لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الثلاثاء، 28 فبراير 2017

"مشمش وكتاكيت اللوحة" قصة للأطفال بقلم: عبدالجواد حمزاوي



"ملك البحار"قصة للأطفال بقلم : طلال حسن

ملك البحار 
طلال حسن

    منذ أن رآها هذا الميجالودون ، قبل أيام عديدة ، وهو يحوم حولها ، ولا يسمح لأحد غيره الاقتراب منها ، صحيح أنه لم يقل لأحد ، لا تقترب منها ، لكن مجرد حومه حولها ، وتقربه منها ، يجعل الآخرين ينسحبون بعيدا ، دون أن يتفوه أحدهم بكلمة .
وخرج الميجالودون اليوم ، وراح يتجول هنا وهناك ، بحجة البحث عن الطعام ، وهو في الحقيقة يريد أن يراها ، وأبصر في طريقه أكثر من خنزير بحر ، وأكثر من فقمة ، وسلحفاة بحرية ضخمة ، وأسماكاً ضخمة كثيرة ، لكنه لم يلتفت إلى أيّ منها .
وعند منتصف النهار ، اشتد جوعه ، فطارد فقمة ضخمة ، وبفكيه الواسعين القويين المليئين بأسنان حادة ، أطبق عليها ، ومزقها بسهولة ، وافترسها .
لم يشبع ، وهو يعرف أن ما يحبه حقا ، ويشبعه هو افتراس حوت ضخم ، وليس شيئاً آخر ، ولاحت له سلحفاة ضخمة ، تسبح ببطء على مقربة من قاع البحر ، فانطلق إليها بسرعة وبأسنانه الحادة القوية ، حطم درقتها الصلبة وافترسها .
وواصل تجوله ، لعله يرى الملكة ، رغم أنه لم يشبع بعد ، وهل يمكن أن يشبع ملك البحر هذا ؟

   2
ــــــــــ
    بعد منتصف النهار ،  لمح الملكة الأنثى تسبح وحدها ، هادئة ، رقيقة ، جذابة ، هكذا رآها ، واقترب منها ، وقال : طاب يومك .
توقفت مبتسمة ، وقالت : طاب يومك .
وتلفت حوله ، وقال : أراك وحدك .
وابتسمت ثانية ، وهي ترمقه بنظرة سريعة ، وقالت : مادمت تحوم حولي ، فلن يجرؤ أحد ، مهما كان ، على الاقتراب مني .
وقال : وهذا ما أريده .
وصمت لحظة ، ثم قال : إنني جائع ، ولابد أنك جائعة أيضاً .
فقالت : أكلتُ سمكة قبل قليل .
وتلفت حوله ثانية ، وقال : سمكة واحدة لا تشبع .
فقالت : تعال لنصطد فقمة .
واندفع يشق الماء ، وهو يقول : تعالي ، سأصطاد لك حوتا ، دخل مياهنا ليلة البارحة .
ولحقت به ، وهي تقول : لا نحتاج إلى حوت ، الحوت كثير جدا .
واستمر يشق الماء ، وهو قال : ليس كثيراً عليك ، تعالي ، وسنشبع معاً .
و أسرعت حتى حاذته ، وقالت : لندع الحوت ، فحيتان الاوركا يسعون إلى اصطياده لأنفسهم .
ومن بعيد ، لاحت نافورة من الرذاذ فانطلق نحوها ، وهو يقول : ذلك هو الحوت ، سأصطاده ، وهو هدية لك ، أنت تستحقينه .

   3
ــــــــــ
    لم تحاول إيقافه ، فهي تعرف أنه عنيد ، وإنه إذا قال شيئا ، أو نوى على شيء ، فلا أحد يقف في طريقه ، وسيحققه مهما كان الثمن .
ورغم أنها تعرف شجاعته ، وقوته ، وتعرف أن الجميع هنا في المحيط يخافونه ، ويتجنبونه ، إلا أنها كانت خائفة عليه ، لما سيقدم عليه ، فحيتان الاوركا ، التي جاءت لا تعرف من أين ، قوة خطيرة من الصعب مواجهتها ، خاصة وأنها تقاتل مجموعة .
وتقدم الميجالودون نحو الحوت ، الذي كان يسبح في ماء المحيط ، يغوص مرة إلى الأعماق ، ويخرج مرة إلى سطح الماء ، وهو ينفث نافورة من الرذاذ .
وانتهز الوحش فرصة خروج الحوت إلى سطح الماء ، فعمد إلى مهاجمتها ، وبدأ تحطيم زعانفه ، حتى حطمها جميعا ، ثم أنه غاص تحت الحوت الذي أصيب بجروح كثيرة شلته عن الحركة ، وبحركة مباغتة ، وقوية جدا ، اصطدم بقوة أسفل الحوت ، وراح يعمل فيها فكيه الضخمين القويين حتى أجهز عليها .
وطفا الحوت جثة هامدة على سطح الماء ، فانسحب الميجالودون ، ومضى إلى الأنثى ، التي راقبته طوال فترة مهاجمته للحوت ، حتى صرعه ، وقال لها : المأدبة جاهزة ، تفضلي .

   4
ــــــــــ
    في اليوم التالي ، خرجا يتجولان في المحيط ، ويلهوان بصيد السمك على أنواعه ، وأكله ، ريثما يصطادان فقمة ، يمكن أن تسكت بعض جوعهما الذي لا يسكت أبدا .
وقبيل منتصف النهار ، والشمس تسطع في السماء، توقفت خائفة ، وقالت : فلنهرب .
وتوقف هو الآخر ، وتساءل : ماذا !
وأشارت إلى حيث تنظر ، وقالت : انظر ، إنها حيتان الاوركا القاتلة .
ونظر حيث تنظر ، وإذا حوالي عشر من حيتان الاوركا ، تشق الماء نحوهما ، وزعانفها الظهرية تبرز فوق سطح الماء ، وتراجعت خائفة وقالت : إنهم قادمون ، تعال نهرب ، وإلا فتكت بنا .
وظل في مكانه ، وعيناه الغاضبتان ثابتتان على حيتان الاوركا ، وقال : اذهبي أنت ، هيا ، اذهبي .
وتراجعت أكثر ، وهي ترتعش من الخوف ، وقالت : سيقتلونك ، إنهم كثر ، وأشرار ، ولن يرحموك .
وهز رأسه ، وقال : من العار أن أهرب ، سأواجههم ، وأقاتلهم حتى النفس الأخير .
وصمت لحظة ، ثم التفت إليها ، وقال : اذهبي أنت ، وانتظريني عند المساء قرب الصخور المرجانية .
وعند المساء انتظرته ، وانتظرته طوال اليوم التالي ، لكنه لم يأت ، وكيف يأتي ، وهو نتف ممزقة في أحشاء حيتان الاوركا .

الجمعة، 24 فبراير 2017

"حمدان والأصدقاء" سيناريو للأطفال بقلم: شهاب سلطان



"مع من يلعب القمر؟" حكاية للأطفال بقلم: د.شفيق مهدي



قصص قصيرة جداً للأطفال من زمن الديناصورات بقلم : طلال حسن



  قصص قصيرة جداً للأطفال من زمن الديناصورات
قصص : طلال حسن
   لو
ـــــــــــــ
    خرج ديناصور صغير قزم ، يتمشى مع ديناصورة قزمة صغيرة ، فقالت له : ماذا لو كانت هذه الغابة بلا ثعالب أو كلاب أو ذئاب ؟
فقال الديناصور القزم الصغير : عندئذ ربما ظهر بيننا ديناصور ثعلب ، وديناصور كلب ، وديناصور ذئب .

   شكراً
ــــــــــــــ
    توقف الديناصور القزم الصغير ، أمام زهرة جميلة فوّاحة ، وتوقفت معه الديناصورة القزمة الصغيرة ، فقال : لو كنتُ أكبر ، وأنتِ أيضاً كنتِ أكبر ، لقطفتُ هذه الزهرة ، وقدمتها لكِ .
فقالت الديناصورة القزمة الصغيرة : ولو قطفتَ هذه الزهرة الآن ، وقدمتها لي ، لأخذتها منكَ ، وقلتُ لك ، أشكرك ، يا عزيزي .



   لماذا ؟
ــــــــــــــ
    قال أرنب لصديقه : نحن جبناء بعكس الذئاب ..
فقال الأرنب الآخر : الذئاب .. المتوحشة ، السفاحة .. التي تفترسنا .
وتوقف الأرنب ، وقال بشيء من التذمر : لا أدري لماذا وجدت الذئاب .
فرد الأرنب الآخر ، دون أن يتوقف : ربما لنبقى أرانب لا أكثر .
 
   لو أنّ ..
ــــــــــــــــ
    خرج ذئب فتيّ ، وذئبة في عمره ، يصيدان ما يسكتا به جوعهما ، وكان الجو ربيعاً ، فقالت الذئبة الفتية : آه لو أن هذه الغابة الرائعة ، ليس فيها غيرنا نحن الذئاب .
فردّ الذئب الفتيّ ، قائلا : هذا ما لا أرجوه ..
ونظرت الذئبة الفتية إليه مستغربة ، فقال : لو كنا وحدنا في هذه الغابة ، لمتنا من الجوع .




   من يدري ؟
ـــــــــــــــــــــــ
    رقدت العصفورة في العش ، محتضنة بيضها ، ونظرت إلى جارتها الزرزورة ، وقالت : ستفقس بيضتي قريباً ، ويخرج منها عصفور صغير .
فردت الزرزورة بنبرة موحية : من يدري ، ربما خرج منها وقواق صغير .

   الديناصور
ـــــــــــــــــــــ
    أقبل الخشف على أمه راكضاً ، وهو يصيح : ماما ، جاء الديناصور .
وهبت الغزالة من مكانها مذعورة ، ودفعت الخشف برفق أمامها ، وقالت : فلنهرب بسرعة إذن .
وتوقف الخشف ، وقال : لا تخافي منه ، يا ماما ،  انظري إليه .
ونظرت الغزالة ، وتملكها الذهول ، إذ رأت ديناصوراً صغيراً جداً ، إنه ديناصور قزم ، فمالت عليه ، وتساءلت قائلة : ما أنتَ !
وعرف الديناصور القزم سبب ذهولها ، فقال : أنا ديناصور .
فقالت الغزالة : ديناصور ! الديناصور ، مهما كان صغيراً ، يأكلني بلقمة واحدة .
فقال الديناصور : وأنا آكلكِ بمئة لقمة .
وشهقت الغزالة خائفة ، فضحك الديناصور القزم ، وقال : لا تخافي ، أنا ديناصور نباتي .

   زيارة
ـــــــــــــــ
    دخلتْ الديناصورة القزمة الأم إلى الوكر ، ووجدت صغيرها راقداً في مكانه ، وقد أغمض عينيه ، فتمددت إلى جانبه ، وهمست له : أين صغيري الآن ؟
وردّ الديناصور الصغير ، دون أن يفتح عينيه : أتجول وسط الغابة ؟
وشهقت الديناصورة الأم ، وقالت : حذار أن تتجول هناك ، إنها مليئة بالذئاب والكلاب والدببة .
فقال الديناصور الصغير : اطمئني ، يا ماما ، أنا لا أتجول هناك إلا في المنام .

   ولمْ يعد ..
ــــــــــــــــــ
    خرج الديناصور من الوكر ، ولم يعد ، وخرجت زوجته تبحث عنه ، ولم تعد هي الأخرى ، وظلّ الديناصور الصغير ينتظر في الوكر ، لعل أباه يعود يوما، أو تعود أمه ، وطوال حياته ، وحتى بعد أن صار له صغار عديدون ، ظلّ ينتظر أمه وأباه ، لعلهما يعودان إليه ، ذات يوم  ، ويهنأ بدفئهما .

   ما الحقيقة ؟
ـــــــــــــــــــــــ
    تخاصم ديناصوران حول الديناصور " تودور " ، فقال الديناصور اللاحم : إنه ديناصور لاحم .
وقال الديناصور العشبي : كلا ، إنه ديناصور عشبي .
واحتد الديناصور اللاحم ، وقال : لقد رأيته بعينيّ هاتين يأكل اللحم ، فهل أكذّب عينيّ ؟
وردّ الديناصور العشبي محتداً ، وهو يشير بيده إلى عينيه : بعينّ هاتين ، رأيته يأكل الأعشاب ، لن أكذب عينيّ لأصدقكَ .
وكادا يشتبكان ، لولا أن جاء الديناصور " تودور " نفسه ، وعرف سبب خصامهما ، فقال : كلّ منكما قال نصف الحقيقة ، والحقيقة أنني ديناصور لاحم وعشبي في نفس الوقت .

   الأضخم   
 ــــــــــــــــ
    جلس الطفل وأخته مع أمهما ، يشاهدون فيلماً عن الأحياء في الطبيعة ، فقال الطفل : الديناصور العشبي "     
 امفيسيلياس " هو الأطول والأضخم ، فطوله يبلغ " 60 " متراً ، ووزنه يبلغ " 22 ط طناً .
فقالت أخته : كلا ، هناك حيوان أضخم منه ، لم ينقرض بعد ، كما انقرض الديناصور ، وهو حوت الكبريت ، الذي يزيد طوله على " 33 " متراً ، ووزنه يزيد على " 150 " طناً .
وكانت الأم تصغي إليهما ، فقالت : كلا ، كلا ، ففي عالم النباتات توجد ما تفوق الديناصورات والحيتان طولاً ووزناً ، وعمراً أيضاً ، ففي أميركا شجرة اسمها "        السيكوبا " يبلغ محيط جذعها " 31 " متراً ، وارتفاعها يبلغ " مائة " متر ، وعمرها الآن حوالي " 6 " آلاف سنة .

   المتحول
ـــــــــــــــــــ
    فوجئت الديناصورات ، ذات يوم ، بديناصور من نوع " تي ـ ركس " ، متقدم في العمر ، يقف وسط الغابة ، ويهتف : كفانا اعتداء على الحيوانات الضعيفة ، وخاصة العشبية منها ، لنترك أكل اللحوم ، ونتحول إلى أكل الأعشاب .
وقد سمعه ملك ديناصورات " تي ـ ركس " ، فقال : اتركوه ، لقد جنّ .
ولأسابيع عديدة ، ظل الديناصور " تي ـ ركس " ، المتقدم في العمر ، يدور في الغابة ، ويهتف : لنتحول إلى أكل الأعشاب .
لكن أحداً لم يلتفت إليه ، وسرعان ما تهاوى من الضعف والجوع ، وفارق الحياة .

   الدب البطل
ـــــــــــــــــــــــ
    أشيع في الغابة ، أن الدب قتل ديناصوراً ، فعرف في طول الغابة وعرضها " بالبطل " ، لكن أحداً لم يعرف نوع الديناصور الذي قتله ، أهو من نوع " تي ـ ركس " ، أم من نوع " مفيسيلياس " ، أم الديناصور الغبي ، أم من نوع " تودور " .
وعرف الجميع فيما بعد ، أنه قتل ديناصوراً فعلاً ، لكن الديناصور كان من نوع " الديناصور القزم " .

   بيضة
ـــــــــــــــ
    أراد اللقلق ، من صديقه الثعلب ، أن يأتيه ببيضة ليرقد عليها ، ويكون له فرخ من أي نوع كان ، فجاءه الثعلب ببيضة كبيرة جداً ، وفقست بعد أيام ، وإذا بها تفقس عن ديناصور من نوع " تي ـ ركس " ، ولو لم يهرب اللقلق من العش لأكله الديناصور تي ـ ركس .


   الديناصورات المحبوبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    جلس ديناصوران صغيران تحت شجرة وارفة الظلال ، فقال الأول : من حسن حظنا ، إننا من الديناصورات العشبية المحبوبة .
فقال الثاني : إننا محبوبون جداً ، ولهذا فإن الديناصور " تي ـ ركس " يحب أكلنا .

   القمر
ــــــــــــــ  
    جلستْ الديناصورة الأم أمام باب الوكر ، وجلس صغيرها في حضنها ، وراح يتأمل القمر ، الذي كان يسطع بدراً في السماء .
قال الصغير : ماما ..
فقالت الأم : نعم .
تساءل الصغير : هل يوجد الديناصور تي ـ ركس في القمر ؟
فردت الأم : لا .
تنهد الصغير ، وقال : سأعيش في القمر ، إذا استطعت الوصول إليه .

   فراشة
ـــــــــــــــ
    سار دينصوران صغيران في الغابة ، ومرتْ بهما فراشة كأنها زهرة طائرة ، فلاحقها أحدهما ليمسك بها ، فصاح به الآخر : أيها المجنون ، تعال ، إنها حشرة لا تؤكل .


   الحمامة الصغيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    أطلت حمامة صغيرة ، من تحت جناح أمها ، وهما في عش بأعلى شجرة ، فرأت ديناصوراً ضخماً يسير بين الأشجار ، فتنهدت ، وقالت ك آه ليتني بحجم هذا الديناصور .
فقالت لها أمها : عندئذ لن تكوني صغيرتي .
فطوقت الحمامة الصغيرة عنق أمها بجناحيها ، وقالت : ماما ، لا أريد أن أكون ديناصوراً .



الثلاثاء، 21 فبراير 2017

حول الذائقة الجمالية والفنون دراسة من إعداد : أ . يعقوب الشارونى



حول الذائقة الجمالية والفنون

دراسة من إعداد : أ . يعقوب الشارونى

* المقصود بالذائقة الجمالية

الذائقة الجمالية التى تصقلها القدرة على التذوق الجمالى ، مقصود بها الشعور بسيطرة العمل الفنى علينا سيطرة قوية . فالشعر أو التصوير أو الموسيقى عندما تستحوذ على الوعى ، لا تترك مكانًا لأى شىء آخر ، وبالتالى لا تثير أسئلة عما يكمن وراء الموضوع الجمالى ، ولا تبحث عن تفسير له . ففى                  " لحظة الاكتشاف " ، يكون للإنجاز الجمالى تأثيره المباشر والمكتمل علينا .
ذلك أن أحاسيسنا ومشاعرنا يتم الاستيلاء عليها على نحو تام ، وقد تركز انتباهنا على الموضوع الجمالى . ومنذ لحظة الاكتشاف ، نظل متعايشين مع ما سيطر على مشاعرنا ، فننتقل من لحظة استيعاب التجربة الجمالية ، إلى عملية اكتشاف جوانب تلك التجربة . ذلك أن الأحكام الجمالية تتضمن الإحساس والعاطفة والفكر ، كلها فى وقت واحد .
          ويتضح ذلك فى الأثر القوى الذى تتركه فينا " الشخصيات " التى نقابلها فى الروايات والقصص التى نطالعها ، أو " الأحداث " التى يتعرضون  لها ، كذلك المشاعر التى تثيرها المسرحيات ونحن نشاهدها ، أو الشعر والموسيقى عندما نستمع إليهما ، أو اللوحة التشكيلية عندما نتأملها . عندئذ نستمتع بالنفاذ والقوة والوضوح والدقة التى تمس وجداننا وعقلنا ، عند ذلك اللقاء المباشر بالموضوع الذى نحس أمامه  بالجمال .
          إن علم الجمال هو العلم الذى يتعامل مع خبرات الشعور                       والإحساس .. مع " تقدير الجمال " وسلامة التعبير عنه عند اتصال المشاعر المحسوسة بالفهم اليقظ المستنير للموضوع الجميل .
إن الإحساس بالجمال هو قمة سلامة العلاقة بين الإنسان والطبيعة وكل ما يحيط به . فما نطلق عليه تعبير " جميل " ، هو ما يجعل للحياة                معنى ، فنحرص عليها ونسعد بها ونرضى عنها .                  
وإذا كان المبدعون لما هو " جميل " قلة محدودة ، فإن المتذوقين يمكن أن يصل عددهم إلى كل أفراد المجمع ، وهو ما يجب أن نسعى إليه .

* لماذا يختلف الناس فى الإحساس بما هو جميل

والإنسان يتعرض فى المجتمع لكثير من المشاعر المختلفة ، وذوقه                               لا يتشكل فوق صفحة بيضاء ، بل هو يتأثر بمختلف ما يحيط به أو يتعرض له أو يتصل بحياته منذ الطفولة . لذلك يختلف الناس فى الإحساس بما هو جميل . ومع ذلك فبين الأشياء الجميلة طابع مشترك يجعلنا نصفها بأنها جميلة .
          وقد يكون السبب فى اختلاف الذوق ، هو اختلاف القيم التربوية التى نشأ الإنسان فى ظلها ، أو تنوع عناصر البيئة التى أحاطت به فى البيت                     والشارع والمدرسة وأجهزة الإعلام والموقع الطبيعى . كما أننا نتأثر بماضينا فى الحكم على جمال الأشياء فتتدخل " ذكرياتنا " فى عملية تقديرنا الجمالى .
          وقد يكون مصدر اختلاف الأحكام الجمالية أن الناس يخلطون بين الجمال وأشياء أخرى . فهناك من يتصورون أن الشىء الجميل يجب أن يكون نافعًا ومفيدًا . والحقيقة أن الجمال ليس شرطًا أن يقترن بالمنفعة . وقد نحكم على الشىء بالجمال لأنه جديد أو غريب ، أو نخلط بين الجمال والجاذبية الجنسية .
          وكثيرًا ما نعجز عن إبعاد هذه العناصر المتداخلة عند تقديرنا لجمال الشىء. وكلما استطاع المتذوق استبعاد أكبر عدد من تلك العناصر التى تتداخل مع صفة الجمال ، ازداد اقترابه من إدراك الطابع الجمالى فى الشىء الجميل .
وبالتالى فإن الأحداث السياسية والظروف الاجتماعية قد تتداخل مع هذا الإحساس الذهنى بالانبهار والاستمتاع والراحة المرتبط بالموضوع القادر على أن يبث فينا الإحساس بالجمال ، وبالتالى فإن الأحداث السياسية والظروف الاجتماعية كثيرًا ما تؤثر فى مدى قدرتنا على استخلاص الجميل من بين العناصر التى تتداخل عند اكتشاف ما هو جميل والإحساس به .

* تعدد لغات التعبير عن الحس الجمالى

ولابد من ملاحظة أن كل شكل من أشكال الفن له لغته الخاصة فيما يتعلق بالأحكام الجمالية . فما يجعل لوحة جميلة أمر مختلف عما يجعل الموسيقى جميلة ، كما يختلف عما يجعلنا نكتشف الجمال فى قصة أو رواية أو شخصية مسرحية . وهذا يقودنا إلى اكتشاف قلة الكلمات المتخصصة التى تعاوننا على أن نعبر بدقة عند إصدار الحكم الجمالى ونحن نواجه أنواعًا متعددة مختلفة من أشكال الفن .
فقضية الجمال تختلف عن كونها مجرد " اتفاق " ، لأنه إذا أعلن شخص أن شيئًا ما جميل ، فهو يتطلب نفس الإعجاب من الآخرين - مع أنه  لا يحكم إلا تعبيرًا عن نفسه ولا يحكم بالنيابة عن الآخرين - بينما هناك من يتكلم عن الجمال كما لو أنه خاصية فى الأشياء .
ذلك أن العامل النفسى ، وهو عامل داخلى ، لا يخضع للمقاييس الكمية ، فى حين أن هذا العامل الداخلى هو أساس الحكم الجمالى .
لكن من أبرز العناصر فى تقدير الجمال بوجه عام ، صدق التعبير ،                 فهو السمة الظاهرة فى العمل الفنى التى تسمح بأن نصفه بالجمال . فالشىء يخلو من الجمال إذا خلا من الصدق .
وليس معنى هذا أن الصدق فى ميدان الفن مطابق للصواب فى ميدان البحث عما هو حق . إن الصدق فى ميدان التعبير الفنى متعلق بالقلب لا بالعقل - ومعنى ذلك أن صدق الأشياء الجميلة هو تعبيرها القوى المخلص عن المشاعر النبيلة .

* الجيل الجديد وتنمية الذائقة الجمالية

وأمام الأجيال الجديدة ، تظهر الحاجة إلى تعبير فنى يناسب احتياجاتها الجديدة المتغيرة - وغالبًا ما تظهر هذه الحاجة فى شكل " طلب التسلية " - بينما يسعى معظم من ينتجون ويوزعون " الفن الجماهيرى " إلى الحصول على الأرباح من وراء إشباع هذا الطلب - فالأحلام تتحول إلى سلع تجارية : الفتاة الفقيرة تتزوج المليونير ، والفتى الساذج يتغلب بقوته العضلية وحدها على كل العقبات التى يواجهها .
بينما هناك أعداد هائلة من البشر ما زال عليهم أن يتعلموا التمييز بين الجيد والغث ، وأن يشَكِّلوا ذوقهم ويطوروا قدراتهم على الاستمتاع بالأعمال ذات المستوى الرفيع .
هذا يقود إلى تأكيد القوة الاجتماعية والجمالية والتربوية للكلمة والصورة، والنظر إلى الإبداعات الفنية كقوى تترتب عليها آثار بعيدة المدى قوية التأثير . أى لابد أن نأخذ كل صور الإبداع الفنى " مأخذ الجد " - ذلك أننا نجد أمام الشباب والأبناء الآن ، كثيرًا من صور انعدام الذوق جنبًا إلى جنب مع الفن الصادق - تجد العواطف الزائفة إلى جوار الصدق الذى يمسك بالأنفاس . والذى يسعى إلى الربح يحاول إخفاء أهدافه فى ملابس تنكرية .
هنا يظهر دور التربية الواعية ، التى تبرز أهم أهدافها فى تنمية قدرة الجيل الجديد على التمييز بين الثمين الصادق والغث الزائف . وهذه التربية المسئولة لابد أن تتسلح بالوعى لأثر أبسط الكلمات والتصرفات ، التى كما تبنى الذائقة الجمالية واحترام الصدق الفنى وتؤكد التمسك بالجميل من السلوكيات ، فإنها قد تسرب القيم المرفوضة وتضفى القيمة الزائفة على النماذج المتخلفة التى لا يسعى منتجوها إلا إلى الربح على حساب قيم الخير والحق والجمال .

* دور الأسرة

للأسرة دور رئيسى فى فترة الطفولة المبكرة - فلابد أن نحيط الأبناء بما هو جميل وراقٍ وصادق ونبيل ، فى السلوك والتعامل .. فيما ننطق من كلمات وما نعبر به عن مشاعرنا من انفعالات وعبارات .. فيما نحيط به الطفل من تناسق وانسجام فى كل شىء .. فى اللوحات التى نعلقها على الجدران ، فيما نختاره من أغانٍ وموسيقى يستمع إليها الأطفال .. فيما نتيحه لهم من برامج فى التليفزيون أو على وسائل التواصل الاجتماعى عندما يبلغون العمر المناسب للتعامل مع هذه  الوسائل .
إن اختيارات الآباء التى لابد أن يتعرض لها الأبناء بحكم تواجدهم المكانى مع الكبار داخل البيت ، تترك أعمق الآثار وأطولها تأثيرًا فى اختيارات الأبناء ، وفى تنمية حسهم الجمالى والأخلاقى والسلوكى - فى اختياراتهم لملابسهم ، لألعابهم ، لأصدقائهم ، لما يشاهدون من أفلام ويقرءون من كتب ومجلات ، وما يستمعون إليه من موسيقى وأغانٍ ، وما يفضلون مشاهدته من لوحات وإبداعات تشكيلية .

* دور أجهزة الإعلام

وعلى من يقومون على شئون برامج التليفزيون ، مراعاة أن تلك الشاشات أصبحت من أهم مصادر تنمية الذائقة الجمالية لدى المشاهدين الصغار . ونرى هذا فى تقليد الصغار ، فتية وفتيات ، ملابس وسلوكيات المذيعات والمذيعيين ، وطريقة تصفيف الشعر ، بل طريقة الحديث والتعبير البدنى . إن كل " كادر " يظهر على الشاشة ، يساهم على نحو لحظى مستمر ، فى تكوين الذائقة الجمالية للمشاهدين . بل أصبحت الشاشات من أقوى وسائل نمو وتوجيه التذوق الجمالى إيجابًا أو سلبًا .

* أثر الحياة فى مدينة

وإذا انتقلنا إلى الشارع وما يموج به من مؤثرات على مختلف            الحواس ، وهى مؤثرات يتكرر تأثيرها وذلك للتعرض لها يوميًّا ، بل أكثر من مرة فى اليوم .. فيكفى أن نركز انتباهنا على أثر إعلانات أفلام السينما التى يشاهدها الصغار ويتأملونها وهم فى طريق الذهاب والعودة يوميًّا من وإلى مدارسهم - وهو ما حمل بعض الحكومات على أن تقرر ضرورة إخضاع كل إعلان يوضع فى الشارع لرقابة دقيقة ، لأن هذه الإعلانات من أكثر ما يتعرض له الأطفال والشباب من منتجات الفن التشكيلى ، بمساحتها المتسعة واختيار لقطاتها الأكثر إثارة وتأثيرًا .
وإذا أشرنا إلى الفوضى فى تجاور طرز العمارة المتنافرة ، فلابد أن نشير إلى ما يصيب واجهات تلك المنازل من تنافر فى الألوان قد يصيب الشقق المتجاورة فى بناية واحدة - والإعلانات العشوائية عن المهن والمحال التجارية التى تقدم أسوأ نماذج للفوضى وسوء الذوق .

* دور المدرسة

وإذا وصلنا إلى المدرسة التى يقضى فيها الطفل ثلث ساعات اليوم ، وتأملنا جدران كل صف دراسى ، وكيف يجب أن تكون عنوانًا للذوق والجمال فى كل ما يُعَلَّق عليها - وإذا تأملنا الفناء وما لابد أن يحتوى عليه من عناصر تتسم كلها بالذوق والتناغم ، فلابد أن نستنتج الأثر القوى لكل ذلك فى تنمية الذائقة الجمالية لدى التلاميذ .
ولابد أن نضيف أهمية الرحلات المدرسية لزيارة المتاحف الفنية والأثرية ، وأن تكون الكتب المدرسية عنوانًا للجمال والتناسق ، شيقة جذابة، وأن نتيح للأبناء ارتياد الحفلات الموسيقية الراقية وعروض المسرح مرتفعة المستوى .. كل هذا لابد أن يتضافر معًا لتنمية الذائقة الجمالية لدى أبناء الجيل الجديد .

أهم المراجع

 

- أرنست فيشر : ضرورة الفن - ترجمة أسعد حليم – القاهرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1971 .
- كولنجوود – روبين جورج : مبادئ الفن – ترجمة د . أحمد حمدى محمود – القاهرة – الدار المصرية للتأليف والترجمة – 1966 .
- جنكنز – إيردل : الفن والحياة – ترجمة أحمد حمدى محمود – القاهرة – المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر – 1963 .
- أبو ريان – الدكتور محمد على – تأليف - : فلسفة الجمال – القاهرة – الدار القومية للطباعة والنشر 1964 .