوا أن البطلين يبتسمان لبعضهما ويحتضان بعضهما كصديقين ، مع أن كل ما يفكر فيه كل منهما هو كيف يُنْزِل الضرر بالآخر !!
اشتراك الأطفال فى عملية الكتابة للمسرح :
وقد حاولت بعض مسارح الأطفال أن تـُشرك الأطفال فى عملية الكتابة نفسها .              إن خيال الطفل الحى ومنطقه فى معالجة الأمور ، هو أحد منابع الإلهام الهامة لكاتب مسرح الأطفال .
          وفى أحد هذه التجارب جمع المؤلف الأطفال ، ووصف لهم موضوع           مسرحيته ، ثم طلب منهم أن يقيموا بنيان المسرحية . وعندما ظهرت بعض الاختلافات بين ما كان يفكر فيه المؤلف وما قاله الأطفال ، قام المؤلف بدراسة الاختلافات ووضعها فى اعتباره.
          ويمكن أن تتم عملية المشاركة أثناء البروفات ، فينظم المسرح عروضا للتجارب المسرحية يشاهدها الأطفال ، وينشر بعض العاملين فى المسرح بين الأطفال يُدَوِّنون ملاحظاتهم حول ردود فعل الأطفال . وفى كثير من الأحيان كان المؤلفون يغيرون بعض التفصيلات فى ضوء مقترحات الأطفال .
          هذه المشاركة بين المسرح والأطفال تعطى للعاملين فى المسرح إلهامًا ، وهى فى نفس الوقت توقظ خيال الطفل وتثير لديه الإحساس الفنى .


ليست هناك تعليقات: