لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الاثنين، 2 مارس 2015

"غَارُ الطِّينِ والأَفعَى المجنُونَةُ..!" قصة للأطفال بقلم: عبد الله لالي



غَارُ الطِّينِ والأَفعَى المجنُونَةُ.. !
بقلم: عبد الله لالي

اِشتَهَى أحمدُ أكلَ كِسرة من ( الرَّخْسَاس )[1] فَطَلَبَ مِنْ أُمِّهِ أَنْ تُعِدَّ لَهُ ( قُرْصًا ) مِنْ أقراصِها السَّاخِنَةِ اللَّذِيذَةِ، لَكِنَّ أُمَّهُ اعتَذَرَتْ ذِلِكَ اليَوم وقَالَتْ لَهُ:
-       آسِفَةٌ يَا أحمَدُ يَا بُنَيّ.. فَلَيس لَديَّ ( طَاجِنٌ ) لإعدَادِ ( الرَّخْسَاس )، اِصْبِر حتّى تأتي إلينا عمّتي ( فطّومة ) ونَطلبَ منها أن تصنعَ لنا واحدَا جديدًا فقد انكسر ( الطَّاجِنُ ) القَديم..
فقال أحمدُ لأمِّه مُستَغرِبًا:
-       وكيف تَصنَعُه يا أمِّي ..؟
فقالتِ الأمّ:
-       إنّها تَصنَعُه من الطّين ( الحرّ ) أي من الصَّلصالِ يا بُنيّ.
فقال أحمدُ:
-       تَقصِدِينَ الصَّلصالَ الَّذي نمحو بها كتابةَ الألواح في ( الزَّاويةِ[2] ).. ؟ فأجابت الأمّ أَنْ نَعَمْ..
فَازدادَ فضولُ أحمدَ فسألها:
-       ومن أين يُؤتى بالصَّلصال يا أمِّي ..؟ !
فأجابت الأمّ وهي تبتسم:
-       من غار الطّين..
فقال الفتى وقد ارتسمت الحيرةُ على ملامح وجهه:
-       غارُ الطِّين .. ! وأين يكونُ هذا الغارُ يا أمّي..؟  
فقالتِ الأمُّ مُستَنكِرَةً:
-       ولماذا تَسأَلُ عَنْهُ يَا أحمدُ ..؟
فقال أحمدُ الَّذي ازدَادَ فُضُولُه وشَوقُه لمعرفةِ المزيدِ عَنْ غَارِ الطِّينِ، والصَّلصَالِ الَّذِي يُستَخْرَجُ مِنْهُ:
-       أُرِيدُ أَنْ أَذْهَبَ إليه وأَرَاهُ.. وأَجْلِبَ مِنْهُ كَمِّيَّةً كبيرةً مِنَ الصَّلصالِ، لأستعمِلَه في محو لَوْحِي حين أَحفَظُ ثُمُنَ القرآنِ اليَومِيّ، لأنَّ شيخَ ( الزّاوِيةِ ) يرفضُ أَنْ يُعطيَني الصَّلصالَ، لمحو لَوحِي كلّ يوم، رغم أنّي أحفظُ بسُرعةٍ، ويقولُ لي:
" عليك أَنْ تنتتظرَ إلى الغدِ "
فقالتِ الأمُّ وهي تبتسمُ وتمسحُ على رأسِ ابْنِها بِرِفقٍ:
-       الشيخ أدرى يا بنيّ.. وهو يُرِيدُك أن تحفظَ جيّدا ويَرسُخ القرآنُ في ذهنِك فلا تَنسَاهُ..   
وإيّاك والذّهابَ إلى غارِ الطِّينِ فهو مكانٌ غيرُ آمنٍ على الأطفَالِ.. فاحْذَرْ أن تُقْدِمَ على ذلك..
لكنّ أحمدَ غَفِلَ عن نصيحةِ أمِّهِ، واستفزَّه حبُّ الاكتشافِ، فاتَّفق مع صديقه أسعدُ، الَّذي يعرف مكانَ الغارِ بشكلٍ جيّدٍ، على الذّهابِ إلى غارِ الطّينِ في وقتِ القَيلُولَةِ، حيثُ يكونُ مُعظَمُ الكِبَارُ داخلَ بيوتِهم، فلا يقفُ في طريقِهما أحدٌ.
وانطلقَا في الوقتِ المحدَّدِ عَبْرَ غَابَاتِ النَّخِيلِ الَّتي كانت مثقلةً بعَرَاجِينِ التَّمرِ، في تلك الفترة من أواخر الصَّيفِ، ولم يَبْلُغَا الجبلَ الَّذي فيه الغارُ؛ إلَّا بعدَ مشقّةٍ كبيرةِ، وتعبٍ عظيم ونَسِيَا أن يأخذَا معهما كميّةً من الماءِ، فأصابَهما عطشٌ شدّيدٌ..
ولكنْ عِندَمَا وصلَا إلى أسفلِ الغَارِ نَسِيَا التَّعَبَ والعَطشَ، وسَيطَرَتْ عَلَيهِمَا رغبةً شَديدةً للدُّخولِ إلى الغارِ، فاندفَعَا بحماسٍ ودُونَ حَذَرٍ، وما إِنْ وجَدَا نفسَيهِما دَاخِلَهُ حَتَّى ظَهَرَ لهُمَا الخطرُ الأكبرُ..
أفْعَى مِنْ نَوعِ ( كُبْرَا ) مُلتَفَّةٌ حولَ نفسِها في عُمْقِ الغَارِ تَتَرصَّدُ[3] فريستَها بجنُونٍ، ولـمَّا رأتهُمَا وقَفَتْ على ذَيلِهَا القَوِيّ مثلَ جِذْعِ شَجَرَةٍ يَابِسٍ، خَشِنِ الـمَلْمَسِ، فأصابَهُمَا رعبٌ شديدٌ، وتسمَّرا في مكانَيهِمَا يَتَصبَّبَانِ عرقًا، ولا يَدْرِيَان ماذا يَفْعَلَان..
ووَقَفَتْ ( الكُبْرَا ) تَرْصُدُهُما وتتأهَّبُ لعضّهما، وتنتظرُ أيّةَ حركةٍ مِنْهُمَا لِتَهْجُمَ عليهما بأنيَابِها الحادَّةِ وسمِّها القاتِلٍ..
وفي تلك اللَّحظةِ الخَطِرَةِ سمعَ أحمدُ صوتًا خافتًا يَهْمِسُ لهما:
-       إِيَّاكُمَا أن تَتَحَرَّكَا..
كَانَ ذَلِك الصَّوتُ هُوَ صَوتُ الشَّيخِ ( العَرَافِي ) زَوْجِ العمّةِ ( فَطُّومَةَ )، صَانِعَةِ ( الطَّواجِنِ )، ولم يَشْعُرَا إلَّا وعصًا غليظة تمرّ في الهواء بالقربِ مِنْهُمَا، وتَصْطَدِمُ بِرَأسِ الأفْعَى المجنُونَةِ، فَتَدفَعُها لِتَلتَصِقَ بجدارِ الغَارِ الدَّاخِلِي..
ثمّ أمسكَهُما الشَّيخُ ( العَرَافِي ) مِن ذِرَاعَيهِمَا واندَفَعَ بِهِمَا بِسُرعَةِ البَرْقِ إِلَى خَارِجَ الغَارِ، وهُوَ يَقُولُ:
-       اُهْرُبَا فَقَدْ تَلْحَقُ بِنَا ولَنْ يَنْجُو مِن جُنُونِها بعدَ ذِلك أَحَدٌ ..
ونَزَلَ بِهِمَا إِلَى أسفلِ الوَادِي الفَسِيحِ حَيثُ كَانَت تنتظرهُما العمّةُ ( فَطُّومَةُ ) ومعها الكَلبُ (وَاشِق).. وخرجتِ ( الأَفْعَى المَجْنُونَةُ ) مِنَ الغَارِ وهيَ تَتَرنَّحُ مِن أَثَرِ ضَرْبَةِ الشَّيخِ ( العَرَافِي ) القَوِيّةِ، ونَزَلَت مُنْحَدِرَةً مَعَ الجَبَلِ، تَلحَقُ بِهِمْ ولا تُرِيدُ التَّفْرِيطَ فِيهم.. لَقَدْ وجَدَتْ وَجْبَةَ طَعَامٍ يَكفِيهَا لِعِدَّةِ أيَّامٍ ولن تُفَرِّطَ فِيها أبدًا..   
لكنَّ الكلبَ ( وَاشِق ) اندَفَعَ نحْوَ الأفْعَى المجنونَةِ بقوّةٍ وشجاعةٍ نَادِرَةٍ، حتَّى إذا تَقَابَلا وجهَا لوجهٍ، أَخَذَ يُلاعِبُهَا ويَستَدرِجُهَا إِلَى خَلْفِ الجَبَلِ خُطوَةً خطوةً، وهُوَ يُهَاجِمُهَا حِينًا ويُرَاوِغُهَا حِينًا آخَرَ، حتَّى اخْتَفَتْ عَنْ أَنْظَارِهِم..
سَأَلَ أحمدُ الشَّيخَ ( العَرَافِي ) في فَزَعٍ وخَوفٍ:
-       ما هذه الأفعى يا عمّي ( العرافي ) لقد كادت تَلتَهِمُنا.. !
فقال الشيخ العارفي لهما مؤنّبا ومعاتبا:
-       لَقَدْ أَخطَأتُمَا خَطَأً فَادحًا .. كيفَ تَأتِيَانِ إِلى هَذا المكانِ وحدَكُمَا وفي مثلِ هذَا الوَقتِ.. ؟ إنَّ تِلكَ الأَفْعَى تُسَمَّى ( الأَفْعَى المَجنُونَةُ )، وهي قَاتِلَةٌ ولا يَقِفُ في وَجهِهَا شيءٌ، تَعِيشُ مُنْذُ سِنِينَ طَوِيلَةٌ في هذا الجبلِ، وقَدْ كَانَ ضَحِيَّةً لها كثيرٌ مِنَ الرُّعَاةِ والـمَارِّينَ بهذِهِ الـمِنطَقَة..
فَأخبَرَهُ أَحمَدُ بِرغبَتِهِ فِي الحُصُولِ عَلَى ( الصَّلصَالِ )، لِيَتَمَكَّنَ مِن مَحوِ لوحِ القرآنِ مَتَى يَشَاءُ، لأنَّهُ كَانَ يحفظ الثمن الذي يقدّمه له شيخ ( الزاوية ) بسرعة كبيرة.
فقال له الشيخ:
-       إيّاكما أن تفعلا ذلك ثانية.. واحمدا الله على النّجاة، أمّا الصَّلصال، فلو سألتَ عمَّتَك فطومةَ لأَعطَتْك منه ما تُريد.. هيّا بنا لِنَعُودَ إلى البَيتِ قَبلَ أَنْ يَجزَعَ عَليكُما أهلُكُمَا..
وهنا تذكّر أحمد الكلبَ ( واشق ) فقال بخوفٍ:
-       والكَلبُ ( وَاشِق ) أَنَتركُهُ لِوَحدِه سَتَقضِي عَلَيهِ الأفْعَى المجنُونَة.. ؟
فقال الشَّيخُ ( العَرَافِي ):
-       لا تَخَفْ عَلى ( وَاشِق ) فهو كلبُ صيدٍ مدرّبٌ وبارعٌ، سيُلَاعِبُها طَوِيلا حتّى يُرْهِقَها[4] ويُبْعِدَها عَنِ الغَارِ، فتَتَمَكَّنَ عَمَّتُكَ ( فَطُّومَةُ ) مِن جَمْعِ الصَّلصَالِ، ثمّ يَتركها ويَعُودُ سَالـِمًا بإذن الله تعالى.


[1] - نوع من الكِسرة المدوَّرة تشبه الأقراصَ الكبيرةَ، لذيذةُ الطَّعم ومشهورةٌ في الجنوبِ الجزائريّ
[2] - مكان تابعٌ للمسجدِ يُحفَّظُ فيه القرآنُ الكريم.
[3] - تُرَاقِبُ وتَنْتَظِرُ.
[4] - يرهقها: يتعبها.

ليست هناك تعليقات: