لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الاثنين، 5 مارس 2018

"في انتظار الريح" قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



في انتظار الريح

بقلم: طلال حسن
      " 1 "
 ـــــــــــــــــــ
    أشرقت الشمس ، مضيئة السهول والتلال والجبال ، وهممتُ أن أحيي رفيقاتي حبات الدخن ، حين ارتفع صوت إحداهنّ : يا ويلي ، جاءت العصافير .
وسرعان ما حطت فوقنا ثلاثة عصافير ، وراحت تلتقطنا الواحدة بعد الأخرى ، دون أن تصغي إلى توسلاتنا .
واقترب أحد العصافير مني ، وكاد أن يلتقطني ، وإذا أحد رفاقه يصيح محذراً : الحدأة .
وهبت العصافير الثلاثة مذعورة ، ولاذت بالفرار ، وسمعتُ حبة دخن تخاطبني بصوت واهن : لم يبقَ أحد غيرنا .
فتطلعتُ إليها ، وقلتُ : لولا الحدأة لانتهينا نحن أيضاً .
وتلفتت حولها قائلة : لابدّ أن العصافير ستعود مرة أخرى .
وخفق قلبي خوفاً ، ولم أنبس بكلمة ، فتطلعت إلى السماء، وقالت : لن ننجو إلا إذا هطل المطر ، ونبتنا في هذه الأرض و ..
وشهقتُ صارخة : دعيني .. دعيني .
والتفتُ خائفة ، وإذا نملة كبيرة سوداء ، تحمل حبة الدخن بين فكيها ، وتسرع بها بعيداً .
يبدو أن مصيري لن يكون أفضل من مصير رفيقاتي ، سأنتهي مثلهن على أيدي العصافير أو النمل أو ..، وارتفع خفق أجنحة ، إنها العصافير ، وتناهى صوت غامض يصيح من بعيد : هوووو .
وصاح عصفور صغير : ماما ، هذه حبة دخن .
وخفق قلبي بشدة ، لابد أنه يقصدني ، لكن أمه صاحت به : ستهب العاصفة ، هيا صغيري ، فلنسرع إلى العش،هيا ، هيا .
وردّ العصفور الصغير قائلاً : دعيني ، يا ماما ، ألتقط هذه الحبة ، ثم ..
واقترب صوت العاصفة : هوووو .
فصاحت العصفورة بصغيرها : هيا يا صغيري ، إن العاصفة قادمة .
ومضت العصفورة ، دافعة العصفور الصغير أمامها ، وداهمتني العاصفة ، وطارت بي فوق الغابات والتلال والسهول والجبال و .. ، ووجدتني أتهاوى ، وسط بحر من الرمال ، لا حدود له .


     " 2 "
ــــــــــــــــــــ
    خيم الهدوء ، بعد أن تلاشت العاصفة ، وتلفتُ حولي، لا عصافير ، لا أشجار ، لا مياه ، رمال .. فقط رمال .. رمال .. رمال ، وتنهدتُ بارتياح ، وقلت ُ : يبدو أن هذا المكان آمن .
وأنّت حبة قربي ، وقالت بصوت ساخر ذابل : آمن جداً، إنني لم أرَ حيّاً هنا منذ سنين طويلة .
والتفتُ إليها ، إنها حبة دخن مثلي ، وخاطبتها قائلة : عفواً ، يا عزيزتي ، لم أركِ .
وردت عليّ بصوتها الذابل : أنا لا ألومك ، إنني هنا منذ فترة طويلة ، وقد صار لوني بلون الرمال .
وسكتت لحظة ، ثم قالت : صحيح إن المكان هنا هادىء وآمن ، لكنكِ لن تنبتي ، وستظلين على مدى السنين مجدبة مثلي ومثل حبات الرمل هذه .


      " 3 "
ــــــــــــــــــــــ
    مرت الأيام ، يوماً إثر يوم ، وأنا لا أرى غير الرمال ، وفي الليالي الطويلة ، تتراءى لي مثل السراب ، السهول والتلال والأنهار والغابات ، ومثل السراب تتلاشى ، وحين تشرق الشمس ، أفيق فأواجه الرمال نفسها .
ومن بعيد ، تناهى إليّ ، ذات يوم ، صوت يدمدم : هوووو .
فهتفتُ بحبة الدخن : رفيقتي .
وهمهمت حبة الدخن : هم م م م م .
 فصحتُ بها : اسمعي ، إنها العاصفة .
وبعكس ما توقعتُ ، لم تهتم حبة الدخن بما قلته ، وردت بصوت واهن : إنني أسمعها .
فهتفتُ بها ثانية : انهضي ، يا عزيزتي ، إن العاصفة تقترب ، ومن يدري ، فقد تأخذنا معها ، وتنقذنا من هذه الرمال .
ولم ترد حبة الدخن عليّ بشيء ، وظلت راقدة بين الرمال ، كأنها حبة رمل ، وتحاملتُ على نفسي ، ووقفتُ بصعوبة ، لعل العاصفة تحملني معها ، وتطير بي فوق السهول والتلال والغابات و .. ، وتعيدني إلى حيث كنت ، وضجت أعماقي بالحياة ، فقد راحت العاصفة تقترب مسرعة ، وهي تصيح : هوووو

ليست هناك تعليقات: