الحطاب  و الشيخ

رضا سالم الصامت

 في يوم من الأيام حدث جفاف في أحدى القرى، حتى أن المطر لم ينزل لفترة طويلة ، فأصبحت أشجار الغابة يابسة و البحيرات ناشفة ولم يبقى في الآبار ولا قطرةٌ من الماء ماعدا جدول يعرفه حطاب يدعى عمر كان في كل يوم يملأ القنينة
كان عمر رجلا كادحا ، عاش حياته فقيرا ، يعمل في الغابة يقطع الحطب و يرفعه على ظهره ثم يذهب إلى السوق القريبة ليبيعه و يتصدق بجزء من ثمنه على الفقراء و المساكين ، أما باقي الثمن فيبقيه في جيبه لينفقه على عائلته المتكونة من ثلاثة أولاد و أمهم ، راضيا بما قسم الله له و لو كان قليلا
ذات يوم وكعادته خرج الحطاب "عمر"  للبحث عن رزقه و رزق عياله ، فذهب إلى الجدول و ملأ قنينته ماء ، و صدفة اعترضه رجل طاعن في السن يدعى
" فرجـان "  يكاد يموت عطشا ، فاقترب منه عمر الحطاب ، و أخذ القنينة و فتحها و سقاه إلى أن ارتوى
و تحسنت حالته و حمد الله على نعمته
أخذ عمر القنينة ، و هم بالانصراف ، لكن الشيخ سأله : إلى أين أنت ذاهب ؟
قال: إلى الغابة
فقال له الشيخ : و ماذا تعمل يا رجل ؟
قال : حطابا من زمان و اسمي عمر
فقال الشيخ : هل تسمح لي بأن اصطحبك يا عمر ؟
رد عليه  : نعم ، يمكنك أيها الشيخ مرافقتي
و ذهب الرجلان معا إلى الغابة الجبلية و عندما وصلا ، جلس الشيخ تحت جذع شجرة و أخذ عمر معوله و بدأ يقص الحطب و يجمعه و هو مبتهج يغني اهزوجات شعبية  أعجبت الشيخ الذي تفاعل معها
كان الشيخ في الأثناء يراقبه من بعيد و هو سعيد ببساطة هذا الرجل و تلقائيته و شهامته و حسن عشرته و طيبة قلبه و هو الذي أنقذه من موت محقق عندما نال منه العطش و قال في نفسه إن هذا الحطاب يستحق كل خير
كان الحطاب يعمل بجد و كد ، و في كل مرة يلقي نظرة نحو الشيخ فرجـان فيها ابتسامة ، و كان الشيخ بدوره يلوح له بيده وكأنه يرد عليه التحية بأحسن منها
و بينما هو كذلك ، جاء عمر للشيخ و قال له :هل أعجبك عملي ؟
قال : نعم ، انه عمل شاق و لكنه ممتع
قال الحطاب للشيخ :  الآن انتهيت من قطع الحطب و سأجمعه كوما ثم أحمله على ظهري و سوف أحتاج إلى مساعدتك لي
رد عليه الشيخ : سأحاول بقدر المستطاع مساعدتك و كما تعرف أنا رجل طاعن في السن تركت مدينتي و جئت من بعيد من أجل زوجتي التي تركتها مريضة جدا
قال الحطاب : و أين توجد مدينتك أيها الشيخ
قال : أنا الشيخ فرجان ، أعيش في المدينة الشرقية ، أملك ضيعة كبيرة
قال الحطاب : إنها مدينة الخير الوفير ، أنا أسأل فقط لماذا تركتها و جئت إلى قريتنا الفقيرة و التي تشهد جفافا و قحطا ؟
رد عليه الحطاب : جئت لأقتني من سوق قريتكم نوع من الحشائش اسمه البنجر فطبيب المدينة الشرقية قال لي أن هذا النوع من الحشائش ، لا يوجد إلا في القرية لاستعماله كدواء لزوجتي المريضة .
ابتسم الحطاب و قال له : أيها الشيخ عندما اذهب إلى السوق سوف أجلب لك حشائش " البنجر" ، هيا ساعدني على حمل الحطب الآن
قام الشيخ و حاول مساعدة عمر الحطاب ،على حمل كوم الحطب على ظهره ، لكنه فشل .. فقال الشيخ فرجان : لا عليك ، اترك هذا الحطب هنا وهيا معي إلى مدينتي الشرقية لترى ضيعتي .
ترك الحطاب كوم الحطب ، و ذهب مع الشيخ فرجان إلى المدينة الشرقية بعد أن قطعوا عدة أميال ، وفور وصولهما اندهش الحطاب عمر و قال للشيخ : كل هذه الضيعة لك يا شيخ ؟
قال : نعم ، هي ضيعتي التي كونتها بكد  و عرق جبين
رد عليه الحطاب قائلا : ما شاء الله
كان الحطاب عمر يسأل نفسه : هل أنا في منام أم في يقظة ؟
و فجأة أخذ الشيخ فرجان عمر الحطاب من يده و قال له : انظر يا صديقي الحطاب كل هذه الجمال هي لي ، فأختر واحدا منها ؟
قال : و لكن كيف ؟ و لماذا ؟
رد عليه الشيخ : لا عليك ، اختر جملا لتحمل على ظهره كوم الحطب الذي جمعته في الغابة الجبلية
اختار عمر الحطاب واحدا من الجمال و أخذه و عاد إلى القرية و قطع أميالا ليصل الغابة و ترك الشيخ فرجان في مدينته الشرقية .
و عندما وصل ، برك البعير و وضع الحطاب عمر " كوم الحطب " على ظهره ، ثم دخل السوق و باع كل الحطب فقبض ماله و تصدق بجزء منه على الفقراء و المساكين كما جرت العادة ، ثم اشترى للشيخ فرجان حشائش " البنجر" كدواء لزوجته المريضة .
ذهب عمر الحطاب إلى بيته فرحا مسرورا ، فاندهشت زوجته عندما رأته يجر بعيرا ، فقال لها انه جمل لصديق له و سوف أعيده له ،و لذلك سأتغيب عنك لفترة طويلة نسبيا فلا تشغلي بالك و انتظري مجيئي إليك الليلة أو غدا ، ثم ودع زوجته ميمونة و أبنائه
قطع الجمل أميالا و أميال ، إلى أن وصل من جديد إلى المدينة الشرقية فكان الشيخ فرجان في انتظاره . رحب به و قدم له أشهى و ألذ المأكولات و أحسن وفادته و كرمه ، ثم استأذن لكي يعود إلى قريته لأنه ترك زوجته و أبنائه في انتظاره
تعانق الرجلان ثم نظر في عينيه و قال للشيخ فرجـان : شكرا على مساعدتك لي و على كرم الضيافة و إليك دواء زوجتك ، لقد جلبت لك الحشائش التي طلبتها
سعد فرجان الشيخ بالحشائش كثير ا .. و قال للحطاب : احتفظ بالبعير فهو لك ، سوف يساعدك في عملك و هو هدية مني لك فأنت من أنقذت حياتي بشربة ماء عند ما نال مني العطش و ما جزاء الإحسان إلا الإحسان ثم تصافحا و غادر المكان ...
و هكذا يا أصدقائي الصغار فان الإحسان دليل على النبل، واعتراف بالفضل، وعرفان للجميل، وقيام بالواجب، واحترام للمنعم، ينبئ عن الصفاء، وينطق بالوفاء، ويترجم عن السخاء