لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الخميس، 27 نوفمبر 2014

"قلب الطفل الصغير" قصة للأطفال بقلم: عبدالتواب يوسف

قلب الطفل الصغير 
 حكايات قرآنية معاصرة 
 عبد التواب يوسف

هذه القصة واقعية.. 
 لقد حدثت فعلاً، كما سأحكيها، وكما رواها صديقي الطبيب الدكتور مصطفى، وأنا أثق به، وبصدق ما يقوله.. لذلك لم أحاول أن أضيف للقصة من عندي، لأني رأيت أنها وحدها تكفي.
 تكفي لكي تملأ قلوبنا بالإيمان، وتجعلنا نسمع دقاتها المنتظمة تهتف، وتعزف... الله... الله.. أحمد الصغير مريض. لقد وُلِد، والمرض معه. وكانت أسرته شديدة القلق عليه، وأمه ليلى أكثرهم قلقاً. 
وكان الجميع يحبونه ويتعلقون به، وأمه أعظم حباً له، وتعلقاً به، لأنه كان طيباً مهذباً ظرفاً.. وفوق كل هذا، كان مؤمناً بربه كل الإيمان، وكذلك كانت أمه.. وكان الأطباء يطلبون من أمه أن تحمل إليهم الصغير العزيز أحمد من أجل أن يجروا له عملية جراحية ولكن القلق على أحمد وخوف الصغير، كان يدفعهم إلى تأجيل العملية، والدكتور مصطفى يكرر طلبه، ورجاءه في أن تسارع الأم به إلى المستشفى، فالأمر أصبح لا يحتمل أي تأجيل، ولا بد من توسيع صمام القلب لتنظيم دقاته، وتندفع الدماء منه في الشرايين إلى بقية أجزاء الجسم.
 وتهتف الأم: العملية خطيرة يا دكتور. 
 يرد الدكتور: ولكنها ضرورية ولازمة. 
 تقول الأم: إني خائفة، وقلقة، و... و
يقول لها: اعتمدي على الله.. 
 وتجيء ساعة العملية.. وهي لا تتقدم لحظة عما شاء الله لها، وهي لا تتأخر دقيقة عما قرره سبحانه وتعالى.. إنها تأتي وفق إرادته.
 ويُنقَل الصغير أحمد إلى غرفة العمليات تحت بصر الأم وسمعها. ولا تستطيع الأم أن تتركه وحده، وإذا بها تسأل الطبيب أن تدخل مع صغيرها إلى غرفة العمليات. 
ويقول لها في حسم: لا يمكن.. مستحيل!! 
 وترجو السيدة وتتوسل، دموعها تنزل على خديها، ولكن الطبيب يظل عند موقفه. هو لا يستطيع أبداً أن يسمح بذلك؛ إنها عملية خطيرة وطويلة، ولا يمكنه أبداً أن تصحب الأم ابنها وهي على هذه الحالة من القلق والانزعاج. ربما تسبب لهم مشكلات أثناء إجراء العملية، وهم خلال ذلك في أشد الحاجة إلى كل لحظة وثانية وإلى كل جهد ويقظة. 
وعند الباب يرتفع صوت الأم باكياً، راجياً، متوسلاً، وتهمس للطبيب بكلماتها من خلال دموعها قائلة:
 - لن أنظر إليكم خلال العملية. كل ما أرجوه أن تجعلني أجلس على سجادة الصلاة في ركن الغرفة. أصلي لله وأدعوه. سأتجه إلى القبلة، ولن ألتفت إلى الوراء مطلقاً. 
وقبِل الطبيب أن تدخل الأم على هذا الشرط. ونفذته هي بأمانة شديدة. وبدأت العملية الدقيقة. والأطباء مستغرقون في المهمة الشاقة، والممرضات يساعدن في ذلك، والأم تصلي وتدعو دون أن يسمع أحد صوتها. ولقد نسيها الجميع وهم يواصلون عملهم في براعة. 
وأثناء ذلك حدث شيء رهيب فظيع أذهلهم جميعاً. لقد توقف قلب أحمد الصغير، لم يعد يدق. ورفع الأطباء أيديهم عنه في ذهول، وفتحوا أعينهم في دهشة، وتسارعت أنفاسهم ودقات قلوبهم إزاء هذا الذي حدث. ومضت ثوان قليلة، ولكنها طويلة كأنها ساعات، بل كأنها أيام، وأسابيع وشهور، بل كأنها سنون! واليأس يسيطر على الجميع والجزع يملأ نفوسهم والصمت الرهيب يخيم على الغرفة وساد سكون فظيع ولم يعد صوت الأدوات ووضعها في مكانها يسمع في أنحاء الغرفة. ووسط هذا الصمت والسكون، واليأس والجزع، يسمع الجميع صوت الأم يعلو في حرارة وإيمان، وتهتف بكلمة واحدة ترن في جنبات الغرفة، تقول:
 - يـــــا رب. 
 وبعد الصمت والسكون، فجأة يشتد الذهول بالأطباء والممرضات، إن كلمة (يارب) لم تبدد الصمت والسكون فقط، بل بددت اليأس والجزع كذلك، وإذا بهم أمام معجزة إلهية.. إن دقات قلب الصغير عاد مرة أخرى. رجع القلب للحياة، عاد يدق!
 ويؤكد الطبيب أن دقات قلب الصغير كانت كأنما تهتف: الله، الله. وترجع أصوات الأدوات يلتقطونها ويعيدونها، ويبدأ الأطباء من جديد في مواصلة إجراء العملية، وتعود الأم إلى صمتها وينسونها تماماً، إلى أن ينتهي الأمر.
 لقد نجحت العملية!
 وسأل الطبيب الدكتور مصطفى الأم الطيبة بعد أن انتهى لأمر. لماذا رفعت صوتها في هذه اللحظة ذاتها وهتفت (يارب)؟ 
 أجابت الأم: لا أذكر ذلك! 
ويزداد إيمان الطبيب بالله، ويشعر دائماً أنه معه في غرفة العمليات، يحرك يده ويعينه ويساعده على إنقاذ حياة المرضى، إن الرب وراء الطب، في الأخذ بيدهم إلى بر السلامة. 
 ولم يعد أحمد الصغير مريضاً، وظل قلبه يدق: الله..الله.. 
 هذه هي قصة صديقي الدكتور (مصطفى) يحكيها كثيراً هي وعشرات مثلها، ويردد دائماً أن الأطباء من اكثر الناس إيماناً بالله لأنهم يعيشون لحظات قصيرة قاسية، مثل اللحظة التي توقف فيها قلب الصغير أحمد، وهم يشعرون في هذه اللحظات بالعجز واليأس وتمتد يد الله لتنقذهم والمريض..
 والأطباء يعرفون جسم الإنسان تماما، وعند أصغر خلية يقفون ونسألهم: ماذا بعدها، لماذا تدب فيها الحياة؟ ويجيبون: علم ذلك عند ربي. 
 علمنا يقف بنا عند هذا. 
(وفَوقَ كُلَّ ذي عِلْم عَليم) سبحانه وتعالى.

ليست هناك تعليقات: