لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



السبت، 9 سبتمبر 2017

"هو .. جــدي وصــديقي" قصة للأطفال بقلم: د. إيمــان ســند

هو .. جــدي وصــديقي

د. إيمــان ســند
منذ أول عهدي بهذه الدنيا، وأنا وجدي نتشارك كل شئ، مما جعل أبى يُطلق علينا "الرفيقين" ... نتقاسم الغرفة نفسها، يأخذ هو السرير الكبير، وأنام أنا على السرير الصغير القابع فى ركن قصي من الغرفة ... كان سريري ذا حواجز من كل الجهات ليمنعني من السقوط؛ فهو سريري منذ أن كان عمري أربع سنوات، فلما لاحظ جدي أن رجلي أصبحتا أطول من السرير، وأنني أجد صعوبة فى النوم هكذا، وأنني غير مرتاح، أمر أبى فورا أن يغير لي السرير، ففعل ذلك فى أقصى سرعة، وتعجب كيف أنه لم يلحظ ذلك ..! وأن جدي هو من أدرك ازدياد طولي.
فى ليالي الشتاء الطويلة الباردة يسعنا سرير جدي الكبير، فلا أحس ببرودة الجو، وأنام فى سعادة ودفء لذيذين، ويستمر هو فى سرد الحكايات حتى يأخذني النوم منه بعيدًا.. يحب جدي أن يحكى لي عن جدتي التى لم أرها فى حياتي، يذكر لى كم كانت جميلة، ومحبة لكل من حولها.. حكايات جدي هذه تغذى كل مشاعر الحب، والتعاطف عندي، وتغذيني بكل معاني الوفاء، وأحس معه أنني أعرفها بالفعل، وعشت معها قبلًا.
عندما ذهبت إلى المدرسة أول مرة قضى جدي اليوم بأكمله واقفًا على باب المدرسة، وفشل الجميع فى إقناعه بالعودة إلى البيت.. كنت أبكى، وأخرج أحيانًا من الفصل لأجده يحوم حولي كالفراشات؛ يعطيني بالونة ملونة فى المرة الأولى، ويعطيني طعامًا فى المرة الثانية، وحينما دق جرس الانصراف، أخذ يدي فى كفه الكبير، ومشينا إلى البيت.. وفى الأيام التالية طلبت من جدي أن يرافقني إلى المدرسة، فرفض قائلاً: أنت الآن كبير.. يمكنك الاعتماد على نفسك، فأحسست بكلماته تشجعني، وقررت الذهاب إلى المدرسة وحدي، ولم أبك مثل الأطفال الآخرين أبدًا، وأنا الآن أحب المدرسة، وأحب أصدقائي فيها، وأحب معلمتي، وأرفض التغيب عن الدراسة يومًا واحدًا دون عذر، أو مرض .. وعند عودتي كل يوم من المدرسة أجد جدي واقفًا فى الشرفة يحييني.. وعندما تتأخر عربة المدرسة عن العودة، ولو لدقائق.. أجده فى الشارع قلق على، ينتظرني، وبمجرد نزولي يأخذني بين أحضانه.
عندما تأتى طبيبة المدرسة لتعطينا نحن التلاميذ (التطعيمات) للأمراض المختلفة، يبكى الأطفال جميعًا عداي؛ حيث علمني جدي أن ذلك ضروري للحفاظ على صحتنا، لأنه يمنح أجسامنا مناعة ومقاومة لهذه الأمراض، ويجعلنا أقوياء فى مواجهته، من أجل ذلك أنا لا أخاف من الحقن، وأقف فى أول الطابور وأشجع زملائي فى الفصل.. ولكن فى أحيان كثيرة، وعند انتهاء اليوم الدراسي أحس بسخونة شديدة فى جسمي، وأنام فى الحافلة، وعندما أصل إلى باب المنزل وتكون المشرفة بجواري لمساعدتي على النزول، أجد جدي فى الانتظار، ولا أعرف كيف أحس بى، وبتعبي، ويقوم بحملي حتى يضعني فى سريري، ولا يتركني إلا بعد أن يتأكد أنني قد أصبحت فى حالة جيدة..
الآن أنا كبرت.. الحجرة أصبحت تضيق بلعبي، وكتبي، ومكتبتي.. لا أتحرك فيها براحة، كما أنني أحتاج جهازًا للكمبيوتر فى غرفتي.. يحس جدي بما لم أقله من كلمات.. فى هدوئه المعتاد يطلب من أبى أن يترك لي الحجرة، ويأخذ هو الحجرة الصغيرة المجاورة لحجرتنا، يعيش فيها بمفرده.. يغضب أبى منى.. يظن أنى قد ضايقت جدي، ولكن جدي يؤكد له غير ذلك، وأنه قد آن الأوان كي أنعم ببعض الحرية والاستقلال، وهو كذلك. وأنه يريد بعض الهدوء الذى سينعم به فى الحجرة الصغيرة بمفردة.. يوافقه أبى على مضض، ويوفر لكل منا حجرة مستقلة.. أعيد ترتيب حجرتي بعد أن أصبحت جميلة، واسعة، ولكن أجدني أدور حول نفسي طوال النهار أبحث عن شيء ينقصني، وفى النهاية أعترف أنني افتقد جدي.. أذهب إليه.. أطلب منه العودة إلى بيته الذى هو حجرتنا معًا، يرفض جدي فى أول الأمر، يسوق أعذارا مثل أنه أحيانًا يصيبه الأرق ليلاً فيقلقني، أو أنني أحتاج إلى استقبال أصدقائي فى الحجرة مما يزعجه، وكثيرًا من الأعذار التى لم أقبلها، فيعود معي وقد أشرق وجهه، وعرف أنني لايمكننى الاستغناء عنه.. وأنه ليس جدي فقط، ولكنه صديقي إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات: