لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الأربعاء، 29 فبراير 2012

"أغنية الحقول"قصة للأطفال بقلم: جمال علوش

أغنية الحقول
جمال علوش
فجأة ، ودون سبب واضح ، قرر النهر الذي يمر بقريتنا أن يحبس ماءه، ويمتنع عن سقاية الحقول.
قال النهر بعجرفة:
- ما لي وللحقول؟! .. منذ زمن وأنا أمنحها الماء كي تعيش .. ولكن هل قابلت كرمي بكرم مماثل؟.. هل منحتني شيئاً؟.
لا .. لن أمنحها الماء ابداً .. أبداً .
وتابع النهر سيره وهو يغني بتكبر واستعلاء.
ومرت الأيام ، وشعرت الحقول التي انقطع عنها الماء بالعطش ، ولوت أشجارها الصغيرة أعناقها ، وراحت تنتحب بصمت.
قال حقل صغير للنهر :
- أنا عطش أيها النهر.. هلا منحتني قليلاً من الماء؟
قال النهر :
- لا .. الماء ملكي ، ولن أبدده عليك وعلى أصحابك .
قال الحقل باستغراب :
- ومن قال أنك تبدد ماءك؟! أنت تمنحنا الحياة التي نمنحها نحن ايضاً للناس بما نقدمه لهم من ثمار وخيرات . قال النهر:
- تمنحون خيراتكم للناس!.. وأنا .. أنا ألا أستحق شيئاً من هذه الخيرات؟!
- تستحق !.. ماذا تقول ؟!.. هل تريد ان تأكل تفاحاً .. أم ماذا ؟!
قال النهر بغضب:
- انظر ! .. ها أنت تسخر مني !!
- ولكن كلامك غريب .. غريب جداً !
- وما وجه الغرابة فيه؟
قال الحقل :
- الحياة يا صاحبي أخذ وعطاء.. ومن الحكمة أن تعطي بقدر ما تأخذ.. هذه سنة الحياة .
قال النهر باستخفاف :
- وماذا أخذت حتى أعطي لغيري؟
قال الحقل :
- الا تمنحك الثلوج ماءها عندما تذوب في نيسان من كل عام .. ألا تمدُّك الأمطار دائماً بالمياه العذبة في فصل الشتاء..
أليس هذا عطاء؟
قال النهر :
- هراء .. أنا قوّي وغزير بدون مياه الثلوج والأمطار.
كانت الشمس تبتسم ، وهي تنصت لما يدون من حوار بين الحقل والنهر ، فتدخلت قائلة :
- تعقّل أيها النهر.. وإلا هلكت الحقول ،رفع النهر رأسه إلى الشمس ، وقال :
- وما دخلك أنت؟
قالت الشمس :
- ستموت الحقول .
قال النهر :
- ما لي وللحقول ؟! .. ثم ألا أكون عاقلاً إلا إذا بدّدت مائي؟!
قالت الشمس :
- ولكن ماءك سيتبدد في النهاية ويذهب إلى حيث لا يُستفاد منه ، قال النهر :
- ماذا تعنين ؟
قالت الشمس :
- ألنْ تصبَّ في البحر؟
- بلى .
- إذن سيذهب ماؤك هباء، وستموت الحقول ، فكَّر النهر لحظات ، ثم هزَّ رأسه ، وقال بتعنت:
- أن أصبَّ في البحر خير لي من أن أمنحَ مائي لهذه الحقول الكسولة البخيلة.
قالت الشمس :
- لا فائدة من الجدل معك.. أنت نهر غبيّ ومتكبر..
سآخذ منك الماء بالقوة لأمنحه لهذه الحقول المسكينة قبل أن تموت.
قال النهر بتحد :
- تسبينني .. وتهينينني !! . هه.. ماذا يمكنك أن تفعلي؟
قالت الشمس :
- سترى .
وسرعان ما ضاعفت الشمس من حرارة أشعتها ، وسلطتها على مياه النهر، فبدأ البخار يتصاعد ويتجمع في السماء غيوماً بيضاء ناصعة ، ثم ما لبثت أن تحولت إلى مطر راح يهطل بغزارة فوق الحقول العطشى.
رفعت الحقول عيونها على الأعلى ، فرأت الشمس تبتسم قبل أن تتوارى خلف تلال الغيوم ..
 فاهتزت أشجارها الصغيرة ، وراحت تغني للشمس والمطر والحياة.


الثلاثاء، 28 فبراير 2012

"صراع الحواس" قصة للأطفال بقلم: السيد نجم

صراع الحواس
السيد نجم
في المدينة العجيبة البعيدة, مدينة الحواس, اشتد الصراع بين الملكة "عين" وبقية الحواس (السمع, الشم, التذوق, واللمس). فقد زاد الإزعاج والضجيج فتألمت الأذن وضعفت حاسة السمع, كما زاد الضوء الباهر والإشعاعات من الأجهزة الإلكترونية فضعفت حاسة البصر ومرضت العيون. ولما أهمل الجميع النظافة تململت كل الحواس (سكان المدينة). لم تكن حاسة اللمس آجرها, بل سبقتهم جميعا, فترك "الإصبع الكبير" المدينة وانعزل وحده عند شاطئ البحر.

قررت الملكة "عين" الذهاب إلى "الإصبع الكبير" لإعادته, ورافقتها كبيرة الأذن. فور أن صافحهما قال:

"أعلم أن المدينة لا تعيش سعيدة من غيري, لأنني أحس بالحرارة والبرودة, فأخبر سكان المدينة لتلافى شرورها..حقا أنا أفضل من كل الحواس".

فقالت الملكة بغضب:"انك حقا مغرور كما يقولون عنك, قد يكون في كلامك الحق, لكنه ليس كل الحقيقة!"..

وبسرعة قالت "الأذن":

" بل أنا الأفضل, أسمع الضجيج فأحذركم من أضراره"!

ابتسمت "العين" وهمست بصوت مسموع:"وماذا أقول عن نفسي, كم من مرة رأيت الأخطار وأنقذت سكان المدينة كلهم!!"..

فضحك "الإصبع" بصوت مسموع قائلا:

" حضرتما لإعادتي, تشاجرتما معا.. دعوني أذهب إلى كوخ, كالصغير لأعيش وحدي سعيدا"!!

قبل أن يتحرك أحدهم, كان المشهد المرعب المثير, ثعبان خبيث يتجه ناحية "الإصبع", صرخت الملكة "عين":

"أسرعا فورا بعيدا عن هنا..انه الثعبان الشرير"..

وبسرعة هب ثلاثتهم واستقروا بعيدا. فورا ضحكت "عين" وقالت:

"لولا وجودي معكما الآن لانقض عليكما الثعبان"..

فقال "الإصبع":

" قد يكون في كلامك الحق, لكنه ليس كل الحقيقة!".

لفترة قصيرة هدأ الجميع وانشغل الإصبع في صنع شكل غريب من الطين, ثم قال لهما:

"سوف أجعل هذا الشيء العجيب يخيف الثعبان, فلا يقترب منى أبدا. ما رأيكما أطلق عليه اسم "وافى".

وانقضى بعض الوقت وهم يشربون معا الشاي ويأكلون الكعك الذي قدمه "إصبع".

فجأة أخبرتهما "عين" أنها رأت انحوه.الماكر يسرق بعض المأكولات من نحوه.خ إصبع, والكائن الجديد أسرع نحوه..ونجح في اللحاق به. فقالت الأذن:

"ما جدوى وجودك وحدك, لولا أن الملكة عين رأت ما رأت, وأنا سمعت المعركة بين الثعلب و"وافى"..ما كنت أدركت المصيبة التي تتعرض لها "!

فهم "الإصبع" ما تعنيه, فقال بتحد:

" هل تعرفين الحكمة من تماثيل الفنان الهندي الذي صنع تماثيله على شكل القرود, منها ما يخفى عينيه, وما يضع يده على أذنيه وفمه؟؟".

لم يسمع أجابه, تابع وحده:

"معنى تلك التماثيل..أن الشرور كلها بسبب العين والأذن واللسان!!"

في هدوء وثقة أرادت الملكة عين أن تلقنهما درسا, أخرجت جهاز الكمبيوتر الذي أحضرته معها, وهى لا تسير يدونه.. ثم فتحت موقع المعلومات عن الحواس. بدأت تقرأ لهما وتقول:

"هل تعلما أن كل الحواس توجد في الإنسان والحيوان, لكن حاسة البصر وحدها التي توجد في الإنسان وأغلب الحيوانات والطيور والأسماك..بينما بقية الحواس توجد بأقل من ذلك كثيرا!!"

اعترض "إصبع" وأخبرهما أن "الإخطبوط" يملك عينين ولا يستخدمهما, بل يعتمد على عشر أذرع وعلى حاسة اللمس أساسا!.

قبل أن ينتهي الحوار أسرعت الأذن وأخبرتهما أنه لولا حاسة السمع ما عرف الإنسان الكثير من الأمراض. وبدأت تقص غليهما قصة اختراع "السماعة الطبية" وكيف أن الدكتور "رينيه" الفرنسي, نجح في تشخيص مرض الفتاة عندما صنع بوقا وضعه على صدرها ثم سمع صوت دقات قلبها..وشخص المرض وأعطى العلاج المناسب!

فجأة صاحت الملكة عين وصرخت قائلة: أرى البرق, أسرعوا بعيدا "..

تابعتها الأذن:

"وأنا الآن سمعت رعدا شديدا"..

فورا تابعهما الإصبع:

" بل أحس برذاذات المطر الآن.. هيا بنا فورا إلى داخل الكوخ".....

أسرعوا جميعا إلى داخل الكوخ حتى انتهت الأمطار الغزيرة, وعادت السماء صافية, وأضاءت الشمس الأرض, وانبعث الدفء في أجسادهم..فشعروا بالسعادة والفرح.

فورا قالت العين:

"لولا أن رأيت البرق وأنذرتكما لهلكتما بسبب المطر".. اعترضت الأذن:" بل لأنني سمعت الرعد !!".. تابعهما "إصبع":" الحقيقة أنا الذي أنقذتكما, عندما أحسست بالأمطار, أسرعتما إلى داخل الكوخ!!"

أسرعت الملكة عين وأخبرتهما بأنها أرادت أن تشاركهما اللعبة, وأنها مقتنعة بشيء آخر..لا هي العين وحدها, ولا الأذن أو الإصبع؟!

فانبرى الإصبع:

" ماذا إذن؟!!"

تابعت الملكة قائلة:" الآن أخبرني الكومبيوتر..أن كل الحواس من أصل خلية واحدة, ثم تخصص جزء منها في الرؤية, وآخر في السمع, وغيرها في الشم أو اللمس..وهكذا كل الحواس"

فقالت الأذن:

" إذن لا فضل لحاسة على حاسة"

تابعها الإصبع:

" إذن سوف أعود معكما.. نتعاون معا من أجل أن نحافظ على بعضنا البعض, ولا نتصارع مهما كانت الصعوبات"

وتعانق ثلاثتهم فرحين بالعودة !!!

الاثنين، 27 فبراير 2012

"سَمَر والشَّمسُ " قصة للأطفال بقلم: فكري داوود

سَمَر والشَّمسُ
فكري داوود
كُلما مرَّ امتحان كُـلمَا حَصُلت سَـمَر على أعْلَى الدَّرَجَاتِ,
لم يحـدُثْ أَنْ تَأَخَّـرَ تَرتيبُـــهَا أَبداً , كُلُّ شَــيءٍ لَهُ مَوْعِدُهُ, كَسَــاعَةٍ دَقِيقَةٍ هِيَ , تَملأُ السَّــعَادَةُ وَجْههَـا المضيءَ تحــاول عَيْناهَا كثيراً أن تتأمّل قُرْصَ الشَّمْس ...
يقع نظرُ الأم عليها , تزداد دقَّاتُ قلبها الممتليء بالحُب..
جَاوَرَهَا بِالفَصْــل زَمِيـلَتـان جَدِيـدَتَـان , حَدِيثُـهما يَـدُورُ كثــيراً حَوْلَ أَحَدِ المسَـلسَـلاتِ بِالتـلفِزيون , المسَـلْسَـلُ يَأْتِي مُتَأَخَّراً, وَتَأَخُّرُهُمَا في الحضُورِ إِلى المدرسَةِ صَارَ مُتَكَرِّرَاً..
تَتعَجَّبُ سَـمَـرُ منْ قدرتهما على تحمل الِلَّوم المستَمِر من مُدِيرِ المدرَسةِ والمدَرِّسِين, كما لم تبـخل هِي نَفْسُــهَا عليـهما بالنُّصْح , وَحَدِيثـُـهما لاَ ينـقطِعُ عن مُتْـعةِ السَّهَرِ أَمَامَ الجِهازِ العَجِيْبِ ..
لم تَكُنْ سَـمر مُقَاطِعةً للتّـلفِزيون , بَلْ كَثِــيراً مَا أَمْتَعَـتْـهَا بَرامِجُ عِلْمِيَّـةٌ أَوُ دِينيَّـةٌ أَوْ غَيْرُهَـا , و بَعْضُ المسَلسَلاتِ الَّتِي تُعْرَضُ في أَوْقَاتٍ تُناسِبُهَا ..
ذَات مَرَّةٍ سألت نَفْسَهَا :
لماذَا لا أُجَرِّبُ ؟
وفي هذه الليلة ، استطَاعَ المسَلسَلُ أَنْ يَسْتَولى عَلَى إِعْجَابها , نَبَّهَتْــهَا الأُمُّ أَنَّ مَوْعِدَ نَومِهَا قَدْ فات , أَخْبَرتْـها سَــمر بَأَنَّها قَدْ أنهتْ كُلَّ وَاجِبَاتِها ..
سَيطَرَ الصَّمْتُ على الأُمِّ ، دُوْنَ أَنْ تَكُونَ رَاضِيَةً تَمامَاً..
فِي الصَّبَاحِ وَجَدَتْ سَمرُ صُـعُوبَةً في الاســتِيقَاظِ مُبَكراً , أَحَسَّـتْ بِأَلمٍ فِي عَينيَها, أَدْرَكَتْ مَوْعِدَ المدرَسـةِ بكُلِّ صُعُوبةٍ.
تَكَرَّرَ سَـهرُها , وتَكرَّرَتْ تنْبِيـهَاتُ الأُمَّ , تَعْـتَـمِدُ سَــمـر عَلى حُجَّتَين :
أَدَاءُ وَاجِبَاتها،..
وعدم وُجُودِ شَكْوَى مِن المدرَْسَةِ .
رَاحَتْ تُشَـــاركُ الزَّمِيلَتيـن الجديدَتَيـن في الحديِِِْثِ , كَمَا أَصْبَحَتْ تُشَارِكُهُمَا التأخِِيرِ في الذهَاب إلى المدرَسة، أَصَابَت عَيْنَيهَا ورَأْسهَا آلآمٌ تَسْتَمرُّ أَغْـلَبَ الأَوْقَاتِ.
ذات يوم وَصَـــل خِـطابُ من الـمـدرسَـــةِ إِلـى البـيـتِ , اسْتَولَتْ الدهشـةُ على الأم ، مِن دَرَجَاتهِا السَّيئَةِ ، في اخْتبار الشَّهْرِ .
لمحتْ سَــمرُ نظرات اللَّوم في عّينَيِّ أُمِّهَا الحزينتين , لم تَسْـتَطِعْ عينـاها أن ترتفع عن الأرض , الإحسَـاسُ بِالتَّـقصير يَكَادُ أَن يقْضىَ عََليهَا، تَقدَّمَتْ قَدَمَاهَا إلى الأَمَامِ, أَمْسَكَتْ يَداها برَأْسَ الأُمِّ , طَبَعَتْ شَفَتَاهَا قُبلَةً طَويلَةً فَوقَ جَبِيِنهَا.
مَسَـحَتْ يَدُ الأُمِِِِِِِّ رَأْسَ سَـمر في حَنانٍ , تُم أَشَــارتْ إِلـى صُورَةِ الأَب فَوقَ الحائِطِ ، قَالتْ :
ماتَ دِفَاعاً عَن الوطَنِ , شَـــهِيدٌ هُوَ , حَيٌ عِـنْدَ رَبهِ , تَتَردَّدُ بِداخِلي إلى الآن وَصِيَّتُهُ الأَخِيرةُ , يَومهَا احْتضَنَكِ في صَدْرِه, قَالَ :
هَذِه زَهْرتـُنَا، هديتنا من الله هي , نســأله أن يجعلها غصـنا عَطِرَاً يملأ الدنيا شذاهُ ..
اخْتَلَطَتْ دُمُوعُهُمَا معاً ...
أَحََسَّــتْ سَــمر بِأَنَّ كَلـِماتِ وَالدِهَـا الشَّـهِيدِ تأْخُـذُ بِيـدِهَا,
وتُعيدُ وَضْعَ قَدَمَيْهَا عَلَى الطَِّريقِ الصحيح , تَنْظُرُ عَيْـناهَا إلى قُرْص الشَّــمْــس بصعوبة، تحاوِلُ أَنْ تستمد مِنها انتِـظَامَ الحياةِ ، منذ شروقها , وحتى ترْحَـل وَقْتَ الغُروب, لاَ يَخْتلفُ لَها مَوْعدٌ أَبداً ..
وشــيئاً فشـيئاً عاد لحيـاتها انتــظام الســـاعة من جديد ، وعِنْـدَ أَوَّلِ اخِتـبارٍ عَادَتْ دَرَجَاتُها لتَِكُونَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ.

الأحد، 26 فبراير 2012

"النورسة والتلميذ " حكاية شعرية للأطفال بقلم: سعد جاسم

النورسة والتلميذ
سعد جاسم*

عندَ طريقِ المدرسهْ
سمعتُ صوتَ نورسهْ
يفيضُ بالتفاؤلْ
يداعبُ الخمائلْ
انغامهُ جميلهْ
مثلَ سماءٍ مشمسهْ
* * *
حينَ اتيتُ قربَها
رفَ اليَ جنحُها
فخاطبتني فرِحَهْ :
- صديقي ياصديقي
طريقُكَ الحقيقي
انْ تعرفَ الاشياءْ
من الفِها للياءْ
وتمضي في الحياةْ
تشاركُ البناةْ
في الكدِ والبناءْ
والكسبِ والعطاءْ .
* * *
وحينَ انهتْ قولها
بصحبتي اخذتُها
حتى ترى مدرستي
فانشدتْ لرفقتي
انشودةََ المحبةِ .



*شاعر عراقي مقيم في كندا
saadjasim59@hotmail.com

السبت، 25 فبراير 2012

"فتاة الغدير" قصة للأطفال بقلم: سعاد محمود الأمين

فتاة الغدير
سعاد محمود الأمين
في واحة وسط الصحراء،تحفها أشجار النخيل الباسقة، وبساتين الفاكهة، والأعشاب تكسو الأرض بخضرة
زاهية. والمياه تتدفق من الينابيع، مكونة الغدير، الذي تؤمه فتيات الواحة، لجلب الماء. بجرار يحملنها على رؤوسهن . ويغسلن الملابس، ويسقين الحيوانات التي تدر لبنا وفيرا مكونا غذاء أساسيا للأهالي.وذلك لوفرة الماء الزلال والعشب . كان أهل الواحة سعيدين في حياتهم. بما وهبهم له الله من نعيم وزرع وضرع .متعاونون يوقرون كبيرهم ويرحمون مريضهم. ويعطفون على صغيرهم. ويحفظون غائبهم في ماله وعرضه حتى يعود. كانت واحة ود النمير مثل الفردوس.آمنة لا تخوض حروب مع القبائل وترعى العهود والمواثيق بين القبائل.
فتاة تدعى شمايل ،كانت تختلف عن فتيات الواحة ، عندما يأتين الغدير تجلس بعيدا ، تتأمل التلال الرملية المحيطة بالواحة ويلح عليها الفضول لترى خلف تلك التلال، الجاثمة بين تلك الشجيرات الجافة. وتحاول دائما الخروج من الواحة لتستكشف عوالم أخرى.
ذات يوم من الأيام تركت شمايل الفتيات وتسللت خلسة . 
صارت تمشى وتمشى وتمشى.. مبتعدة، ولم تشعر بأنها قد ابتعدت عن الغدير، مسافة طويلة كان يدفعها الفضول للوصول لتلك التلال البعيدة، فقد كانت تراه قريبة يخدعها السراب، فكلما تقدمت إلى الأمام، ابتعدت عنها التلال ، ولكنها لم تتوقف إلا بعد أن بلغ بها التعب أشده.
 فجلست لتستريح فنامت، عندها توارى قرص الشمس خلف التلال واختفت أشعتها الذهبية وتلون الأفق بالأحمر والأصفر والبرتقالي. استيقظت خائفة، مرعوبة، وقد حل الظلام فهرولت تسابق الريح صوب الواحة فقد يئست من الوصول للتلال.ولكنها ضلت الطريق وصارت تسرع الخطى هنا وهناك متخبطة لا تعرف الاتجاهات. وقد تملكها الخوف والصمت قد خيم على الصحراء، واكتست الصحراء بسواد الليل الحالك. جلست تحت الشجرة، وتوسدت يدها ودموعها تنهمر بغزارة.كانت الأحلام المزعجة توقظها بين الفينة والأخرى. وشاركتها الحيوانات البرية سكون الليل، الأرانب البرية والضب الخلوي والحشرات تتحرك كاسرة صمت الليل بهسيس وفحيح ومواء...
أصبح الصبح، وهى في توهانها لم تعرف لطريق العودة سبيلا.فجلست تبكى وتصرخ وتردد الصحراء صوتها لا مجيب .غير طيور تهيم نهارا، وتحط في أعششها ليلا فوق الشجرة، التي اتخذتها مسكنا لها.كلما مرت قوافل الجمال، كالأشباح تقطع الفيافي، ذهابا وإياب ،وكلابهم خلفهم .تهرول شمايل نحوهم وتصيح وتلوح لهم وتسير القافلة دون الالتفات إليها.
كانت تجلس وتبكى وتنشد قائلة لقوافل الجمال :جمالة هيى جمالة هيى.....
كلموا.. أمي.. وأبى .
قولوا ليهم شمايل الغالية
كانت تحب البادية
والحياة الهادية
والطيور الشادية
ياجمالة هيى ..هيى.... رجعوني لأمي وأبى.. ووإخوتى ومرقدى هيىهى
وتنخرط فى البكاء حتى جفت دموعها.ويئست من العودة . وندمت على مفارقتها للواحة والحياة الرغدة.
كان الطير الخدارى، يحط فوق الشجرة التى تجلس تحتها ويستمع لنشيدها، ويحنو عليها فيطير محلقا فى البوادي و الواحات ويعود ليلا ليجدها نائمة، فيضع لها ثمار النخيل، فتصحوا وتأكلها وتنظر الى الطيور شاكرة .ذات يوم جاءت القافلة، تسلك طريقا على مقربة من شمايل، فقفزت وصاحت: ياجمالة... ياجمالة فلم يلتفتوا إليها. فطار الطير الخدارى نحو القافلة وصار يصدر أصوات، وصيحات، لفتت نظر الركبان فتبعوها حتى وصلوا الشجرة التي تجلس تحتها شمايل صاح قائدهم:

ــ هل أنت من الأنس أم الجن؟
ـــ أنا إنسية اسمي شمايل من واحة الغدير
ــ ماذا أتى بك؟هل تركك أهلك هنا..
ــ كنت أتجول ولم أعرف طريق العودة فى متاهات الصحراء فقدت طريقي
حُملت شمايل على ظهر الجمل. وساروا بها نحو واحة الغدير. عندما وصلوا إلى مشارف الواحة أنزلوا ركابهم، وعقلوا جمالهم .وأرسلوا مرسالهم، إلى شيخ القبيلة يستفسروا، إن كانت لديهم فتاة مفقودة.
 هرع أهل الواحة نحوهم بالترحاب. 
ونحرت الذبائح وأطعم الجميع . 
وغنت ورقصت الفتيات بعودتها سالمة .
ورحلت القافلة في مسيرتها.
نظر أبو شمايل إليها معاتبا لها على تهورها وابتعادها بمفردها وقال ناصحا لها :إ ن الذئاب تأكل الأغنام القاصية، فلا تفارقي الجماعة. 
وتبتعدي فيسهل مهاجمتك. 
لولا لطف الله بك ودعواتنا لهلكت في الصحراء.
بكت شمايل كثيرا على تصرفها وما جلبته من متاعب لأهل الواحة السعيدة، وأقسمت على نفسها ألا تفارق فتيات الغدير والحياة الرغدة.
و تنساق وراء أحلامها المستحيلة.

الخميس، 23 فبراير 2012

"البئر العجيبة " حكاية شعبية للأطفال بقلم: يعقوب الشاروني

البئر العجيبة
من كتاب" أجمل الحكايات الشعبية"
يعقوب الشاروني
يحكى أنه كان لإمرأة ابنتان: احداهما دائمة العمل والابتسام اسمها" أمينة " والثانية دائمة الغضب والصياح، اسمها " جميلة " .
وكانت أمينة المبتسمة النشيطة تساعد أمها في كل عمل.
أما جميلة العابسة، فكانت كسولة، تتهرب من أي عمل.
كانت أمينة تحلب الأبقار ، وتنظف البيت ، وتصنع الزبد والجبن، وتخبز الخبز ، وتغزل الصوف.
أما جميلة فلم تكن تحلب أو تنظف أو تغزل ،أو تقوم بأي عمل، واذا ذهبت أمينة إلى السوق أو إلى المدينة المجاورة، لشراء بعض حاجات المنزل من طعام أو أدوات، كانت جميلة تترك البيت بغير تنظيف، ووعاء الخبز فارغاً، واللبن دون غلي.
وذات صباح توجهت أمينة المبتسمة إلى البئر لإحضار ماء في الدلو، وركعت على حافة البئر، ومالت بجسمها فوق فتحتها لتسحب الدلو إلى خارجها.
ولكنها مالت بجسمها أكثر مما يجب، فقدت توازنها، وسقطت في البئر...وأخذت تسقط وتسقط إلى أسفل وأسفل ...


فقدت المسكينة وعيها، فلما أفاقت، وجدت نفسها راقدة فوق حشائش خضراء يانعة، في حديقة واسعة ، تغمرها أشعة الشمس المشرقة، وتمتلئ بآلاف الورود الحمراء.
وكم دهشت أمينة عندما وجدت دلو الماء ممتلئاً بجوارها.
وقفت الفتاة ونفضت العشب عن ثيابها، فشاهدت ممراً وسط الورد والحشائش، وقبل أن تخطو خطوة ناحية الممر، سمعت الورد الأحمر يصيح بها:
" انتظري..انتظري..العطش يقتلنا والماء بجوارك.. امنحينا الحياة برش الماء علينا".
تلفتت أمينة حولها، فوجدت الحديقة تمتلئ بآلاف الورود الحمراء، ومع ذلك لم تتردد في أن تستجيب لدعوة الورد، الذي سيذبل بسبب حاجته إلى الماء.
ورفعت الفتاة الدلو، وأخذت تملأ كفها بالماء، وترشه على الزهور الحمراء، وتتنقل مبتسمة من مكان إلى مكان، تروي ذلك العدد الهائل من الورد الأحمر.
وأخيراً فرغ الماء من الدلو، لكنها كانت قد منحت الماء لكل ورد الحديقة الأحمر.
وعادت تتابع السير في الممر الذي كانت قد شاهدته، فسمعت الورد الأحمر يضحك ويقول:
" ليجعل الله لوني الأحمر في وجنتيك ، ولا يجعله في عينيك !! "


وسألت أمينة نفسها في حيرة: " إلى أين سيؤدي بي السير في هذا الطريق؟! "
وفجأة شاهدت فرناً تشتعل النار في أسفله، وفي أعلاه عدد كبير من أرغفة الخبز الناضجة. ودهشت الفتاة اذ لم تجد احداً بجوار الفرن. وزادت دهشتها عندما نادتها الأرغفة من داخل الفرن في رجاء: " نرجوك... أخرجينا من هنا، وإلا احترقنا تماماً ... لقد نضجنا من زمن طويل " .
عندئذ تقدمت الفتاة المبتسمة من الفرن، وأمسكت بقضيب من الحديد وجدته بجواره، وأخرجت الخبز ، رغيفاً بعد رغيف ، ثم استأنفت سيرها.
عندئذ همس الفرن: " ليجعل الله لون قلب الخبز الأبيض في بشرتك، ولا يجعله في شعرك".
واصلت الفتاة سيرها إلى أن مرت بشجرة برتقال، امتلأت أغصانها بالبرتقال الأصفر الكبير، ودهشت الفتاة لهذا العدد الكبير من البرتقال الناضج، وزادت دهشتها عندما نادتها شجرة البرتقال قائلة: " أرجوكي ... هزيني .... هزي أغضاني من فضلك .. لقد نضج برتقالي كله من زمن طويل ، وسيفسد اذا ظل على مكانه فوق أغصاني ..." .
ولم تتردد الفتاة المبتسمة ، وهزت الشجرة، فتساقط البرتقال كالسيل، ولم تتبق برتقالة واحدة فوق الشجرة.
ثم استأنفت سيرها والشجرة تهمس: " ليجعل الله لون برتقالي الأصفر في شعرك، ولا يجعله في بشرتك".


واستأنفت الأخت المبتسمة سيرها، إلى أن وصلت إلى منزل صغير غريب الشكل، تغطي حوائطه مربعات بيضاء وسوداء، وقد أطلت من إحدى نوافذه امرأة عجوز قبيحة الشكل.
وعندما تطلعت أمينة إلى أعلى، وشاهدت المرأة العجوز، ملأ الخوف قلبها، وأخذت تجري.
لكن العجوز نادتها بصوت لطيف ، وقد انفرجت أساريرها:
" لا تخافي يا ابنتي العزيزة. ادخلي منزلي، وتعالي نتحدث معاً ".
ورغم القبح الذي كان يملأ وجه العجوز ، فقد بدت ملامحها بشوشة، وصوتها يفيض طيبة ورقة، فزال خوف الفتاة ودخلت المنزل.
وعرضت العجوز على أمينة المبتسمة أن تعيش معها في منزلها، وقالت لها:
" يمكنك أن تساعديني في أعمال البيت، واذا وجدت منك المعونة الصادقة، سأعاملك كأنك ابنتي الحقيقية " .
ووافقت الأخت المبتسمة على أن تبقى في منزل السيدة العجوز.
قالت السيدة العجوز:
" يمكنك أن تقومي بكل أعمال المنزل، فإذا قمت بها بطريقة ترضيني ستجدين عندي كل ماتحتاجين إليه. وأهم ما أوصيكي به، أن تعتني بفراشي عناية خاصة. إن عظامي هشة رقيقة، واذا لم يكن الفراش ليناً مستوياً، سيؤلمني جسمي، ولن أستطيع النوم".
وأقبلت أمينة على العمل بأمانة وإخلاص، بعد أن أحست بعطف السيدة العجوز وطيبتها، وحلاوة حديثها وألفاظها ، وأدت الفتاة كل أعمال المنزل برضا وإتقان، خاصة تسوية سرير السيدة العجوز.
وأعجبت السيدة العجوز بالطريقة التي كانت تسوي بها الفتاة المبتسمة سريرها، كما أعجبتها طريقة الفتاة في القيام بكل أعمال المنزل، فعاملتها بكل حب وحنان، وأعطتها كل ما تريد.
وهكذا عاشت أمينة أياماً سعيدة، لم تسمع خلالها كلمة قاسية.
ولكن بعد فترة من هذه الحياة الهانئة، أحست الفتاة بحنين إلى أسرتها وبيتها، فشعرت بالحزن والاكتئاب.
ورغم الفارق الكبير بين الحياة المريحة التي اكتملت لها كل أسباب السعادة في بيت السيدة العجوز، وبين الحياة القاسية في بيت أمها، فقد ذهبت إلى السيدة العجوز، وقالت لها:
" لقد لقيت منك كل معاملة طيبة في أثناء إقامتي هنا، لقد عاملتيني كأنني ابنتك، لكنني أشعر بحنين شديد إلى أمي وأختي، لذلك أرجوكي أن تسمحي لي بالعودة إلى أهلي".
قالت السيدة العجوز: " يسرني أنك ترغبين في العودة إلى أهلك يا أمينة، أيتها الفتاة المبتسمة، إن هذا وفاء منك لهم، وما أجمل الوفاء للأهل وللأصدقاء. كما كنتي وفية لعشرتي، وأمينة على خدمتي .. هيا تعالي معي ".
وأمسكت العجوز بيد أمينة، وقادتها إلى المكان الذي وجدت فيه الفتاة نفسها بعد أن سقطت في البئر.
والتفتت العجوز ناحية البئر وقالت:
" يا بئر..يا بئر..اجعلها تلبس الذهب الكثير".
" يا بئر..يا بئر .. اجعلها تلبس الحرير الكثير".
وما أن قالت العجوز هذه الكلمات، وجدت الفتاة نفسها ترتدي ملابس فاخرة من الحرير الغالي، وانهمر فوقها سيل من قطع النقود الذهبية. والتصقت القطع الذهبية بكل أجزاء الملابس الحريرية الفاخرة، حتى غطى الذهب الفتاة من قمة رأسها إلى أطراف قدميها.
قالت السيدة العجوز:
" هذا الذهب كله لك خذيه معك، فهو المكافأة التي تستحقينها مقابل عملك معي، ومساعدتك لي ".
وفجأة اختفت العجوز، ووجدت الفتاة نفسها في الطريق بالقرب من دارهم.
وما أن بلغت فتاة البيت، حتى رأت الديك يقف على السور، وعندما رأى الفتاة المبتسمة يغطيها الذهب، وقد احمر خداها، وابيضت بشرتها، واصفر شعر رأسها، صفق بجناحيه وصاح:
" كوكو .. كوكو .. لقد عادت إلينا فتاتنا الذهبية !! " .
ودخلت الفتاة إلى أمها وأختها ، وأخذت تحكي لهما ما حدث لها، وقالت: " لقد عشت في بيت سيدة عجوز، عاملتني بكل حب وحنان.
لقد اعتبرتني كابنتها. إن كل هذه القطع الذهبية هي مكافأتي على الخدمات التي قدمتها إليها. خذي يا أمي كل هذا الذهب وسنعيش به سعداء معا " .


وعندما سمعت جميلة، الأخت العابسة، قصة أختها، ورأت الثروة العظيمة التي عادت بها، أرادت أن يكون لها مثلها، وشجعتها الأم قائلة: " اذهبي أنتي أيضاً يا جميلة، لتعودي بالذهب".
وانطلقت جميلة العابسة، وجرت إلى حافة البئر، ثم قفزت داخله.
وحدث لجميلة نفس ما حدث لأمينة، فعندما فتحت جميلة عينيها، وجدت نفسها فوق حشائش الحديقة الواسعة، وسط الورد الأحمر، وبجوارها دلو الماء. وكانت تريد أن تصل بأقصى ما لديها من سرعة إلى منزل السيدة العجوز، لكنها مع ذلك سمعت الورد الأحمر يطلب منها أن ترشه بالماء.
وتلفتت جميلة حولها وعبست ثم قالت:
" كيف أستطيع أن أروي كل هذا العدد الضخم من الورد؟! هذا عمل شاق، يستغرق مني وقتاً طويلاً، وأنا أريد أن أصل بسرعة إلى بيت السيدة العجوز". وتركت الماء في الدلو، وتركت الورد الأحمر يعاني العطش والذبول، وهرولت في الطريق إلى منزل السيدة العجوز وهمس الورد الأحمر خلفها قائلاً: " ليجعل الله لوني الأحمر في عينيكي، ولا يجعله في وجنتيكي " .


ووصلت جميلة إلى الفرن، وسمعت الخبز يناديها، راجياً اياها أن تخرجه قبل أن يحترق، لكن جميلة قالت في عبوس : " أخاف أن تحترق أصابعي، أو تتسخ ملابسي". وتركت الخبز يحترق في الفرن.
همس الفرن خلفها: " ليجعل الله لون قلب الخبز الأبيض في شعرك، ولا يجعله في بشرتك " .
وعندما قابلت شجرة البرتقال، وسمعتها تقول: " من فضلك هزيني " .
استمرت جميلة في سيرها وهي تقول عابسة: " سوف يقع البرتقال فوق رأسي ويؤلمني ! " . وتركت البرتقال يفسد فوق الشجرة.
وهمست الشجرة خلفها: " ليجعل الله لون برتقالي الأصفر في بشرتك ولا يجعله في شعرك".


ووصلت جميلة العابسة إلى بيت السيدة العجوز، لكنها لم تشعر بأي خوف عندما وجدتها تطل من النافذة.
ودعت العجوز جميلة العابسة أن تعيش معها وتساعدها، ووعدت الفتاة بأن تساعد العجوز، لكن أفكارها كانت منصرفة إلى قطع الذهب التي ستنالها في مقابل عملها !!
وأطلعت العجوز الفتاة العابسة على كل ما يجب أن تعمله في المنزل.
وفي اليوم الأول استجابت جميلة لطلبات السيدة العجوز، مدفوعة بأمل الحصول على الذهب الكثير، وقامت بتسوية الفراش كما يجب.
لكن في اليوم التالي، أخذت تتكاسل وتهمل في واجباتها، ووتظاهر بأنها تقوم بإعداد الفراش، من غير أن تفعل شيئاً حقيقياً.
وفي اليوم الثالث، لم تعد تتظاهر بالعمل، بل استيقظت متأخرة، ثم بحثت عن مكان تختفي فيه عن بصر السيدة العجوز لتفكر في الذهب ونسيت العمل. ونادتها السيدة العجوز وسألتها عن سبب امتناعها عن العمل، فعبست جميلة وقالت: " لماذا تطلبين مني أن أعمل؟ إن فراشك لين ومريح، فما الداعي بأن أقوم بتسويته كل يوم؟! والبيت لا تظهر فيه القذارة، فلماذا ننظفه ؟! سأستريح اليوم من العمل ".


وعندما ذهبت السيدة العجوز، إلى غرفة جميلة، وجدتها مستلقية في كسل على فراشها، فقالت لها: " انهضي أيتها الفتاة ، اليوم تعودين إلى منزلك" .
ولم تكن جميلة تريد أن تسمع إلا هذه العبارة، فقالت لنفسها: " سأحصل الآن على الذهب" .
وأمسكت العجوز بيد الفتاة العابسة، وقادتها إلى جوار البئر.
والتفتت العجوز ناحية البئر وقالت:
" يا بئر ..يا بئر.. اجعلها تلبس الحبر الكثير".
" يا بئر ..يا بئر..اجعلها تلبس الخيش الكثير".
وما أن قالت العجوز هذه الكلمات، حتى وجدت الفتاة نفسها ترتدي ملابس خشنة من الخيش القاتم، وقد انهمر فوقها سيل من صبغة سوداء قاتمة، التصقت بشعرها ، وكل جسمها وملابسها.
قالت السيدة العجوز: " هذه الصبغة السوداء ، هي المكافأة التي تستحقينها مقابل عملك معي، ومساعدتك لي".
وفجأة اختفت العجوز، ووجدت الفتاة نفسها في الطريق بالقرب من دارهم.
وعلى سور فناء البيت، شاهد الديك الفتاة العابسة حمراء العينين، بيضاء الشعر، صفراء الوجه، تغطيها الصبغة السوداء ، فصفق بجناحيه وصاح: " كوكو.. كوكو .. لقد عادت إلينا فتاتنا السوداء".


وظلت البقع السوداء عالقة بالفتاة العابسة الكسولة، إلى أن تعلمت كيف تتخلى عن الكسل والعبوس.
لكنها لم تتعلم إلا بعد سنوات طويلة.

الأربعاء، 22 فبراير 2012

"سميرٌ يلعبُ بالترابِ " قصة للأطفال بقلم: علي أحمد ناصر

سميرٌ يلعبُ بالترابِ
علي أحمد ناصر
يُحبُّ سميرٌ اللَّعبَ كثيراً ، و جميعُ الأطفالِ يحبُّونَ اللَّعِبَ كثيراً.
يلعبُ الأطفالُ عادةً في الملاعبِ المـُخصَّصةِ لَهُمْ ، داخلَ بعضِ الحدائِقِ و المتنـزَّهاتِ.
أمَّا سميرٌ فيلعبُ في الشَّارعِ أمامَ منْزِلِهِ.
في أحدِ الأيامِ بدأ أحدُ الجيرانِ بحفرِ أرضِهِ ليُثَّـبِّتَ فيها أساساتٍ قويةٍ لبناءٍ يُـقيمُهُ عليها.
جاءَتِ الحفَّارةُ الكبيرةُ و حفرَتْ أساساتِ البناءِ الجديدِ ، و وضعتِ الترابَ المحفورَ جانباً ، حتى صارَ التُّراب تلالاً صغيرةً قربَ بيتِ سميرٍ ، قبل نقلِها بعيداً.
فرِحَ سميرٌ لوجودِ الترابِ ، و قرَّرَ اللَّعِبَ على تلاله الحمراءِ ، فطلبَ الإذنَ منْ أُمِّهِ ، لكنَّ أُمَّ سميرٍ رفضَتِ ، و شرحَتْ لسميرٍ أسبابَ عدمِ سماحِها له باللَّعبِ بالترابِ قائلةً:
- إنَّ الترابَ ملوَّثٌ يا بنيَّ ، فإذا لعبتَ به ستنتقلِ الجراثيمُ إليك و تمرضْ ، هل تحبُّ أنْ تصبحَ مريضاً يا بنيَّ ؟
رفعَ سميرٌ كتِفَيهِ و حاجبَيْهِ و قالَ:
لا أحبُّ المرضَ ، لكنِّي أحبُ اللعبَ بالترابِ ، فالبحرُ بعيدٌ ، و لا يوجد شاطيءٌ و رمالٌ هنا، سأبني على الترابِ قصراً كبيراً ، و أحفِرُ ساقيةً طويلةً تحيطُ بِهِ .
سيكونُ منظرُهُ جميلاً يا أمي .
دعيني أذهبُ أرجوكِ!

لكنَّ الأمَّ أصرَّتْ على موقفِها قائلةً:
- لا، لا أوافِقُكَ أبداً ، لأنِّـي رأيتُ بعضَ الأولادِ يرمونَ نفاياتِ منازلِهم على ذلك الترابِ ، بدلاً من حاويةِ القٌمامَةِ.
قالَ سميرُ:
- سألعبُ ، سألعبُ!
أجابَـتْهُ الأمُّ بـحزمٍ :
- يجبُ أنْ تسمعَ كلامَ أمِّكَ و توجيهاتِها يا سمير!
قالَ سميرٌ بعنادٍ و مكابَرَةٍ:
- بلْ سألعبُ .
قالتِ الأمُّ محذِّرَةً :
- إنْ لعبْتَ بالترابِ ، و خالفْتَ كلامِي ، فلنْ أدعَكَ تتناولَ طعامَ الغداءِ!
و انطلقَتِ الأمُّ إلى المطبخِ كي تعدَّ الطعامَ الذي يحبُّه سميرٌ جداً ، و هي تظنُّ أنَّـه اقتنعَ بكلامِها الصحيحِ .
أمَّا سميرٌ فتسلَّلَ إلى خارجِ المنزلِ و توجَّهَ نحوَ كومةِ الترابِ ، فأزاحَ بعضَ القمامةِ بِقدمهِ الحافي، كي يُنَظِّفَ مكاناً للبيتِ الذي سيبنيه ، لكنَّ قطعةََ زجاجٍ صغيرةً جرحَتْهُ، و سالَ الدَّمُ ، فبكى سميرٌ منَ الألمِ ، وتذكَّرَ كلامَ أمِّهِ، فقالَ لِنَفسِهِ :
" إنْ سمعتْنِي أمي أبكي ، ستضربني. "
فكفَّ عن البكاءِ ، و انتزعَ قطعةَ الزجاجِ الملوثةِ من قدمِهِ ، و تابعَ عملَهُ بحفرِ ساقيةٍ ، كي يضعَ فيها ماءً و تصبحَ كالنهرِ المحيطِ بالبيتِ ، كانَ يحفرُ الترابَ بِكِلتا يديهِ ، و هو يفكِّرُ بِعقوبةِ والدتهِ ، و احتمالِ أن تشكوَهُ لوالدِهِ ، الذي لنْ يتوقفَ عندَ تأنيبِه هذه المرَّة ، بل سيضربُهُ بقوةٍ حتماً ، لكنَّه قالَ لنفسِهِ:
" سيضربني قليلاً ، لا بأسَ ، لكنْ سألعبُ ، نعم سألعبُ."
عندَمَا جاعَ سميرٌ تذكَّرَ تهديدَ أُمِّهِ ، بأنَّها لنْ تدعَهُ يأكلَ مع الأسرةِ ، فذهبَ إلى عربةِ البائعِ المتجوِّلِ ، و نظرَ إلى الحَلوى اللذيذةِ ، فاشتهى طعمَها و طلبَ منَ البائِعِ بعضَها :
- أعطنِي كيلو منَ الحلوى ، و سيُعطيكَ أُبي ثمنه غدا.
قال البائعُ:
- ألا تكذب يا سمير! 
والدُكَ لا يستدينُ أبداَ ثمنَ الحلوى! 
هل تُقسمُ لي أنَّك لا تكذبُ؟
- نعم أقسمُ لكَ أنِّي لا أكذب ،أبي في العملِ ،و أمي لا تملك مالاً الآنَ ، غداً سنعطيكَ!
قال البائعُ:
- هل تعلمُ يا سميرُ أنَّ اللهَ لا يُحبُّ الكذَّابين ، و أنه سيعاقبُهم عقاباً شديداً؟!
- نعم أعرفُ.
صدَّق البائعُ قَسَمَ سميرٍ ، و وَزَنَ له كيلو من الحلوى اللذيذةِ ، ثم انطلقَ ينادي على بضاعتِهِ.
أمَّـا سمير فعادَ إلى كُتلةِ الترابِ التي رفعَها ، و اعتبرَها بيتاً جميلاً ، وبدأ يأكلُ الحلوى دون أنْ يغسلَ يديهِ.
شاهدَتْ ذُبابةٌ سميرَ يأكلُ الحلوى ، فنادَتْ صديقاتِها الذباباتِ اللاتي كُنَّ متجمِّعاتٍ على بعضِ فضلات الطعامِ والقاذورات ، فجِئْنَ جميعاً و تناولْنَ الطعامَ الحُلوَ مع سميرٍ.
حاولَ سميرٌ طردَ الذُّبابِ ، لكنَّ الذبابَ عنيدٌ أيضاً ، فلمْ يستطِعْ طردَه ، فتركَهُ يأكلُ معَهُ ، و يضعُ بعضَ ما علِقَ بأرجلِهِ من فضلاتِ طعامٍ وقمامةٍ على الحلوى!
و هكذا تناولَ سميرٌ الحلوى بالجراثيمِ التي وضعتْها الذباباتُ القذراتُ.
قالتْ ذبابةٌ لأختِها :
- إنَّـها حلوى لذيذةٌ ،لقد سمحَ لنا سميرٌ بتناولِها معَهُ.
أجابَتْها أختُها خضراءُ اللونِ:
- نعمْ ، لكنَّنَا وضعنا له الكثيرَ من فضلاتِنا، أليس كذلك؟
قالت الذبابة:
غذاؤنا من فضلاتِ البشر، و أوساخهم ،و فضلاتنا تزيدها جراثيماً ضارةً لهم.
ضحكَت الذباباتُ جميعاً ، و قُـلنَ بصوتٍ واحدٍ:
- لا يهمُّنا ، فليمرضْ سميرٌ ، مرضُهُ لا يضرُّنَا أبداً.
لمْ يفهمْ سميرٌ كلامَ الذبابِ ، لأنَّهُ كانَ مشغولاً بتناولِ أكبرَ كميةٍ من الطعامِ .
بعدَ انتهاءِ سميرٍ منْ تناولِ الحلوى غيرِ النظيفةِ شعرَ بالنعاس، فنامَ على الترابِ ، تاركاً باقي الحلوى للذُّباب الذي لا يشبعُ .
عادَ أبو سميرٍ بعدَ الظُّهرِ منَ العملِ ، فوجدَ ابنَهُ نائِماً على الترابِ .
أيقظَ أبو سميرٍ وَلَدَهُ النائمَ ، و عندما لمسَ يدَهُ المتسخةَ بالترابِ و الحلوى و وضعَ كفَّهُ على جبينِ سميرٍ شعرَ أيضاً بدرجةِ حرارتِهِ المرتفعةِ.
حملَ الوالدُ ابنَهُ إلى المنزلِ القريبِ ، واستدعى الطبيبَ ليكشِفَ عليه.
جاءَ بائعُ الحلوى مساءً كي يزورَ أبا سميرٍ فوجدَ سميراً في الفراشِ يَئِنُّ من الألمِ في بطنِهِ.
قالَ بائعُ الحلوى:
- لِمَ أنتَ مريضٌ يا سميرُ! 
لقد كنتَ بِصحةٍ جيدةٍ قبلَ الظهرِ!
قالَ سميرٌ:
أنا مريضٌ يا عمُّ لأنني خرجتُ من البيتِ رغماً عن أمي فخالفتُ كلامَها، و لأنني لعبتُ بالترابِ الملوثِ ،وجُرِحْتُ بزجاجةٍ قذرةٍ ، ثم لأنني كذبت عليك و استدنت حلوى و أكلتها مع الذباب ، و كانت يداي متسختان جداً ولم أغسلْهما.

"الطّفلة الذكيّة" قصّة للأطفال بقلم : زهير دعيم

الطّفلة الذكيّة 
 زهير دعيم
أوقف ابو أمير حافلته الصغيرة ، المُلوَّنة بأجمل الألوان ؛ أوقفها في ساحة بيته وأقفلها " بكبسةٍ" من مِفتاحه، بعد أن أوصل الطّلاب الصغار أبناء صفّ البستان الى بيوتهم عائدين من المدرسة،فهو يعمل في نقل الطلاب الصِّغار الى المدرسة صُبحًا ويعيدهم بعد الدّوام الى بيوتهم.
إنّه يُحبُّ الأطفال محبّة كبيرة ،وعلى الأخصّ البراءة في حديثهم وعيونهم، وكثيرًا ما كان يُردِّد: " يا ليتني أعود طفلاً مثلهم لا همًّا ولا غمًّا".
كان الفصل ربيعيًّا والجوُّ مريحًا ، وكانت الساعة تقارب على الثانية بعد الظهر، وهو موعد تناول طعام الغداء مع زوجته وطفلته الصغيرة " محبّة" ذات السنتين والمملوءة بالبراءة وخفّة الظلّ.
كم يحبّ ابو أمير الدّجاج المُحمَّر وحساء الخضراوات ، وهو موعود بمثل هذه الوجبة اليوم ، فقد أخبرته زوجته صباحًا أنّ غداءه سيكون دجاجًا مُحمَّرًا.
دخل ابو امير الى البيت مُسرعًا وأذا بزوجته ما زالت منهمكة في اعداد الطعام، فتأفّف شاكيًا ، فطمأنته زوجته الى أن الطعام سيجهز خلال دقائق معدودة فلا حاجة للتأفُّف.
جلست العائلة الصغيرة الى مائدة الطعام ، وأخذوا يتلذذون باحتساء الشوربة وأكل المُحمّر الذي يُحبّون.
وبعد ان انتهى ابو أمير من تناول غدائه ، غسل يديه ووجهه وجلس على الكنبة ليطالع صحيفة اليوم ، في حين دخلت الزوجة الى المطبخ لتحضّر القهوة.
وما هي الا لحظات حتى رنّ جرس الهاتف ، فقام إليه ، وقبل ان يصله سمع صوت زامور حافلته يُزمِّر بشدّة، فجمد في مكانه ...إنّه زامور حافلته وقد اقفلها فمن يا تُرى... ؟!! ألعله نسيَ ....؟!! وضرب بيده على جبينه: "يا ساتر أستر ".
ترك ابو أمير الهاتف يرنّ وأسرع الى الحافلة ليجدَ " رفيف" الطفلة الصغيرة تقف بجانب المقود وهي تضغط بقلق على الزّامور...
لقد كانت المسكينة نائمة ونزل الطلاب ولم ينتبه اليها أحد.
فتح السائق باب الحافلة بسرعة واحتضن رفيف وأخذ يعانقها ويُقبّلها وهو يلوم نفسه: " كم أنا آسف يا صغيرتي ..وكم أنت رائعة وذكيّة..منذ الغد سأفتّش حافلتي قبل اقفالها مقعدًا مقعدًا".
حمل ابو أمير رفيف والخجل يملأ كيانه ، ودخل بها الى بيته وأذا بزوجته تقول له : أين أنت يا رجل ، لقد اتصلت أمّ رفيف تسأل وتستفسر عن ابنتها قلقةً، فابنتها لم تعد بعد من المدرسة رغم عودة جميع الطلاب.
وما إن رفعت الزوجة رأسها حتى شهقت قائلة : " ألعلّ هذه هي رفيف ؟ ألعلّك نسيتها في الحافلة؟
فقالت رفيف بلغتها الطفوليّة البريئة : لقد كنت نائمة.
ركض ابو امير وهو يحمل رفيف الى دكان قريب واشترى لها دُبًّا أحمرَ جميلا واعطاه لرفيف ثمّ توجّه الى بيتها القريب ليجد امّها تقف في الخارج تنظر هنا وهناك بقلق، وما أن رأتهما حتى صرخت : أين كنت يا صغيرتي ؟!
اعتذر ابو امير بشدّة وأخبر الأمّ بالقصّة ووعدها ان لا يعود ويفقل باب الحافلة مرّة أخرى قبل ان يتفقّدها مقعدًا مقعدًا.
عانقت ام رفيف ابنتها بشدّة قائلة : قبلت اعتذارك ولن اخبر احدًا غير زوجي شريطة ان تفي بوعدك.
هزّ أبو أمير برأسه خجلاً وقال : وعدت وسأفي.
عاد ابو امير الى بيته مسرعًا يلوم نفسه ، فوجد وحيدته الصغيرة محبّة تنام في هدوء ، فقبّلها بحنان وهو ينظر اليها طويلاً طويلا.

الثلاثاء، 21 فبراير 2012

"الصقر والملك.. " قصة مترجمة للأطفال بقلم: ليو تولستوي

الصقر والملك..
من مجموعة( البطة والقمر)
ليو تولستوي
ترجمة: كامل يوسف حسين
خرج أحد الملوك ذات يوم في رحلة صيد، وأطلق صقره الأثير، لينقضّ على أرنب بري، وانطلق بجواده خلفه..

أمسك الصقر بأرنب بري، فأخذه الملك منه، ثم بدأ يبحث عن ماء ليروي ظمأه، فعثر على ماء في صخور أحد التلال، لكنّ الماء، كان ينساب، قطرة فقطرة، أخذ الملك قدحاً من سرج جواده، ووضعه تحت سيل الماء، أخذ الماء يتساقط قطرة فقطرة، وحينما امتلأ القدح، رفعه الملك إلى فهمه وهمَّ بالشرب..

فجأة، تحفّز الصقر الجاثم على رُسْغُ الملك، ورفَّ بجناحيه، فانسكب الماء من القدح، ومرة أخرى وضع الملك القدح تحت سيل الماء، وانتظر وقتاً طويلاً، حتى امتلأ القدح، إلى حِفافهِ ومن جديد، وبينما كان يهمُّ برفعه إلى فمه، رفَّ الصقر بجناحيه، فسكب الماء..

وحينما ملأ الملك القدح للمرة الثالثة، وأوشك أن يرفعه إلى شفتيه، سكبه الصقر، فاشتعل الملك غضباً، والتقط الملك غضباً، والتقط حجراً، ورجم به الصقر بكل قوته فقتله. 
ثم لحق خدم الملك به، وصعد أحدهم عدْواً إلى أعلى التل، حيث يوجد النبعُ، ويتدفقُ المزيد من الماء، فيمكنُ ملء القدح سريعاً، وعادالخادم بالقدح فارغاً وهو يقول: ليس بوسع المرء أن يشرب من ذلك الماء، فهناك ثعبان في النبع، وقد بثَّ سمه في الماء، ولو أن جلالتكم كنتم قد شربتم منه لهلكتم.
 قال الملك:
ما أسْوأَ ما جزيت به الصقر. 
لقد أنقذ حياتي فقتلته.

الاثنين، 20 فبراير 2012

"الوردة" قصة للأطفال بقلم: خالد جمعة

الوردة
خالد جمعة
في المخيم، وفي بيتٍ صغيرٍ به غرفتان يسكن سعيد وأسرته، سعيد يحب الأشجار والورود، لكن هذا الأمر بدل أن يفرحه كان يسبب له الحزن الدائم، لأنه كان يتمنى أن تكون عنده قطعة أرض ولو صغيرة لكي يزرع فيها الورود والأشجار.
وعندما كان أحد أصدقائه يدعوه ليدرس معه في الخلاء، كان سعيد يشعر بالسعادة الغامرة وهو يمشي بين أشجار البرتقال والزيتون وكذلك الأزهار البرية الحمراء والصفراء، وأيضاً يطارد الفراشات بألوانها الجميلة، ولكن المشكلة أنه عندما يعود إلى منزله يشعر بالحزن مرة أخرى لأنه فارق الأشجار الخضراء والزهور التي يحبها.
وفي يومٍِ من الأيام طلبت منه أمه أن يرمي القمامة في الحاوية التي في الشارع، وفجأة شاهد سعيد من بين القمامة علبة سمن فارغة ذات حواف مسننة، فخطرت له فكرة جميلة.
أخذ سعيد علبة السمن وأحضر شاكوش والده وأخذ يدق على حافة العلبة المسننة حتى صارت ناعمة ولم تعد تجرح من يمسكها، وضع سعيد العلبة في الغرفة وخرج إلى بيت صديقه الذي كان يدرس معه، وعندما وصل كان صديقه يساعد والده في سقاية الأشجار، شعر سعيد بالسرور عندما شاهد الماء والزرع، رحب به والد صديقه ودعاه للجلوس تحت ظل شجرة، وسأله سعيد:
 هل يمكن يا عمي أن أزرع شجرةً في علبة سمنٍ فارغة؟ 
فضحك الرجل وقال: 
ممكن طبعاً يا سعيد ولكن يلزمك شجرة من النوع الصغير لأن الشجرة كلما كبرت تحتاج إلى مساحة أوسع.
وقام الوالد وأخذ شجرةً صغيرة من ورد الجوري ومثلها من الياسمين، وأحضر كيساً من البلاستيك وملأه بالطين وطلب من ابنه أن يوصل سعيد إلى منزله على دراجته بعد أن شرح لسعيد طريقة زراعة الشجرتين.
كاد سعيد يطير من الفرح، وأول ما وصل المنزل أخذ يبحث عن علبته وعن علبةٍ أخرى ووضع فيهما الطين والشجرتين تماماً كما قال له والد صديقه.
وحكى سعيد لأصدقائه في المدرسة عن عمله فضحكوا منه، وقالوا له أن علب السمن لا تنبت أزهاراً، لكن كلامهم لم يمنع سعيد من الاستمرار في سقاية أشجاره حسب وصفة والد صديقه.
وعندما كان سعيد يجلس إلى جوار علبته وهو مبتهج وقد ظهرت أول وردة في مزرعته الصغيرة، كان أصدقاؤه الذين ضحكوا عليه يبحثون في القمامة عن علبٍ فارغة.


الأحد، 19 فبراير 2012

"ساحرة الأفق الشرقي" قصيدة للأطفال بقلم: عبدالمنعم عواد يوسف

ساحرة الأفق الشرقي
عبدالمنعم عواد يوسف

أحكي لكم يا أطفال
أحكي عنها
ساحرة الأفق الشرقي
ها هي تنهض بعد رحيل الليل الدامس
تطرح عنها ثوب النوم
تركب عربتها السحرية
تعبر أبواب مدينتها
تنزل من أعلى الآفاق
تهبط، تهبط نجو الأرض
تركت عربتها
ومضت نحو البحر الهادئ
ها هي تمضي نحو الماء
غاصت في اللجج الزرقاء
حتى تبعد عنها آخر أثر من آثار النوم
ها هي تخرج من أعماق الماء
تركب عربتها السحرية
تصعد تصعد، تصعد تصعد
تدخل أبواب مدينتها
ها هي تجلس فوق أريكتها الذهبية
ها هي تنظر من أعلاها
ما أبهاها..
تنظر للأزهار وتضحك
للأشجار
للأعشاب
للأطفال
من منكم شاهد ضحكتها؟
من منكم أبصرها تضحك يا أطفال
أي بهاء
أي جمال
يا لجمال الشمس وقد سقطت ضحكتها فوق ذؤابات الصفصاف
مثل سلاسل ذهب صاف
ضحك البلبل حين أحس بكف الشمس
راحت تمسح ريش جناحه
غنى البلبل أجمل أغنية غناها
ما أحلاها..
رقصت فوق الغصن الوردة
حين أحست كف الشمس
تسري بين الورق الناضر
خرج الأرنب من مأواه
ما أبهاه!
حين أحس الدفء وديعا
ما أهناه!
نظر الأرنب نحو الشمس وراح يقول:
صباح الخير
شكرا يا شمس الشموسة
شكرا للدفء وللنور
شكرا للتبر المصهور
قالت: لا لا.. لا تشكرني
اشكر ربك مصدر هذا الخير الغامر
ونبع هذا النور الباهر
مبعث هذا الخير الوافر

"الدِّيكِ و الدُّجاجةِ والفَأْر" قصة للأطفال من التراث الانجليزي ترجمة على أحمد ناصر

الدِّيكِ و الدُّجاجةِ والفَأْر
سلسلة قصص (سميرة الصغيرة)
ترجمة: على أحمد ناصر
في يومٍ مِنَ الأَيَّامِ كانَتْ هناكَ هَضَبَةٌ ، و كانَ فوقَ الهضَبَةِ بيتٌ صغيرٌ جميلٌ جِدَّاً، لَهُ بابٌ صغيرٌ أخضرُ اللَّونِ ، وَ لَهُ أَيضَاً أربعُ نوافِذَ ذات أَبوابٍ خضراءَ.
كانَ يعيشُ في المنزلِ دِيكٌ ودُجاجةٌ و فأْرٌ صغيرٌ.

في الهضبةِ المقابلةِ القريبةِ مِنَ الضِّفَّةِ الثَّانيةِ للنَّهْرِ كانَ هناكَ منزلٌ آخرُ. 
كانَ منْزِلاً بشِعَاً . 
بابُهُ لا يُغلَقُ جيِّداً ، ونافِذتَاهُ مكسُوْرتَانِ. وكانَ يعيشُ فيْهِ ثعلبٌ كبيرٌ وسيِّءٌ معَ أَبنائِهِ الثعالبَ الأربعةَ السَّيِّئِيْنَ.

في أَحَدِ الأَيَّامِ ،قالَتِ الثَّعالبُ الصِّغارُ لأَبِيْهِمْ: " نحنُ جائِعُوْنَ جِدَّاً".
قالَ الأَوَّلُ : لَمْ نَأْكُلْ شَيْئَاً البارِحَةَ.
وقالَ الثَّانِي: أَكَلْنَا القَلِيْلَ فَقَطْ ليْلَةَ أَولِ أَمسَ.
قالَ الثَّالِثُ: أَكَلْنَا نِصْفَ دُجاجَةٍ قبلَ ثلاثَةِ أَيَّامٍ.
قالَ الرَّابِعُ: وَ لَمْ نَأْكُلْ سِوَى بطَّتَيْنِ صَغِيْرَتَينِ قبلَ أَربَعَةِ أَيَّامٍ.

بدَأَ الثَّعلبُ الكبِيرُ يُفَكِّرُ بِمَكْرٍ وَدَهَاءٍ وَ هُوَ يَهِزُّ رَأْسَهُ.
بعدَ قَلِيلٍ ، قالَ الثَّعْلَبُ السَّيِّءُ بِصَوتٍ غَلِيظٍ:
-في الهَضَبَةِ المُقَابِلَةِ بيتٌ جَمِيلٌ ، يعيشُ فِيهِ ديكٌ كبيرٌ.
صرَخَ اثْنَانِ مِنَ الثَّعالِبِ الصَّغِيرةِ بصوتٍ عالٍ:
- وَيعيشُ هُناكَ فَأْرٌ كبيرٌ أَيضَاً.
وَصَرَخَ الثَّعْلَبَانِ الآخَرانِ بِفرَحٍ وَ خُبْثٍ:
- وَتَعيشُ هُناكَ دُجَاجَةٌ حمراءٌ أَيضَاً.
عِندَئِذٍ قالَ الثَّعلبُ الكبيرُ السَّيِّءُ:
- إِنَّهُمْ لذِيذُونَ جِدَّاً. 
سآخذُ الكِيسَ الكبيرَ معِي ،وَ سَأَضَعُ فِيهِ الدِّيكَ وَ الدُّجاجةَ وَ الْفَأْرَ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْكُمْ لِنَتَنَاولَ جَميعَاً طعامَاً لَذِيذَاً.

خرجَ الثَّعالِبُ الصِّغَارُ وَ رَقَصُوْا بِانْتِظارِ الوَلِيمَةِ ، بَيْنَمَا حمَلَ الثَّعْلَبُ الكَبِيرُ الكِيْسَ الفَارِغَ عَلَى ظَهْرْهِ ، وَتَوَجَّهَ نَحْوَ الهَضَبَةِ الْمُقَابِلَةِ.

خِلالَ هَذِهِ الفَتْرَةِ، ماذا كانَ يَجْرِي بَيْنَ الدِّيْكِ وَالدُّجَاجَةِ وَالْفَأْرِ؟؟!!
يَبْدُو أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَاً جَيِّدَاً بِالنِّسْبَةِ لِلدِّيْكِ وَالفَأْرِ!
اسْتَيْقَظَ الدِّيْكُ في الصَّبَاحِ وَقَالَ:
- يَاْلَهُ مِنْ طَقْسٍ حَاْرٍّ!
وَاسْتَيْقَظَ الفَأْرُ في الصَّبَاحِ وَقَالَ:
- يالهُ مِنْ طَقسٍ بَارِدٍ!
إِذَنْ كانَ مَزَاجُهُمَا مُتَعَكِّرَاً، فَنَزِلا مُنْزَعِجَينِ إِلى المَطْبَخِ، ثُمَّ إِلَى خَارِجِ الْبَيتِ ، حيثُ كانَتْ الدُّجاجةُ تُنظِّفُ بِسعادةٍ وَ نشاطٍ حولَ البيتِ.
سَأَلَتِْ الدَّجاجةُ: مَنْ سيَجمعُ الحَطبَ من أَجلِ الموقدِ؟
أَجابَ الدِّيكُ: لا أَستطيعُ فأَنا مُتْعَبٌ.
وَأَجابَ الفأْرُ: و أَنا لا أَستطيعُ لأَنَّني مُتْعَبٌ أيضاً.
فقالَتْ الدُّجاجةُ: لَمْ تعمَلا اليومَ شيْئَاً كي تَتْعَبَا أَيُّهَا الكَسُولانِ، أَنا سَأَجمَعُ الحطبَ إِذَنْ.
وَذهبَتْ الدُّجاجةُ وَ جمعَتْ الحَطبَ، بينما كانَ الدِّيكُ والفأْرُ جالِسَينِ دونَ عمَلٍ. وَحينَ عادَتْ الدُّجاجةُ بالحطَبِ سأَلَتْهُمَا: وَالآنَ منْ سيذْهَبُ إِلى النَّبْعِ لِيَجْلِبَ لَنَا الْمَاْءَ كَيْ نشرَبَ جميعَاً؟
قالَ الدِّيكُ و الفأْرُ بِصوتٍ واحِدٍ: لا نستطيعُ.
فقالَتْ الدُّجاجةُ: إِذَنْ أَنَا سأَذهَبُ إِلَى النَّبْعِ وأَجْلُبَ الْمَاءَ.
وَذَهبَتْ الدُّجاجةُ الحمراءُ إِلَى النَّبْعِ وَ أَحضرَتْ جَرَّةَ ماءٍ عَذْبٍ، ثُمَّ وضعَتْ قلِيلاً مِنَ الْمَاْءِ لِيَغْلِيَ علَى النَّارِ، وَ سَأَلَتْ:
- وَالآنَ مَنْ سَيُعِدُّ طَعامَ الإفطارِ؟
رَدَّ الدِّيكُ وَالفَأْرُ بِصَوتٍ نَاعِسٍ مَعَاً:
- لا نَسْتَطِيْعُ.
فقالَتْ الدُّجاجةُ النَّشِيطَةُ:
- أَنَا سَأُعِدُّ طعَامَ الإِفْطَارِ لَكُمَا أَيْضَاً.
وَأَعدَّتْ الدُّجاجةُ الصَّبُورَةُ طعامَ الإِفطارِ وَ تَنَاوَلَ الجميعُ طعامَ الإِفطارِ مَعَاً، وَ خِلالَ تَنَاوُلِ الطَّعامِ تَنَاثَرَ بعضُ فُتَاتِ الْخُبْزِ حولَ المَائِدةِ ، فاتَّسَخَتْ الطَّاوِلَةُ وَ الأَرضُ ، وَ سَأَلَتْ الدُّجَاجةُ مِنْ جديدٍ:
- مَنْ سَيُنَظِّفُ الطَّاوِلَةَ وَ الأَرضَ بعدَ الطَّعامِ؟
أَجابَ الكَسُولانِ: لا نَستطيعُ.
قالَتِْ الدَّجاجةُ: أَنَا سأَفْعَلُ كُلَّ شيءٍ!
وَقامَتْ الدُّجاجَةُ بِتَنْظيفِ الطَّاوِلَةِ وَ الأَرضَ وَ حولَ المَوْقِدِ ، ثُمَّ قامَتْ بِتَنْظيفِ الأَطْباقِ وَالْمَطْبَخِ، وَ عادَتْ لِتَسْأَلَ الدِّيكَ وَ الفَأْرَ الكَسُولَيْنِ:
- مَنْ سَيُرَتِّبُ الأَسِرَّةَ الَّتِي نِمْنَا عَلَيْهَا؟
فَأَجَابَ الدَّيْكُ وَ الفَأْرُ بِصَوْتٍ واحِدٍ كَالْعَادَةِ:
- لا نَسْتطِيعُ.
فقالَتْ الدُّجاجةُ : أَنَا سَأُرَتِّبُ جميعَ الأَسِرَّةِ .
صَعدَتْ الدُّجاجَةُ النَّشِيطَةُ إِلَى غُرَفِ النَّوْمِ لِتُرَتِّبَ الأَسِرَّةَ ، بَيْنَمَا جَلَسَ كُلٌ مِنَ الدِّيكِ وَالفَأْرِ عَلَى كُرْسِيِّهِ الْهَزَّازِ ، وَنَامَ مُسٍْتَرْخِيَاً ، بِكَسَلٍ وَ لا مُبَالاةٍ.
فِيْ هَذِهِ اللَّحَظَاتِ كانَ الثَّعْلَبُ الكبيرُ قَدْ وصلَ قِمَّةَ الْهَضَبَةِ، وَدخَلَ حديقَةَ البَيْتِ ، وَنظَرَ مِنَ النَّافِذَةِ، ثُمَّ دَقَّ البَابَ.
فَتَحَ الفَأْرُ عينَيْهِ بِتَكاسُلٍ وَسأَلَ:
- مَنْ سيَأْتِي في وقتٍ كَهَذَا؟!
قالَ الدِّيكُ الكَسٍولُ:
-إِذَا أَرَدْتَ معرِفَةَ الطَّارِقِ، اذْهَبْ إِلَى البَابِ وَ انْظُرْ بِنَفسِكَ!
ظَنَّ الفَأْرُ أَنَّ ساعِي البريدِ بِالبابِ، وَأَنَّهُ رُبَّمَا يَحمِلُ رِسَالةً لَهُ ، فأَسْرَعَ وَ أَزاحَ الْمِزْلاجَ الذي كانَ يَقْفَلُ البابَ ،قبلَ أَنْ يتَحقَّقَ مِنْ هُوِيَّةِ الطَّارِقِ، وَفَتَحَ البابَ لِيُفَاْجَأَ بِالثَّعلَبِ الْمَاكِرِ الكَبيرِ وَهُوَ يقفِزُ لِلدَّاخِلِ وَقَدْ ارْتَسَمَتْ ابتسامَتُهُ الخبِيثَةُ على وجْهِهِ.
صرَخَ الفَأْرُ:
-"سَاْكْ...سَاْكْ..سَاْكْ.."
وَحاولَ القَفْزَ إِلَى الْمَدخَنَةِ. خافَ الدِّيكُ وصاحَ:
-"كُوْكُوْ...كوكو...كوكو.."
وَقفَزَ إِلَى ظَهْرِ الكُرْسِيِّ، لَكِنَّ الثَّعْلَبَ ضحِكَ بِصوتٍ عالٍ وَماكِرٍ ، وَ هُوَ يُمْسِكُ بِالفأْرِ بِذَنَبِهِ ، وَ يُلْقِيْهِ فِيْ الْكِيسِ ، وَلَمْ يَتْعَبْ بِالإِمْسَاكِ بِالدِّيكِ أَيضَاً، فَوضَعَهُ معَ الفأْرِ فِي الكيسِ.
سَمِعَتْ الدُّجاجةُ الْمِسْكِينَةُ الضَّجَّةَ فَأَسرعَتْ وَ نَزَلَتْ إِلى الصَّالَةِ، لِتَجِدَ نفْسَهَا بَينَ يَدَيْ الثَّعلبِ الذي قَبَضَ عليها وَوضعَهَا معَ الآخَرِينَ في الكيسِ.

أَخرجَ الثَّعلبُ حَبْلاً طويلاً وَ ربَطَ بِهِ الكِيْسَ، ثُمَّ وضعَهُ على ظهْرِهِ، وِ انْطلَقَ إِلى أَسفلِ الهَضبَةِ مُتَّجِهَاً إِلَى مَنزِلِهِ ، حيثُ ما يزالُ الثعالبُ الأَربعَةُ الصِّغارُ يرقِصُونَ بِانتِظارِ الطَّعامِ اللَّذيذِ.

قالَ الدَّيكُ الْمَحْبُوْسُ فِي الكيسِ: يَالَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ كَسُولاً.
وَقالَ الْفَأْرُ الْمَحْبُوسُ في الكيسِ: ياليتني لم أكن كسولاً ،وَ لَيتَنِي كُنْتُ حذِرَاً.
قالَتْ الدُّجاجةُ الذَّكِيَّةُ المحبوسَةُ في الكِيسِ معَهُمَا:
-يُمْكِنُكُمَا الآنَ إِصْلاحَ أَخْطَائِكُمَا، لاتَحْزَنَا،لَمْ يَفُتْ الوقتُ بعدُ، انتَبِهَا لِمَا سَأَقُولُهُ لَكُمَا:" لَدَيَّ الآنَ مِحفَظَتِي الَّتِي أَحْمِلُهَا دومَاً، وَ فِيْهَا مِقَصٌّ وَكُشْتُبَانٌ وَ إِبرَةُ وَخَيْطٌ. بعدَ لَحَظَاتٍ ستَرَوْنَ ماذا سَأَفعَلُ.

بعدَ لحظاتٍ شَعَرَ الثَّعلبُ الكبيرُ بِالْحَرِّ الشَّدِيدِ ،لأَنَّ الشَّمسَ كانَتْ حارَّةً ، فَأَحسَّ بِالتَّعَبِ ،خاصَّةً وَ أَنَّ الكيسَ ثقيلٌ جداً على ظَهرِهِ .فقرَّرَ الاستِراحةَ فِي ظِلِّ الشَّجرَةِ والنَّومَ قلِيلاً. فَوضعَ الكيسَ المربوطَ جانِبَاً وَ غَطَّ في نومٍ عميقٍ.
عندَمَا سمِعَتْ الدُّجاجةُ الحمراءُ شخيرَ الثَّعلبِ أَخذَتْ الْمِقَصَّ وَقصَّتْ ثِقْبَاً صغِيرَاً في الكيسِ وَهَمَسَت بِصوتٍ ناعِمٍ :
-اخْرُجْ أَيُّهَا الفأْرُ بِسُرعَةٍ مِنَ الثِّقْبِ وَ اجْلُبْ حجَرَاً كَبِيرَاً بِحَجْمِكَ وَعُدْ إِلَيَّ.
خَرَجَ الفأْرُ ثُمَّ عادَ بِحَجَرٍ ثَقِيلٍ جِداً سحَبَهُ خَلْفَهُ نَحوَ الكيسِ وَساعدَتْهُ الدُّجاجَةُ وَالدِّيكُ لإِدخَالِهِ إِلى الكيسِ. 
ثُمَّ قصَّتْ الدُّجاجةُ الثِّقبَ أَكَثَرَ فأصبَحَ بِاسْتِطاعَةِ الدِّيكِ الخروجُ مِنْهُ وَقالَتْ لَهُ :
- اخْرُجْ بِسُرعَةٍ أَيُّهَا الدِّيكُ واجْلُبْ حجَرَاً بِحَجْمِكَ، هَيَّا، هَيَّا.
وَخَرجَ الدِّيكُ مِنَ الكيسِ ثُمَّ أَحْضَرَ حجَرَاً بِمِثلِ حجْمِهِ، وَسَاعَدَتْهُ الدُّجاجةُ وَ الفَأْرُ لإدخَالِ الحَجَرِ إِلى الكيسِ.
ثُمَّ خرَجَتْ الدُّجاجةُ أخيراً وَأَحْضَرَتْ حجَرَاً كَبِيراً بِحَجْمِهَا، وَ وَضَعَتْهُ فِي الكيسِ، وَ أَخرَجَتْ مِنْ مِحْفَظَتِهَا الإِبْرَةَ وَ الخَيْطَ وَ الكُشْتُبَانَ.
أَدخَلَتْ الخيطَ في ثِقبِ الإِبرَةِ وَخَاطَتْ الفُتْحَةَ التي خرجوا منها بِأَسرَعِ ما استطاعَتْ مِن سِرعَةٍ، وَ عِندَمَا انتهَتْ مِنْ خِياطَةِ الكيسِ هَرِبَتْ معَ الدِّيكِ وَ الفَأْرِ بِسِرعَةٍ كبيرةٍ إِلى بيتِهِمْ وَ أَغْلَقَتْ البابَ وَ أَوصدُوهُ بالْمِزْلاجِ.
نامَ الثَّعلبُ طَوِيلاً تحتَ الشَّجرةِ، وَ اسْتَيقَظَ مُتُأَخِّرَاً فقالَ لِنَفسِهِ:
- لابُدَّ أَنَّنِي تَأَخَّرْتُ عَنْ البَيتِ ، يَجِبَ أَنْ أُسرِعَ.
وَحمَلَ الثَّعلبُ الكِيسَ الثَّقِيلَ على ظهرِهِ وَ نزَلَ الهضبَةَ حتَّى وصلَ إِلى النَّهرِ، نزلَ في الماءِ لِيَقطعَ النَّهرَ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ هَناكَ جِسرٌ أَبَدَاً، فغَمَرَ الماءُ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ، وَلَمَّا كانَ الكيسُ ثَقِيلاً جِدَّاً على ظهرِ الثَّعلبِ، سقَطَ الثَّعلبُ في الماءِ العميقِ، وَ لَمْ يستطِعْ الخُروجَ مِنَ الماءِ أَبَدَاً. 
وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بعدَ ذَلِكَ.
أَمَّا الثَّعالبُ الأَربعةُ فقدْ نَامُوا دونَ عِشاءٍ.
وَفِي البيتِ الصَّغيرِ الجميلِ على الجبلِ أَصبَحَ الدِّيكُ وَالفَأْرُ نشِيطَينِ مُجْتَهِدَيْنِ ، لا يُحِبَّانِ الكسَلَ، وَ يُساعِدَانِ الدُّجاجةَ الذَّكِيَّةَ بِجَمْعِ الحطبِ وَ جَلْبِ الماءِ مِنَ النَّبْعِ ، وَيُشاركَانِ أَيضَاً في تنظيفِ البيتِ. 
وَهَكَذَا صارَ بِإِمكانِ الدُّجاجةِ الاستراحةَ أَحيانَاً بِفضْلِ التَّعاوُنِ وَالحُبِّ بينَ الجَمِيْعِ.