لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



السبت، 27 ديسمبر 2014

"الخطيب الصغير" قصة للأطفال بقلم: عبدالتواب يوسف

الخطيب الصغير
 حكايات قرآنية معاصرة
 عبد التواب يوسف


هل فكرت يوماً في أن تصبح خطيباً عظمياً؟ لم يخطر ذلك أبداً على بال حسين، فقد كان كل همه أن يتمكن من أن يتحدث إلى الناس في بساطة، ولم يكن ذلك سهلاً ولا يسيراً. 
كان المسكين في أزمة كبيرة، ويواجه مشكلة لا يجد لها حلاً. لكن الله يدخر دائماً للمؤمنين طريقاً واضحاً، تهديهم إليه، وما إن يسيروا فيه حتى يجدوا أنفسهم قد وصلوا إلى ما يبغون وما يريدون. بل إنهم أحياناً يحققون أكثر مما كانوا يتمنون ويرجون.. 
 كان الصغير (حسين) يحب التحدث إلى الناس، والكلام معهم، وهو يجد في ذلك متعة كبيرة. 
كان يسره أن يتلقى الأسئلة من الآخرين ويجيب عما يعرف.
 وكان يريد أن يعرف، فيلقي عليهم أسئلته من أجل أن يضيفوا إليه جديداً. لكن بعضاً من الكبار لم يكونوا راضين عن ذلك، بل صحت أذنه يوماً كلمة (ثرثار)، على الرغم من أنه لم يكن يطيل في الكلام، كما كان يجيد الاستماع بقدر ما يجيد الحديث.
 كما أنه كان يحسن اختيار الموضوعات التي يسال عنها أو يتحدث فيها. وقد قرأ (حسين) الكثير عن أطفال العرب والمسلمين، الذين كانوا في سنه، وتناقل الناس كلماتهم الحلوة الطيبة.
 - داركم أم دار الخليفة أفضل؟ 
- دارنا ما دام الخليفة فيها. و
 - هل رأيت أثمن من هذا الخاتم؟ 
- نعم، الإصبع الذي هو فيه.
 و - أيسرك أن يكون لديك مال كثير، ولو أنك أحمق؟ 
- أخشى أن يذهب حمقي بمالي، ويبقى لي الحمق. 
و ذلك الذي قال له الخليفة: اسكت ليتكلم من هو أكبر منك! 
ورد الصبي أن المرء بأصغريه: قلبه ولسانه. 
 وكثيراً ما قيلت هذه الكلمات إلى حسين: 
 - (لا تتكلم) .. (اسكت) .. بل، وأحياناً (اخرس)! 
ويتأذى المسكين، ولا يتكلم، ولا ينطق، بل بدأ يكف عن الحديث إلى الآخرين، وباعد ما بينه وبينهم، وأحب الوحده، لأنها تقيه من مثل هذه الكلمات القاسية، واستراح إلى الهمس إلى نفسه، وإذا ما حدث يوماً أن فكر بصوت عال، لم يعدم من يقول له:
 - مسكين، إنه يكلم نفسه!
 واضطر إلى أن يغلق شفتيه ويقفل فمه، وقلّت كلماته رويداً رويداً، حتى إن أحداً لم يعد يسمع صوته.
 وهو إذا وجد أنه بات من الضروري أن يتكلم نطق بأقل الكلمات، بل بدأ يتلعثم، ويرتج عليه، وإلى درجة شعر فيها بالمرض.
 لاحظت أسرته ذلك، كما تنبه إليه معلموه وأساتذته، كما أن زملاءه أشاروا للأمر أكثر من مرة، وحسين لا يود أن يصارح أحداً بالسر، وإنما كتمه لنفسه، وأبقاه بداخله. إلى أن أصبح مشكلة حقيقية، لا يعرف سبيلاً إلى حلها! ولا يجد من يعرضها عليه أو يحدثه عنها، وراح يفكر فيها بنفسه لنفسه. 
فكر.. وفكر.. وفكر.. وكان أطرف ما خطر له سؤال يقول: لماذا نتكلم؟! وراح يحاول أن يجيب. بل لقد حاول أن يضع الإجابة على الورق في كلمات موجزة مركزة. نحن نسأل، نطلب.. نحن نجيب من يسألنا.. ولدينا ما نقوله.. ما نريد أن نعبر به. ونتبادل كلمات المجاملة: أهلاً، شكراً، حرماً، سلامتك! 
وطالت به قائمة الأسباب وامتدت، وهو يحس أن الكلام ضروري كالطعام. لكن من الطعام ما هو عسر الهضم وثقيل، ومنه ما هو ممتع ولذيذ، وقد لا يكون نظيفاً.. و.. لقد وجد أوجه شبه عديدة، وفارقاً أساسياً: إنك حين تأكل الطعام تأخذ فقط، وحين تتكلم تأخذ وتعطي.. إنه شيء متبادل، يستمتع به طرفان.
 وسمع يوماً عبارة عن واحد من كتابنا الكبار، كان يغلف الأمر الجاد بكلمات فكهة مرحة.. كان يقول: إننا نحن الكتّاب مثل (عربات الرش)، لا يمكن أن (نرش) إلا غذا امتلأنا.. لقد ضحك للتعبير في البداية، لكنه وجده في النهاية جاداً، وعميقاً، وطريفاً. وقرر فيما بينه وبين نفسه أن يكون عربة رش.. والسؤال: كيف يملأ هذه العربة؟! وعندما فكر طويلاً: كيف يمتلئ بالكلمات الحلوة، لم يجد أمامه خيراً من كتاب الله. وبدأ يتلو الآيات، ويتلو.. ولأول مرة أدرك حلاوة تقسيم القرآن الكريم إلى سور، وأجزاء، وأرباع، وآيات.. وأقبل عليه ينهل منه، ولم يمتلئ بالكلمات فقط، بل بالمعاني والأفكار والمبادئ والقيم.. إنه أمام فيض إليه يغمره.. وهو لا يكتفي بالقراءة، بل هو يتمعن فيما يقرأ. هو يقرؤه أكثر من مرة ويفكر فيه ويتدبره في راسه، وهو لا يجد بأساً من ان يلقي أسئلة عما لا يفهمه، والإجابة تزيد الأمور وضوحاً في رأسه.
 - كيف غابت عني فكرة قراءة القرآن مرة ومرة ومرات؟ لماذ نهاب قراءته وتلاوته؟ لماذا لا نيقبل عليه بقلب مفتوح؟ من يقول: إنه ليس من السهل فهمه؟ حتى لو كان هذا صحيحاً فليس أروع من الإحساس به.. وحاجتنا إلى ذلك لا تقل عن حاجتنا لفهمه وإدراك معانيه.. اقرأ القرآن بالحس، تحس به أكثر، تستوعبه، تستمتع به، يرعاك ببركاته، ويجعل منك إنساناً آخر.. بشرط واحد: أن تداوم على القراءة والتلاوة! 
 أحب حسين كتاب الله حباً جماً، وفي لحظات كثيرة كان يشعر أنه يستطيع أن يستغني به عن الكلام مع الناس أو الاستماع إليهم. لكن الكلام كالطعام ضرورة.. وعندما بدأ يواجه من يلقي عليه سؤالاً، أو يتحدث إليه في أمر ما درب نفسه على أن يتلو آية قصيرة من كتاب الله بينه وبين نفسه.. يتلوها في صوت هامس، إنه لا يختار، إنما يتلو الآية التي ترد إلى ذهنه.. وبعدها يجد نفسه قادراً على أن يجيب عما يلقى عليه من أسئلة، وعلى أن يحسن اختيار كلماته، إذ اكبر قاموسه واتسع، وتعرف على الكثير الجديد من الكلمات التي يمكنه أن يعبر بها عن نفسه.. وأعطاه ذلك ثقة في نفسه، فعاد يتحدث إلى الناس، يسأل بلا حرج، ويجيب دون أن يتلعثم، كم كان يدعو ربه.
 بسم الله الرحمن الرحيم.. (قال ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني ييفقهوا قولي)
 لقد أحس بحق أن الله قد شرح له صدره ويسر له أمره وحل عقدة من لسانه، وأن الناس يفقهون قوله. وعندما اتسعت دائرة قراءة القرآن أصبح حسين قادراً على أن يتلو آية مناسبة لما يحدث أمامه. لم يكن يتباهى بالتلاوة بصوت عال، بل كان يكتفي بقراءتها لنفسه.. وأحسن بعد حين أنه قد أصبح مسموعاً.. لم يعد أحد يقول له: لا تتكلم أو اسكت.. بل أدهشه أن الناس تقبل عليه لتسمعه. غير أنه كان دائماً يتذكر العبارة المرحة التي تقول: إن لنا فماً واحداً وأذنين، وإن علينا أن نسمع ضعف ما نتكلم.. وهو يفرض على نفسه هذا المبدأ، ويحاسبها عليه، ويأبي أن يستأثر بالكلام.. إنه يريد أن يأخذ عن الآخرين، وخاصة هؤلاء الذي يتكلمون عن أفضل ما قرأوه، وما شاهدون، وما سمعوه.. وهو يعرض عن اللغو، وعم يتكلمون عن كل شيء وفي أي شيء.. والطريف أنه كثيراً ما كان يحدث أن يسعى إليه زملاؤه، بل وبعض الكبار ليسألوه رأيه في أمر ما، ويحاول أن يجيب بقدر ما يعرف، بل لقد طلب إليه أصدقاؤه في مسجد المدرسة أن يلقي كلمة وألقاها وكانت موجزة، فلقيت الاستحسان.. وكثيراً ما دعي إلى الإذاعة المدرسية ليتكلم، وكان أحرص ما يكون على ألا يلقي النصائح؛ بل هو يحكي، يروي، يتحدث.. ويود أن يترك كلامه هذا انطباعاً طيباً في نفس مستمعيه.. ساعتها يشعر بالارتياح، ويحس أنه قد أحسن الكلام. وحدث يوماً في المدرسة أن فرضت عليهم الإدارة أمراً لم يرتضوه.. وتجمع الطلاب يريدون أن يحتجوا، وأن يوقفوا هذا الأمر، وقد بلغ بهم الغضب منتهاه. كان حسين معهم في رفض ما فرض، لكنه لم يكن معهم في طريقة مواجهته. وفوجئ بزملائه يتجهون إليه، يسالونه رأيه، ويطلبون إليه أن يتكلم.. كان الموقف حرجاً وعلى وشك الانفجار.. وعندما وقف حسين ليتكلم ساد الصمت، ووقف الطلاب كأن على رؤوسهم الطير، وارتجل كلمة قصيرة بليغة، أعادت للجميع هدوءهم، وشدت التفات مدير المدرسة والمعلمين، فسألوه أن يلتقي بهم، ودار بينه وبينهم نقاش هادئ، وإذا بإدارة المدرسة تلغي الأمر، وتعم الفرحة الجميع.. ويلقي المدير كلمة يقول فيها: إن المدرسة بهذا الموقف قد كسبت خطيباً عظيماً، ومتحدثاً ملهماً، ومتكلماً مفوهاً. وفي هذه اللحظة مر شريط طويل في رأس حسين، بدأ بعدد من الناس يقولون له: لا تتكلم، اسكت، بل اخرس! وتذكر عكوفه على تلاوة القرآن الكريم وكيف قوّم لسانه، وأفاض عليه من خيره وبركاته ما جعله (الخطيب).. ورفع عينيه إلى السماء، شاكراً لربه نعمته التي أنعم عليه بها، بعد أن كان يتغثر ويتلعثم حين يتكلم مع شخص واحد، إذا به اليوم قادر على أن يواجه جموعاً غفيرة ليقول لها كلمة طيبة!
 لقد كانت فكرة الخطابة فوق آماله وأحلامه، وما كان يتصورها، فهو فضلاً على خوفه من التعثر والتلعثم في الكلام مع الآخرين، لم يكن يجد في نفسه الجرأة في مواجهة جماهير الناس، فما بالكم وهذه الجماهير غاضبة ولا تريد إلا أن تفعل ما تريد، مستغلة تجمعها وقوتها.. وإذا بهذا الخطيب الصغير قادر على أن يكبح جماحها ويقودها إلى ما فيه خيرها، وخير الجميع.. جرب أن تكون مثله، ليس ذلك مستحيلاً ولا صعباً، إنه في إمكانك ومقدورك.. 
عليك فقط أن تصاحب ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه: القرآن الكريم.

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

"هَديةٌ لِبابا نُويلْ" قصة مترجمة للأطفال بقلم: كريستوف لو ماسن ترجمة: عاطف محمد عبدالمجيد



هَديةٌ لِبابا نُويلْ
قصة: كريستوف لو ماسن
 ترجمة: عاطف محمد عبدالمجيد
صباحاً..تدْخلُ أمُّ ألكسْ بهدوء حجرةَ ابنها الصغير الذي ينامُ نوْماً عميقاً، تجلس على سريره هامسةً في أذنهِ :
ــ حانَ وقتُ الاستيقاظ.
فتحَ ألكس إحدى عينيْهِ، ثم أغْمضها في الحالِ مرةً أخرى.إنه ما زال يريد أنْ ينامْ...
ــ تُواصلُ أمهُ كلامها وهي تسحبُ الستائر، قائلة له: لو رأيتَ ما أرى لانْدهشْتَ كثيراً.         مُتكاسلاً ينهضُ ألكسْ، يذهبُ إلى النافذة، وينظرُ إلى الخارج.
ــ أوه ! لقد اكتستْ كلُّ الأشياء باللونِ الأبيض !                                                     يصيحُ ألكس مَذهولاً.لقد ظلَّ الثلجُ يتساقطُ طوالَ الليلِ !
حقيقةً، أشْجار الحديقةِ، مَدخل البيتِ، وحتَّى العرباتِ في الشارعِ، غطَّاها معْطفٌ أبيضُ سميكٌ، معطفٌ ناصعُ البياضِ، حيثما لمْ يتركْ أحدٌ أيَّ أثَرٍ.وحْدهُ أبو الحِنَّاءِ الذي يحْجُلُ يتركُ آثارَ أقدامهِ الصغيرةْ فوقَ الثلجِ.
ــ يتساقطُ الثلجُ لأنَّ عيدَ الميلادِ قد اقتربْ..
 تقولُ لهُ أمهُ هذا، وهي تُلْبسهُ ملابسَهُ بحماسٍ.
وسيأْتي بابا نويلْ إلى هنا راكباً زلاجتهُ، لكي يُحْضرَ لكَ كلَّ هداياكْ.
يحْلمُ ألكسْ ببابا نويل، يتخيّلُ ملامحه، وهو يُعدُّ أيائله استعداداً لرحلته.وهو في طريقهِ إلى المدرسةِ، يمْشي ألكسْ صانعاً في كل خُطوةٍ يخْطوها ثقْباً في الثلجِ.إنه مازال يُفكّرُ في بابا نويلْ...
[إنهُ لطيفٌ جداً، يقولها لنفسهِ.طوالَ الوقتِ يُحْضرُ هدايا لأطفالِ العالمِ كلهِ، ولا ينْسى أحداً منهمْ!
ألمْ يفكّرْ أحدٌ في أنْ يُقدِّمَ إليهِ هديةً ؟ لا، ليْسَ هذا مُمْكناً !
أنا سأقدمُ إليهِ هديةً ! ]
في الفِناءِ وقتَ الفسحةِ، هرولَ ألكسْ إلى نينا وأنطوانْ، كي يخْبرهما بما نَوى أنْ يفْعلهُ.
هديةٌ لبابا نويلْ ؟..ردَّا عليهِ وهما يُقهقهانِ.يا لها منْ فكرةٍ عجيبةْ !
[يا للأسفِ إنْ لمْ يفْهما !..يقولُ ألكسْ الذي تساءلَ منْ قبْل عنْ الهدية التي يمكنُ أنْ يقدمها لبابا نويل.
بايب؟..ربما يكونُ بابا نويل لا يدخنُ.
أيُهدي إليه مُوسَى؟..شكله بلحيتهِ أفضلْ.
أيُهدي إليه نظارةً ؟
إنه يتمتعُ ببصرٍ حادٍ كي يحددَ موقعَ كلَّ منازلِ الأطفالِ.يا لهُ منْ أمْرٍ صعْبٍ أنْ نعْثرَ على فكرةٍ مُناسبةْ !
ــ صباح الخير، ألكس !..يقولها سيمون الذي يتناقش مع كانتان.
ــ صباحُ الخيرِ، يردُّ ألكسْ.ثم يُبيّنُ لهما أنهُ يريدُ أنْ يُقدّمَ هديةً لبابا نويلْ.
ــ ليسَ بإمكانكَ إلا أنْ تشتري له دراجةً بخاريةْ ! يقولُ كانتانْ.وهكذا سيُحْضرُ لنا الهدايا بأقصى سرعة !
ــ لكنْ لا، يُضيفُ سيمونْ، قَدِّمْ إليهِ جهازَ كمبيوتر، حتَّى لا ينْسى أحداً !
بعيداً عنهما بقليلٍ يُقابلُ ألكسْ أنيتا ويسألها عمَّا يمكنُ له أنْ يقدّمهُ لبابا نويلْ.راحتْ أنيتا تفكرُ بجديةٍ، ثمَّ تقتربُ وتهمسُ بكلمةٍ في أذنه.في الحالِ يُضيء وجهُ ألكسْ: فكرةُ أنيتا هي أفضل ما يمكنُ أنْ يفعلهُ شخصٌ.
داخل الفصلِ، ينْشغلُ بعض الأطفالٌ بتزيينِ شجرةِ عيد الميلادِ، آخرونَ يُعلّقونَ أشْرطةً مُزخْرفةً في زجاجِ النوافذْ.وفي يَدهِ نجمةٌ، يُفكرُ ألكسْ في هديتهِ.
ــ أين أنتَ يا ألكسْ؟ تسألُ فاني، المُعلمة.أمَا زلْتَ فوقَ القمر؟
بعْدَ انتهاءِ اليومِ الدراسي، راحَ ألكسْ يجْري إلى بائعةِ الخردوات، كي يشتري كُبَبَاً من الصوفِ.
ــ مِنْ أي لونٍ تريد الكُبب ؟..تسأله البائعةْ.
ــ أُريدها حمراء، يَردُّ ألكسْ.لا، خضراءْ، يسْتدركْ.
إيه، الأفضلُ أنْ تكونَ صفراءْ...أخيراً، لا، أنا أُفضّلها بنفسجيةً...
ماذا أصنعُ لاخْتيارِ اللونِ المناسبْ ؟
[الحلُّ، يقولُ لنفسهِ، أنْ أشتري كُبَّةً من كلِّ لونٍ...]
في حُجْرته راح ألكسْ يُفكرُ بعمقٍ في إبرِ الغزْل.زَرْدةٌ في الأمامِ، أخرى في الخلفِ...
حاولَ صديقنا أنْ يتذكَّرَ كيف تفعلُ أمهُ هذا، لكنهُ لمْ يُوفَّقْ في التوصلِ إلى شيءْ.بلْ تعرقلَ في الخيوطِ التي انتشرتْ فيما حولهُ.
ــ ماذا تصنعُ يا حبيبي؟..تسأله أمهُ.
ــ أنتِ تعلمين يا أمي، يردُّ ألكسْ، أنهُ لنْ يكونَ مُسلياً جداً بالنسبة إلى بابا نويل أنْ يغزلَ هذا على زلاجته حين يكونُ الطقسُ بارداً.
إذنْ، قررتُ أنْ أغزلَ له إيشارباً جميلاً يحْمي أنفهُ ويرفرفُ خلفهُ في الريحِ.
في الليلِ وهو في فِراشهِ لمْ يستطعْ ألكسْ أنْ يُغْمضَ عينيه.إنهُ ينتظرُ بفارغِ الصبرِ الإيشاربَ الجميلَ الذي وعدتْه أمهُ أنْ تغْزلهُ لهُ، مُتّبعةً بدقةٍ إرشاداتهِ فيما يخصُّ اختيار الألوانْ.
وفي الصباحِ يكتشفُ الإيشاربَ الجميلَ.بالضبطِ كما كانَ يحلمُ به !
[ شكْراً لك يا أمي ! ]
إنه لطيفٌ جداً !..إنَّ صُوفهُ الجديد تماماً يفوحُ بالعِطرِ.كان ألكسْ يريدُ أنْ يقدمهُ في لحظتها لبابا نويل...
هذا هو اليوم الأخيرُ في الدراسةِ قبيلَ الأجازة.في الفِناء أَرَى الإيشاربَ، في الخَفاءِ، لكلٍّ مِنْ نينا وأنيتا.
ــ كمْ هو رائعْ ! هل أستطيعُ أنْ أَقيسهُ ؟..تسألُ أنيتا.
ــ نعمْ، لكن انتبهي ! يردُّ ألكسْ.
ــ أعتقدُ أنَّ بابا نويلْ هو مَنْ سيرتديهِ قريباً، تهمسُ نينا.إنه محظوظٌ...
ألكسْ فخورٌ جداً.
الآنَ، عليهِ أنْ يُعدَّ علبةً جميلةْ.انْتقى ألكسْ ورقةً حمراءَ زاهيةَ اللون.باهتمامٍ شديدٍ، رسم بطاقةً رائعةً كتبَ عليْها: [ مِنْ أجلكَ أنتَ، يا بابا نويل.صديقك ألكسْ.]
تمَّ الأمرُ، وصلَ مساءُ عيدِ الميلادْ.ألكسْ لا يرغبُ في النومِ مطلقاً، إنهُ متلهفٌ لتقديمِ هديتهِ التي نسيها كلُّ مَنْ يستعدُ لاستقبالهمْ.وضعَ ألكسْ عُلْبتهُ أسفلَ شجرةَ عيد الميلادِ، وراحَ ليختبيءَ خلفَ الأريكةِ، راجياً أنْ يَرى بابا نويلْ.
إنهُ ينتظرُ...ينتظرُ...ينتظرُ، لكنَّ عينيهِ راحتا تغْمضانِ رويداً رويداً.ما كادَ ألكسْ يستيقظُ إلا وأسرعَ ناحيةَ الصالونْ.لمْ تكنْ هناكَ هديته لبابا نويلْ.لكنْ هناكَ، في مكان هديتهِ، ووسط العُلبِ الكثيرةِ، إيشاربٌ آخرُ له الألوانِ نفسها، لكنْ على مقاسهِ !
وهو مسرورٌ جداً، خرجَ ألكسْ إلى الحديقةِ كي يُطيّرهُ في الريحِ.                                 [هذا شيءٌ مُدهشٌ، يقولُ لنفسهِ، لقدْ فكَّرَ بابا نويلْ في الفكرةِ ذاتها التي فكرتُ فيها !]           [هذا أجملُ عيدٍ من أعيادِ الميلادِ بالنسبةِ إلي !..لكنْ، سأقدمُ إليه أيْضاً في العامِ القادمِ هديةً جميلةً جداً.وسَنرى إذا ما كان سَيُفكرُ بابا نويلْ، أيضاً في الفكرةِ ذاتها، التي سَأُفكّرُ فيها أم لا...]   
   

"لا تسدلوا الستار" مسرحية للأطفال بقلم: طلال حسن



لا تسدلوا الستار
مسرحية للأطفال
طلال حسن
                           ترفع الستارة ، القرد
                         يتقدم ، وينحني للجمهور

القرد           : مرحباً يا أطفال ، اليوم سيكون يوم
                 الفصل ، سيعقد الأسد بعد قليل
                 محكمة، ولابد أن يجد الجاني ،
                 وسينزل به أشدّ العقاب ، لا شك أنكم لا
                  تعرفون القضية ، حسن ، سأحدثكم
                  عنها " يرتفع وقع أقدام " إن الأسد ،
                  مهلاً ، ستعرفون كلّ شيء .. هش ..
                  الأسد قادم .

                             يدخل الأسد عابساً ،
                           القرد يسرع لاستقباله
                     
القرد           : أهلاً مولاي ، أهلاً ، أهلاً .
الأسد           : ابتعد عن طريقي " محدقاً في الجمهور
                 " من هؤلاء ؟
القرد           : إنهم الجمهور ، يا مولاي ، جاءوا
                 لمشاهدة محكمتك العادلة .
الأسد           : هؤلاء هم الجمهور إذن ؟ " يشيح
                عنهم " مرهم أن يلزموا الهدوء ،
                إنهم في حضرتي .
القرد           : أمر مولاي " للجمهور " هدوء رجاء.
الأسد           : إنني أسمع دمدمة .
القرد           : عفو مولاي ، أولائك إخوتي خلف
                 الكواليس .
الأسد           : آه ، حسبتهم الجمهور .
القرد           : أنت محق ، يا مولاي ، فجدنا واحد ،
                 هذا ما يقوله دارون .
الأسد           : دارون ! أهو الأرنب ذو .. ؟
القرد           : لا يا مولاي ، إنه عالم .
الأسد           : من يدري ، لعله على حق .
القرد           : إنهم متطورون جداّ ، يا مولاي .
الأسد           : " يحدق فيه : ....
القرد           : الجمهور .
الأسد           : لكنهم لا يشبهوننا ، نحن الأسود .
القرد           : هذا صحيح ، يا مولاي ، فليس لهم
                 أكثر من قدمين .
الأسد           : حذرهم من دخول غابتي ، وإلا أصبحوا
                      بدون أقدام .
القرد           : لا حاجة لتحذيرهم ، فهم يعرفون
                  مصيرهم ، إذا اقتربوا منك ، يا
                  مولاي .
الأسد           : إنني أسد عادل ، ولن آكلهم بدون
                 محاكمة .
القرد           : " يوميء خلسة للجمهور " مولاي .
الأسد           : مهما يكن ، فأنا لا أفضل أحداً غيرك .
القرد           : " بخوف " مولاي .
الأسد           : لا داعي للخوف ، إنني شبع الآن .
القرد           : مولاي ، الجمهور ينتظر ، لنبدأ
                 المحاكمة .
الأسد           : حسن ، نادِ الجاني .
القرد           : إنه المتهم ، يا مولاي .
الأسد           : نادِ هذا اللعين ، وسأكسر ساقه مثلما
                 كسر ساق ابني ، الشبل .
 القرد          : مولاي ، لن نكسر ساقه إلا إذا تأكد أنه
                 الجاني .
الأسد           : ناده الآن ، ناده .
القرد           : " للضبع " نادِ الفيل .
الضبع         : " يصيح " الفيل ذو الوزن الثقيل ،
                   والخرطوم الطويل .
الأسد           : الفيل !
القرد           : إنه المتهم الأول ، يا مولاي .
الأسد           : أيها اللعين ، ألم تجد غير الفيل ؟
القرد           : مولاي ..
الأسد           : كيف يمكن أن نكسر ساقه ؟
القرد           : الفيل متهم ، يا مولاي ، وقد يكون
                بريئاً .
الأسد           : " لا يصغي إلى القرد " وجدتها .
القرد           : مولاي .
الأسد           : سأجعل الخرتيت وفرس النهر يدفعانه
                إلى حفرة عميقة ، فيقع وتنكسر ساقه .
الضبع         : الفيل ، يا مولاي .
الأسد           : فليدخل .

                           يخل الفيل ، ويتقدم
                         بهدوء ، وينحني للأسد

الفيل           : أنعمت صباحاً ، يا مولاي .
الأسد           : " غاضباً " لا أنعم  لك ولا لأجدادك
                 صباح .
القرد           : مولاي ، الجمهور .
الفيل           : إنني آسف ، يا مولاي .
الأسد           : وما الفائدة من أسفك ؟ إنه لن يشفي
                 ساق ابني .. الشبل .
الفيل           : الذنب ليس ذنبي ، يا مولاي .
الأسد           : الجميع يقولون ، أنك ارتطمت بابني
                 الشبل ، وكسرت ساقه .
الفيل           : بالعكس ، يا مولاي ، هو الذي ارتطم
                 بي .
الأسد           : " ساخراً " لابد أنه لم يرك .
الفيل           : كان يعدو خائفاً ، فارتطم ..
الأسد           : " يقاطعه منفعلاً " كذب .
الفيل           : مولاي ..
الأسد           : ابني الشبل يعدو خائفاً !
الفيل           : ليتك تسأله ، يا مولاي .
الأسد           : هاتوا الشبل .
القرد           : مولاي ، إنّ ساقه ..
الأسد           : احملوه .
القرد           : مولاي .
الأسد           : قلت احملوه ، لا أريد أن يشك الجمهور
                 في عدالتنا .
القرد           : " للضبع " هاتوا الشبل ، بسرعة .
الضبع         : " حائراً " لكن الشبل ..
القرد           : احملوه على محفة ، هيا ، تحرك .
الضبع         : " وهو يخرج مسرعاً " حالاً ، حالاً .
القرد           : مولاي ، سيأتون بالشبل حالاً .
الأسد           : لنسمع حكاية ، ريثما يأتي الشبل .
الفيل           : لديّ حكاية جميلة ، يا مولاي .
الأسد           : لكنك جان ِ .
القرد           : مولاي .
الأسد           : متهم ، حسن ، لا أريد أن أسمع حكاية
                من متهم ، حتى لو ثبتت براءته .
القرد           : مولاي ، الجمهور .
الأسد           : دعني الآن ، أريد حكاية .
القرد           : كما تشاء ، يا مولاي .
الأسد           : أريدها عن الأسود .
القرد           : سأحكي حكاية عنوانها ، الأسد
                والإنسان .
الأسد           : " يصيح " كلا .
القرد           : مولاي ، إنها مجرد حكاية .
الأسد           : هذه حكاية ملفقة ، الإنسان لا يمكن أن
                 يغلب الأسد .
القرد           " عفو مولاي .
الأسد           : احك للجمهور حكاية ، اندروكلس
                والأسد ، ليعرفوا وفاء الأسد ، و ...
الضبع         : " يدخل " مولاي ، الشبل .
الأسد           : لم يسمع الجمهور الحكاية بعد .
القرد           : إنهم يعرفونها ، يا مولاي .
الأسد           : يعرفونها ؟ " للجمهور " أرجو أن
                 تكونوا قد فهمتم معناها " للضبع "
                  ليدخل الشبل .
الضبع         : أمر مولاي " لمن في الخارج " هاتوا
                 الشبل .
                              
                           يدخل أربعة قرود ،
                        يحملون الشبل بالمحفة

القرد           : ضعوه هنا .
قرد            : أمرك سيدي " للقرود " أنزلوه .
الشبل          : بهدوء ، بهدوء " يصيح متألماً " آآي.
الأسد           :ليس هكذا أيها الحمقى ، إنه شبل .
قرد            : عفو مولاي .
الأسد           : ابتعدوا وإلا كسرت سيقانكم .
القرود         : " يقفون جانباً " أمر مولاي .
الشبل          : بابا .
الأسد           : أهلاً يا بنيّ " ينتبه " لست هنا بابا،
                 إنني الملك .
الشبل          : تقول ماما ، إنهِ المحاكمة سريعاً ، و ..
الأسد           : حاضر .. حا .. " ينتبه " لا تذكر ماما
               الآن ، نحن في محكمة " للقرد " 
                فلنستمر؟
  القرد         : أمر مولاي .
الأسد           : ماذا كنت أقول ؟
الفيل           : ليدخل الشبل .
الأسد           : لكن الشبل هنا .
الفيل           : هذا آخر ما قلته ، يا مولاي .
الأسد           : دعك أنت من آخر ما قلته ، نحن
                نحاكمك ، وسأكسر ساقك .
القرد           : مولاي ، الجمهور .
الأسد           : مرة أخرى .
القرد           : صبرك ، يا مولاي .
الأسد           : لقد نفد صبري .
القرد           : مولاي .
الأسد           : حسن ، ماذا كنا نقول .
القرد           : قال الفيل ، يا مولاي ، إنّ الشبل كان
                 يعدو خائفاً .
 الأسد          : صح ، هذا ما قاله ، وهو كذب طبعاً .
الفيل           : هاهو الشبل ، اسأله ، يا مولاي .
الأسد           : سوف أسأله ، وستسمع بأذنيك
                الكبيرتين بأنه لم يكن خائفاً ، فهو
                      شبل ، أسد المستقبل " يشير إلى
                      نفسه " والأسد لا يمكن أن يخاف .
الفيل           : لكنه مع ذلك كان خائفاً ، يا مولاي .
الأسد           : صه ، سأسأله الآن ، أصغ ِ جيداً إلى ما
                 سيقوله " للشبل " بنيً ، هل كنت
                  تعدو ، حين ارتطمت بهذا الجبل من
                  اللحم ؟
 الشبل         : نعم ، يا بابا .
الأسد           : لا تقل لي ، يا بابا ، نحن هنا في
                 المحكمة .
الشبل          : نعم بابا .
الأسد           : " منزعجاً " آآآآ .
الشبل          : عفواً ، يل با ..
الأسد           : كفى .
الشبل          : حاضر .
الأسد           : وحين كنت تعدو ، هل كنت خائفاً ؟
الشبل          : نعم .
الأسد           : " منزعجاً " آ آ آ ... خائفاً ؟
الشبل          : " يهز رأسه " ...
الفيل           : أرأيت يا مولاي ؟
الأسد           : أسكت أنت .
الشبل          : كان الأيل يطاردني .
الأسد           : تقصد أنك كنت تطارد الأيل ، عندما
                      ارتطمت بـ ..
الشبل          : لا يا بابا ، هو الذي كان يطاردني .
الأسد           : أيل يطاردك ، وأنت أسد المستقبل ؟
الشبل          : بابا .
الأسد           : لست بابا .
الشبل          : لو رأيت قرونه .
الأسد           : أنت شبل .
الشبل          : إنها غابة ، غابة كاملة .
الأسد           : غابة         ! لا بد أن أقطع هذه الغابة .
القرد           : مولاي " بصوت خافت " الجمهور .
الأسد           : دعني الآن ، نادوا الأيل .
القرد           : " للضبع " نادِ الأيل .
الضبع         : " يصيح " الأيل ذو القرون .
الفيل           : مولاي .
الأسد           : لقد ثبتت براءتك ، اذهب ، أنت حر .
الفيل           : " يهتف " يحيا الملك العادل .
القرد           : " يغمز للأسد " هذه هي العدالة .
الأسد           : " كأنه يخاطب الجمهور " نعم ، فالعدالة
                     عندي تعلو ولا يعلى عليها .
الضبع         : الأيل ، يا مولاي .
الأسد           : ليدخل هو وقرونه الغابة .

                           يخرج الفيل ، وتدخل
                          الأيلة ، وتنحني للأسد

الأيلة           : مولاي .
الأسد           : تقدم " للشبل " لا أرى غابة .
الشبل          : لعله خلفها .
الأسد           : هذا تضليل للعدالة .
القرد           : مولاي ، إنها أنثى .
الأسد           : من ؟ العدالة ! لا يمكن !
القرد           : " بصوت خافت " لا يا مولاي ، الأيلة .
الأسد           : ابني قال أيل ، وهذا يعني أيل ، "
                 للأيلة" أين .. " يشيرون للقرون " .
الأيلة           : ليس لي قرون ، يا مولاي .
الأسد           : لكن ابني .. أعني الشبل .. رآها .
الأيلة           : تلك قرون زوجي .
الأسد           : زوجك !
الأيلة           : إنه مريض يا مولاي ، وقد جئت نيابة
                 عنه .
الأسد           : لا بأس .
القرد           : مولاي .
الأسد           : قلت لا بأس ، لن أفرق بينها وبين
                زوجها " للأيلة " أنت ألذ .. أعني ..
القرد           : " بصوت خافت " الجمهور يا مولاي .
الأسد           : أنا الملك هنا ، قل لهم أن يهدؤوا .
القرد           : " للجمهور " هدوء رجاء .
الأسد           : تبدين مكتنزة الجسم ، آمل أنك أكثر
                بدانة من زوجك .
الأيلة           : وأصغر منه أيضاً .
الأسد           : رائع .
الأيلة           : أشكرك يا مولاي .
الأسد           : ليتني التقيت بكِ قبل ..
القرد           : مولاي .
الأسد           : لكن غداً لناظره قريب .
القرد           : " يشير للجمهور " مولاي .
الأسد           : " للجمهور " كفى ، لستم في ملعب
                 لكرة القدم ، أنتم في حضرتي " للقرد "
                 لنعد إلى المحاكمة .
القرد           : أمر مولاي " للأيلة " أنتِ ..
الأسد           : دعها لي .
القرد           : أمرك مولاي .
الأسد           : يقول الشبل ، أنك طاردته .
الأيلة           : لا يا مولاي .
الأسد           : الأمر سيان ، نحن لا نفرق بين ذكر
                 وأنثى .
الأيلة           : لم أطارده ، حاولت أن ألحق به ، أعني
                 يا مولاي ، أن زوجي حاول ...
الأسد           : لكن الشبل يقول ، أنكِ .. أعني زوجك
                ..  قد طاردته .
الأيلة           : هذا خطأ الشبل ، يا مولاي .
الأسد           : لماذا طاردته ؟
الأيلة           : مولاي .
الأسد           : حسن ، لا حقته ، لماذا ؟
الأيلة           : حاولت أن ألحق به ، أعني أن زوجي
                 حاول ، ليفهمه أن لا داعي لهربه .
الأسد           : لم أفهم .
الأيلة           : لقد أخبرنا الحمار ، بأن الشبل خمش
                 صغيرنا ، وهرب .
الأسد           : الحمار !
الأيلة           : لكن صغيرنا قال ، أن الشبل صديقه ،
                وقد خمشه من دون عمد ، فحاول
                زوجي أن يلحق به و ...
الأسد           : فهمت ، نادوا الحمار .
القرد           : " للضبع " نادِ الحمار .
الضبع         : " يصيح " الحما .. ر .
الأسد           : لكن الحمار حسب علمي ، لجأ إلى .. "
                 يشير إلى الجمهور " ...
القرد           : لقد عاد منذ أيام ، يا مولاي .
الأسد           : ليبشر بالحضارة .
القرد           : " يومئ للجمهور " مولاي .
الأسد           : إنني لا أنتقدهم ، إنهم أحرار .
الأيلة           : مولاي ، إن زوجي ينتظرني .
الأسد           : " يبتسم للأيلة " تفضلي .
الأيلة           : " تخرج " شكراً ، يا مولاي .
الأسد           : " يتأمل الأيلة وهي تخرج " مكتنزة ،
                وصغيرة ، وبلا قرون أيضاً ، لا بأس،
                إذا خانني الحظ اليوم ، فقد يحالفن غداً.
الضبع         : مولاي ، الحمار .
الأسد           : فليدخل .

                         يدخل الحمار خائفاً ،
                      متوجساً ، وينحني للأسد

الحمار         : مولاي .
الأسد           : حسبتك لن تعود .
الحمار         : لم أحتمل العيش معهم .
الأسد           : عجباً ، لقد اخترتهم بملء إرادتك ،
                 اخترت ..الحضارة .
الحمار         : أخطأت .
القرد           : لا ترفع صوتك ، إنهم يسمعونك .
الحمار         : ليسمعوني ، هذا لا يهمني ، لم يرعَ
                 أحدهم يوماً مشاعري .
الأسد           : " ساخراً " مشاعرك !
الحمار         : وكانوا يهزؤون مني ، حتى عندما
                 ينادونني ، يا حمار .
الأسد           : أنت تعرف ، إنني لا أدافع عنهم ، لكن
                 هذا اسمك .
الحمار         : مولاي ، ليتني لم أرهم .
الأسد           : لم يكن هذا رأيك من قبل .
الحمار         : لقد جربتهم ، يا مولاي ، وفضلت
                العودة إلى الغابة .
الأسد           : لا أهلاً ، ولا مرحباً .
القرد           : مولاي .
الأسد           : عدت لتكسر ساق ابني الشبل .
الحمار         : أنا !
الأسد           : لا تفتح عينيك كالأبله ، نعم ، أنت .
الحمار         : مولاي .
الشبل          : بابا ، الحمار ليس ..
الأسد           : " للشبل " أسكت أنت ، نحن في
                  المحكمة .
الشبل          : نعم بابا ، لكن المسكين ..
الأسد           : " يصيح " كفى .
الشبل          : حاضر ، لن أتكلم .
الأسد           : يا بنيّ ، إنّ الجمهور يراقبني ، وعيّ أن
                 أحاكم حماراً .
الحمار         : " محتجاً " مولاي .
الأسد           : قلت للأيل ، إنّ الشبل خمش ابنه .
الحمار         : نعم ، يا مولاي ، قلتُ هذا .
الأسد           : فهرب الشبل ، وارتطم بالفيل .
الحمار         " مولاي .
الأسد           : هذا يعني ، أنّ حضرتك لو لم تنطق ،
                 لما انكسرت ساق ابني الشبل .
الحمار         : لقد تعلمنا منك ، يا مولاي ، أن نكون
                 صادقين .
الأسد           : " فرحاً " ارفع صوتك ليسمعك
                الجمهور .
الحمار         : " للجمهور " نعم ، تعلمنا الصدق من
                مليكنا الأسد .
الأسد           : " بفرح " أحسنت .
الحمار         : فماذا أقول للأيل ، حينما تساءل عما
                 يبكي صغيره ؟ هل أكذب عليه ؟
الأسد           : ويقولون أنه حمار .
الحمار         : " بلهجة خطابية " الصدق يعلو ولا
                  يعلى عليه .
الأسد           : اللعين ، إنه يتلاعب بالألفاظ  ليحرجني
                 أمام الجمهور .
الحمار         : أقتلني ، يا مولاي ، لكن لا أريد أن
                يقول أحد ، وخاصة من الجمهور ، أنّ
                مليكنا الأسد يكره الصدق .
 الأسد          : " بلهجة لائمة " إنه بريء أيضاً .
القرد           : الأمر لك ، يا مولاي .
الأسد           : " غاضباً " لقد انكسرت ساق الشبل ،
                ولا يريد أحد أن يكون المذنب ، لقد
                حان وقت الغداء ، ولابد من مذنب  
              .. " للقرد " هذه المحكمة فكرتك ،
                ما الداعي للجمهور ؟ ألا يكفي ما يقولونه
               عن شريعتنا ؟شريعة الغاب ، وكأن
               شريعتهم أفضل ، إنهم يأكلون من الأبقار
                والأغنام والدجاج أكثر مما نأكل من
                الحمير .
الحمار         : " يتقهقر " يا إلهي .
الأسد           : " للقرد " ستدفع الثمن .
القرد           : مولاي ، إنهم يسمعوننا .
الأسد           : " بصوت خافت " سأعيد المحكمة على
                 طريقتي ، بعد خروج الجمهور ، أريد
                مذنباً .
الحمار         : " يتأهب للهرب " لا أريد أن أكون
                 المذنب .
الأسد           : ماذا تفعل ؟ تعال .
الحمار         : لا يا مولاي " يهرب إلى الجمهور " لا
                 .. لا .. لا  .
الأسد           : لم تحتمل العيش معهم .
الحمار         : لقد هربت منك إليهم ، وهربت منهم
                إليك ، وسأهرب ثانية منك ، وسأظل
                أهرب .. أهرب .. أهرب .. " يخرج "
الأسد           : حقاً إنه حمار .
القرد           : مولاي ، الجمهور ينظر إلينا .
الأسد           : " بصوت خافت " لن تفلت من يدي ،
                سنمثل هذه المهزلة حتى النهاية " بصوت
                مرتفع " العدالة هي العدالة ، لابد من
                مذنب " للجمهور"هل تعرفون أنتم من
                هو المذنب ؟ آه لقد تعبت " يتجه إلى
 
        الخارج " أحملوا الشبل واتبعوني .

                     الأسد يخرج ، القرود يحملون
                     الشبل ويتبعونه ، الستارة تسدل  

القرد           : " يمسك الستارة " لقد خرج الملك ،
                  والأمر مازال معلقاً " للجمهور " لا
                  تدعوا أنتم ستارة تسدل ، حتى تعرفوا
                  الحقيقة ، وتحسموا الأمر .
الضبع         : " يخل ويجر القرد " تعال ، الأسد
                     يريدك .
القرد           : " يصيح مستغيثاً ، بينما تخفت الأضواء
                     " لا .. لا .. لا  .

                                 إظلام
                                  ستار