لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

"الحِمَارُ صَاحِبُ الجَلالَةِ " قصة للأطفال بقلم: محمود عقاب



الحِمَارُ صَاحِبُ الجَلالَةِ
 تأليف : محمود عقاب
      القصة الحائزة علي المركز الأول بإقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي أدب طفل عام 2016

  حكايات علي المقامات

  يُحكي عَـن ِ الثعلـبِ  أنَّهُ تقـلـَّدَ منـصـبَ الوزير , وقـد عيَّنـهُ الأسـدُ مـلكُ الـغـابةِ ذو

المقام الكبير ، ومَكـَثَ الثعلبُ في الـوزارةِ أياماً , لكنـَّهُ طمعَ أن يكـونَ ملـكـاً همامـاً.

  وقال لنفسـهِ : لـن أحـقـِّقُ في غابتي الـرسالـة , إلا إذا كـنتُ أنـا صَاحِـبَ الجـلالـة ,

فـإنَّ قـوَّةَ ذكائي في التخطيطِ والحـسـم ، تعادلُ قـوةَ الأسـدِ فـي العَـضَـلاتِ والجسـم ،

فلابدَّ أن تقـودَ قـوةُ عقلي الفـَطِـن ِ، قوَّتـَهُ التي تتمثلُ في البدن ِ .
  
                                        *****
  بعدَ حيرةٍ وتفكير ، ذهَبَ الثعلبُ الـوزير ، إلي قاضي الغابـةِ دبدوب الشهـير، ولمَّـا

أقبلَ عليهِ قال : السلامُ عليكم يا جَنـَابَ القاضي دبدوب .

ردَّ دبدوب : وعليكم السلام يا وزيرُ , ما المطلوب ؟

  قال الثعلبُ : جـئتُ أستشـيرُكَ وأنتَ تحكـمُ بالـعـدل ِ لا بالهـوى ، ولا تـخـافُ قـويَّـاً

مهما اشـتدَّ أو قوي ؟

   قال دبدوب : سَلْ ما شئتَ وسأوافيكَ حُسْنَ الإجابة ؟

   قال الثعلب : ماذا ينصُّ قانونُ من يحكمُ الغابة ؟

   قال دبدوب : القانون ينـصُّ أنَّ الغـابـةَ امتلاك ، يحكمُهـا القـوىُّ صَـاحِبُ الأمـلاك

   قال الثعلب : القوَّة بالجسم أم بالعقل ؟

   قال دبدوب : أيَّـة قـوةٍ تؤدِّي لنفـس الفعل ، تستحقُّ أن تحـكـمَ الغابة ، فمن استطاعَ

أن يجعلَ لنفسِهِ مهابة، وأن يمتلك الفرائسَ والزروع ، وأن يغني رعيَّتَهُ عن الجوع ؛

أصبحَ عَنْ جدارةٍ ملكاً علي الحيوانات ؛ لأنـَّه أقوي وأغني الكائنات .
                                            - 1 -
  قال الثعلبُ في سرور : إذن ليس الحكمُ حِـكـراً علي الأسد ؟!

  قال دبدوب : نعم , فإنْ كانَ هـنـاكَ مـن هـوَ أقـوي فـي الجـسـد ، وأغني فـي الـزَّادِ

والمَدَدِ؛ استطاعَ أن يحكـُمَ للأبدِ .

                                            *****

  خـَرَجَ الثعلبُ مـن عـند القاضي وهـو فـي تفكـيرٍ عميـق , وشعـرَ أنَّ نـصَّ القانـون

سيمهِّـدُ لهُ الطريـق ؛ لـيـكونَ ملـكـاً عـلـي الغـابَة ؛ لـذلكَ قـرَّرَ أن يقـابـلَ أصـحـابَه ؛

ليعاونوه فيما يفـكـِّر ، وينفـذوا له كـلَّ ما يدَبِّر .

 اجتمعَ الثعلبُ بالقردِ والزرافةِ والفيل ، أقربُ الحيواناتِ التي تعاونه في كلِّ سبيل ،

وقال للثلاثةِ : ما رأيكم لو أصبحتُ ملكاً عـلي الغابةِ بقوةِ الذكاء ، وكانت هديَّتي لكـم

أن تكونوا من حولي وزراء ؟

  قال القردُ متعجباً : كيف ذلك وهناكَ الأسدُ ملك الغابة ؟!

  قالت الزرافة مذهولة : كيف تدحرج صخرة فيها من القوة والصلابة ؟!

  قال الفيل : وكيـفَ تحكم بقـوة الـذكاءِ ، الـذي لا يعـترفُ بها كـثـيرٌ مـن العـقـلاءِ ؟!

الحيواناتُ  تحكمُهـا قـوةٌ مجسـدةٌ بالعـيون ِ تراهـا ، ليـسـت قـوة وهـمـيـة تسـمعُ عـن

صداها !

  قال الثعلب : سأجعلُ من ذكائي قوةً حقيقية ًتراها العيون .

  قال القرد : وكيف تحقـِّق هذا الحُلـْمَ المجنون ؟!

                                            - 2 -

  قال الثعـلـب موضِّحـاً حيلـتـَهُ : أن يـزولَ مُـلـْـكُ الأسـدِ فـيـصـيرَ فـقــيراً ، ولا يجـد

أملاكـاً تجعلـُهُ أميراً ، ونمنعَ عنه الصيدَ والفرائِسَ قليلا ؛ حتى يصيرَ جسْمُـهُ ضعيفـاً

هـزيلاً ، فتجوعَ الغابةُ في حُكمهِ وتطلب ملكاً بـديـلاً ، بعـدَ أن نكونَ حـوَّلنـا خـيراتِ

الغابةِ إلي المـزرعةِ المهجـورةِ المجاورة ؛ لأعلِـنَ عَـنْ أملاكي الجديدةِ عـندمـا تأتـي

المناظرة ، حينئـذٍ أفـوز بعرشي في العـرين ، وأنتـم تصبـحـون وزرائي المطيعـين .

  قالت الزرافة : يا لها من فكرةٍ رائعةٍ من ثعلبٍ أستاذ !!

  قال الفيل : لا تعلنوها لأحد وهيا بنا للعمل والنفاذ ؟!

                                               *****

  بَـدأ القردُ في زراعـةِ المـزرعةِ بالنباتاتِ والأشجـار، بعدما كـانَ يـزرعُ الغابةَ لـيـلَ

نهـار، والـزرافـةُ تقطفُ الثمارَ بفـمِهَـا العالي ، ثـمَّ ترميـهـا فـي المـزرعَـةِ في ظـلام

الليالي ، والفـيـلُ يحطـِّم الأشجـارَ التي يملكها الأسـد ، مستغـلاً لديه ضخامة الجسد ،

والثعلبُ يخطـفُ الأفراخَ وكـلَّ الفرائِس ِ والطيور ، ثـم يرميها في المزرعـةِ كلَّ يومٍ

من أعلي السـور.

                                               *****

  قد أصَابَ حيواناتِ الغابةِ الجوعُ  والفقر ، ولـم تستـطـعْ النمـورُ والذئابُ  والكـلابُ

 الصـبر ، فـذهـبَ الجميعُ إلي الثعلبِ الـوزير .

  قال لـه أحـد النمـور في غـضب : يـا وزير أين ذهَـبَ الطعامُ والخيرُ الوفـير ؟!

                                            - 3 -

  قال الثعلب : أنا لستُ مسئولاً لأنني لستُ ملك الغابةْ  !!

  قال النمر ثائراً : الجُـوعُ قد تملـَّكنا وأظهرَ أنيابَهْ ، فلن نفرِّقَ بين ملكٍ أو صُعلوك .

  قال الثعلـبُ في حكمـة : لا يـصـحُّ أن تنتهكـوا عـرينَ الملـوك ، فأنا الثعـلـبُ حكـيمُ

الزمان، سأحلُّ لكم المشكـلة في أمان .        

                                               *****    
  شعَرَ الأسدُ بنقص ٍ في الفرائس والثمرات ، وفقدان القوة والممتلكات ، وقـد أصـابَهُ

الجوع ، وبدأ يسألُ عـن الموضوع ، والثعلبُ ينصـت إليهِ في خشـوع : أيُّهـا الثعلـبُ

الوزير ، ماذا جَرَي من أمرٍ خطير ؟!

   قـال الثعلب : مولاي قـد حـلَّ في الغابةِ القـحـطُ والجفـاف ، والطاعـونُ أهـلكَ كـلَّ

الفـرائـسَ مـن أفـراخ وخِراف ، والرياحُ حطمـت الأشجـار ، والـديدان أكلـت الثمار،

والسُّوسُ أكلَ الحبوبَ والغلال ، وأصبَحَت الغابة كالصحراءِ أحجارٌ ورمال .

قال الأسدُ مذهولاً : هذا كلامٌ غيرُ معقول ؟!!

  قال الثعلب : بل الغابة تقولُ أنـَّكَ المسـئـول ، وعزَمَت النمـورُ و الذئابُ  والضِّباعُ

 وحـتى الكلاب ، علي التهامِكَ لأنكَ -  كما يزعمون -  أوَّلُ الأسباب .

  قال الأسد : لستُ مسئـولاً عن القضَـاءِ والقـدر ونـزولِ الـبلاءِ ، وكـلنا في الهـمِّ بلا

 استثناء .

                                            - 4 -
  قال الثعلب : أهـلُ الغابةِ يـزعـمـون أنـَّكَ وراءَ ما أصـابَـهـم من جُـوع ٍ ، لأنـَّكَ في

اعتقـادهِـم  إلهٌ مسموع ، ومسئولٌ عن كلَّ شيءٍ وأنتَ جالسٌ في العرين ، تـُطاعُ مِن

أجـل ِ أن تـُطعِمَ الجوعي والمساكين .

  قال الأسد : أنـِّي مظلومٌ وبرئٌ من هـذه الاتهاماتِ والشكوك !

  قال الثعلب : عشتَ يا مولايَ تظلمُهُمْ ألا يحقُّ لهمْ أن يظلموك ؟!

  قال الأسد منكسراً : أتتركهم يأكلونَ ملكاً عاشَ في عزٍّ ومهابة ؟!!
   
  قال الثعلبُ : لنذهب إلي القاضي دبدوب ليحكمَ بينـَكَ وبينَ الغابة .
                                          *****
  حَضَرَ الثعلبُ الوزيرُ ومعه الأسد ، فاقدُ الأملاكِ وقـوِّةِ الجسد ، ومِن خلفِهِ أصحابُهُ
 
القـرد والزرافة والفيل ، أمـامَ منصـةِ دبدوب القاضـي الجليـل ، وقـد أرسـلَ الثعـلـبُ

إلي الحيواناتِ فجاءت مسرعة ، وجلسَ الجميعُ أمامَ المنصة بـين الغابة والمزرعـة .

   قال الثعـلـبُ للقاضي : الحـيواناتُ يا مـولاي  تصرخُ مِـنَ الفـقـر والجوع ، وتتهـمُ

الأسـدَ أنـَّهُ وراءَ ذلكَ الموضوع ، فالغابـةُ أصابَهَا البلاءُ والذل ، والأسـدُ غـير قـادر ٍ

علي الحل ، بعـدما فـقـدَ قـوَّتهُ وأملاكَهُ ، فاحكمْ باستقالتِهِ حتى لا يلقي هلاكَهُ .

   قال القاضي دبدوب : هل هناكَ من يستطيعُ حكـمَ الغـابةِ في بـراعـة ، ولـديه القـوةُ

والأملاكُ لسدِ الاحتياجاتِ ومنع المجاعة ؟

                                            - 5 -

   صمتَ الجمـيعُ ، ونطـقَ الثعلـبُ الوديعُ : أنا يـا جـنـابَ القاضـي ، أمتـلكُ الأطيـانَ

والأراضي ، وأمتـلكُ هذه المزرعـةَ العامرةَ بالخـيراتِ ، وأنـا من أمـلكُ إطعـامَ وسـدِّ

احتياجاتِ الحيوانات .


  فرحَت الحيواناتُ فرحةً عارمة ، وأرادَ دبدوبُ أن ينهيَ المحاكمة ، ويصدرَ حُكمَـهُ

بالملكِ الجديد ، واستعدَّ الثعلبُ فرحـاً للمنصـبِ السعـيدِ ، وقبلَ نطـق القاضي بالحكـم ِ

السـديد ، سمعَ صوتاً من داخل المزرعة يهزُّ الأسوار ، إذا به صوتاً لنهـيـقِ حِمار !!

وقد تصاعـدَ شيئاً فشيئاً صوتُ النهيق ، والحِمـارُ يقـتربُ نحوهـمْ فـي الطريق ، وقـد

خـيَّـمَ علي كـلِّ الحاضرينَ الذهول ، والحمارُ اقــتربَ منهـم وهـو يقـول : من أنتم ؟!

قـد أقـلقـتـم منامي ، وأفسدتـُم عليَّ أحلامي .

  قال القاضي دبدوب : ماذا تفعلُ داخلَ المزرعةِ أيُّها الحِمار؟!!

  قال الحِمار : أنـا صـاحـبُ المـزرعـةِ وصـاحـبُ تـلكَ الثـمـار ، وقـد أنعـمَ اللهُ عـلي

المزرعـةِ بالازدهار ، زروعٌ وثـمـارٌ وطيـورٌ ودجـاج ، وأصـبـحـتُ مــنذ فــترةٍ بـلا

احتياج ؛ رغـمَ الـراحـةِ والاسترخاء ، بلا مجهودٍ أو عناء .

  نظر القاضي دبدوب إلي كل الحيـواناتِ سلالـةٍ بعد سلالة ، وفجأةً قـد أعلـَنَ حكمَـهُ

فـي اختـصــارٍ وعجالة ( أيتها الحيـوانات :  بنـصِّ قـانـون الغـابـة الحـمـارُ صاحِـبُ

الجلالة !! )
                                            - 6 -
  حمـلَ القـردُ والفـيـلُ والزرافة الحمارَ علي الأكـتاف ، وملئوا الغـابة بهذا الهـتاف :

يعـيشُ الحِمَارُ صاحبُ الجلالة !

  وكـلُّ حيوانـاتِ الغابـةِ تمشـي خلفـَهـم ، وتـردِّدُ هتافـَهـم : يعيـشُ الحِـمَـارُ صَاحِـبُ

  الجلالة ..

  والحمارُ سعيدٌ بمنصبٍ جاءَه إلي باب الدار ..

  لم يكن يتوقعْ أن يكونَ ملك الغابةِ حمار ..

  والأسدُ يضحك شامتاً ..

  والثعلب يموتُ في غيظِهِ صامتاً ..
                                             *****

الاثنين، 17 أكتوبر 2016

"الرسالة " قصة لليافعة بقلم: هدى أحمد مشالي

الرسالة
 هدى أحمد مشالي

 فى ضاحيه من ضواحى احدى القرى ، كانت تسير فى خطى واثقة تحمل على رأسها حفنه كبيرة مثقلة بالخضرة والفواكه ، تدور على بيوت القرية فهى بائعة متجولة ..
 كانت ذات قامه فارعه وجسم مكتنز باللحم ووجه تملأه تعبيرات الطبيعه البريئه ترتسم عليه أخاديد عميقة وعينان تحمل بداخلهما خضار الحقول ونضارتها..
 اعتادت كل صباح ان تنهض مبكرا تعلف الدجاج وتجمع البيض ، تسمع هديل الحمام فتهرول اليه لتضع له الماء والطعام ، تمسك بالصغار لأطعامهم وتحمل الحب بين كفيها فيزدحم الجميع على الطعام من كفها الابيض الذى يحمل بعض التشققات التى تشبه الارض بعد عزقها ، بعدها توقظ ولديها ، تطرق ابوابهما المتجاوره فى الدار القديمه المتهالكه ذات الطابع الريفى الاصيل ففى أركانه تشم رائحة الخير وعبق الماضى الجميل تحضر لهما الافطار ويساعداها فى ذلك ، تخطو وسط الدار وكأنها الشمس الحانيه فتنشر فى جناباته الدفء والحنان ، بعدها يخرج الجميع للعمل ، وعند العوده يتناول الجميع الطعام وتأتى هى تحمل صنية الشاى ويبدأ الجميع فى التسامر وتبادل النكات والاحاديث على المصطبه الموجوده بجوار الدار.
 وفى ذات ليله قام ابنها الصغير الذى اخضر شاربه قريبا وقبل يدها وقال : ألم يحن الوقت يا أمى ان اتزوج فأن الفرق بينى وبين أخى عامان وميعاد زواجه اقترب 
 أضاءت ثغرها ابتسامه عريضه وقالت : صبرا ايها الصبى لقد تركت الطفوله فى العهد القريب وتريد اليوم ان تلحق بركب الرجال
 رد عليها قائلا : انت دائما ترى اننى رجلا فى كل شىء وبدل الفرحه تبقى أثنين
 قامت من مجلسها وكأنما لمستها روائح الصبا ووقفت تنظر اليهما فى اعجاب وكأنها تضمهما بعينيها وقالت : على اذن اختيار عروسك .. 
 قام الولدان وقبلا يدها وعندما نظرت الى السماء وجدت خطا الليل تزحف لتمحو بقايا خيوط النهار ، فأتجهت الى الفرن المتهالك الموجود فى وسط الدار وأشعلت النار بداخله وبدأت فى أعداد فطائر للعشاء ، وبدأ وهج النار يزحف على وجهها الشاحب ، وبدأ يتسرب دفء ينبعث من بطن الفرن مع رائحة الخبز الشهيه .. تسمرت حدقة عينيها على نيران الفرن التى اشعلت بداخلها ذكريات الصبا والشباب ومر امام عينيها شريط من الذكريات ، اول شىء منه هو بداية زواجها والايام الجميله التى عاشتها مع زوجها ، لقد كان يحملها فى قلبه ، واعطاها بلا حدود من ينابيع الحب والحنان وكيف كانت النهايه سريعه بعد ان اسدل الستار على زواج استمر اربع سنوات ان كلماته الاخيرة مازالت تسكن اذنيها حتى الان التى نطق بها مع اخر ظفره بين ضلوعه ((الولدان ـ اكملى المشوار اتمى الرساله )) وبعد رحيله تملكتها قوة لم تكن تعلم انها بداخلها لم يثنيها الحزن بل اثقل من ارادتها لمجابهة القادم ، واستطاعت بارادة فولاذيه ان تحافظ على قطعة الارض الصغيرة وتفلحها وتبيع ثمارها من اجل الانفاق على ولديها التى اخذتهما تحت جناحيها وسافرت عبر الايام والسنين ، اعطت لهما زهرة الشباب وافنت اجمل ايام العمر فى العمل على راحتهما ، حبست مشاعرها كأمرأه حتى لا تطلق العنان للنفس فى التفكير الذاتى ، تركزت حياتها فى شيئين لا ثالث لهما العمل وتربية الاولاد ليصبحا رجلين يملأن عينيها وقلبها ، وفجأة تنبهت من رحلة الذكريات على رائحة نضج الفطير وضعته فى الصينيه واتجهت الى ولديها ولكن وجدتهما قد ناما جالسين فى مكانهما وضعت الصينيه وأخذت تحملق فيهما وقلبها يحلق من السعاده والفرحه لقد قرب ميعاد زواجهما وبعدها يستريح قلبها ، وبدأت تستحضر فى ذهنها متطلبات الزواج وقررت ان يسكن كل منهما حجرة وتنام هى فى الصيف على السطح وفى الشتاء فى حجرة صغيرة أستطاعت ان تبنيها لتضع فيها دجاجاتها والشاه الوحيدة التى تملكها وفجأة . شعرت برعشة تملء جسدها وبهزال شديد قد سكن بدنها وألم شديد يعتصرها ورؤيه ضبابيه غير واضحة فى عينيها ، ودخلت الى الفراش بعد ان شعرت بشىء من التحسن ، وفى الصباح ذهبت الى طبيب القريه الذى طمأنها وامرها بالراحه واخبرها ان تقوم ببعض التحاليل للتأكد من سلامتها ،ولكنها لاحظت ثمة شيئا لم ينطق به الطبيب ان عينيه زائغة تهرب من ملاقتها انه يخفى شيئا .. الكلمات تخرج من شفتيه ثقيلة مرتبكه ،وخرجت من عنده بعد ان قررت عدم العوده اليه مره اخرى ، وفى طريق العودة رفعت وجهها الى السماء وكانت رقعة السماء صافية ، اخذت تبتهل الى الله ان يعطيها القدره على استكمال اخر خطوة فى مشوارها الطويل المرهق وبعد ايام قليله كان يوم الزفاف ، وفى هذا اليوم لم تذق طعما للراحه ، فتحت صدرها لتستقبل السعادة التى انتظرتها طويلا ، ووقفت من بعيد تلاحظهما فى سعادة من وسط الزحام الذى كان يملأ الدار ، وهنا عاودها الالم من جديد واخذت تعض على الانامل من شدته ، ولكن حبها لولديها اشد .. حاربت الالم بالصبر وظلت تنظر اليهما وكأنها تودعهما ، وبعد انتهاء العرس دخلت الى غرفتها ووقفت فى الشرفه تستنشق الهواء بنهم ونظرت الى السماء ، وهنا رأت وجه زوجها يشق ظلام الليل ضاحكا مستبشرا ضحكت فى وسط انهار الدموع ، استلقت على الفراش بهدوء ، انها تقيم عرسا من نوع خاص وشعرت انها العروس ترتدى ثوب الرضا ، ووجدت دجاجاتها تتجمع حولها وكأنها تودعها نظرت اليهم فى حب وأغمضت عينيها وهى تتمتم لقد اكملت الرساله

"شكرا يا ربي" حكاية للأطفال بقلم: د.شفيق مهدي