لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الأربعاء، 8 أغسطس 2012

"جنة الأطفال.." قصة للأطفال والكبار بقلم: نجيب محفوظ


جنة الأطفال
  نجيب محفوظ

الطفلة: بابا . . .
الأب : نعم !
الطفلة: أنا وصاحبتي نادية دائما مع بعض .
الأب : طبعاً يا حبيبتي فهي صاحبتك .
الطفلة: في الفصل، في الفسحة ، وساعة الأكل .
الأب : شيء لطيف ، وهي بنت جميلة ومؤدبة .
الطفلة: لكن في درس الدين أدخل أنا في حجرة وتدخل هي في حجرة أخرى.
لحظ الأم فرآها تبتسم رغم انشغالها بتطريز مفرش ، فقال وهو يبتسم:
الأب : هذا في درس الدين فقط . . .
الطفلة: لِمَ يا بابا ؟
الأب : لأنك لك دين وهي لها دين آخر.
الطفلة: كيف يا بابا ؟
الأب : أنت مسلمة وهي مسيحية .
الطفلة: لِمَ يا بابا ؟
الأب : أنت صغيرة وسوف تفهمين فيما بعد.
الطفلة: أنا كبيرة يا بابا .
الأب : بل صغيرة يا حبيبتي.
الطفلة: لِمَ أنا مسلمة ؟
عليه أن يكون واسع الصدر وأن يكون حذراً ولا يكفر بالتربية الحديثة عند أول تجربة، قال :
الأب : بابا مسلم، وماما مسلمة ، ولذلك فأنت مسلمة .
الطفلة: ونادية ؟
الأب : باباها مسيحي، وأمها مسيحية، ولذلك فهي مسيحية .
الطفلة: هل لأن باباها يلبس نظّارة ؟
الأب :كلا، لا دخلَ للنظّارة في ذلك ، ولكن لأن جدها كان مسيحيا كذلك .
وقرر أن يتابع سلسلة الأجداد إلى ما لا نهاية حتى تضجر وتتحول إلى موضوع آخر، لكنها سألت :
الطفلة: من أحسن ؟
وتفكر قليلا ثم قال :
الأب : المسلمة حسنة ، والمسيحية حسنة .
الطفلة: ضروري واحدة أحسن .
الأب : هذه حسنة ، وتلك حسنة .
الطفلة: هل أعمل مسيحية لنبقى دائما معا ؟
الأب : كلا يا حبيبتي، هذا غير ممكن، كل واحدة تظل كباباها وماماها .
الطفلة: ولكن لِمَ ؟
في الحقيقة، أن التربية الحدية طاغية . . . وسألها .
الأب : ألا تنتظرين حتى تكبري؟
الطفلة: لا يا بابا .
الأب : حسن ، أنت تعرفين الموضة. واحدة تحب موضة، وواحدة تفضل موضة ، وكونك مسلمة هو آخر موضة ، لذلك يجب أن تبقي مسلمة .
الطفلة: يعني أن نادية موضة قديمة ؟
الله يقطعك أنت ونادية في يوم واحد. الظاهر أنه يخطئ، رغم الحذر، وأنه يُدْفَع بلا رحمة إلى عنق زجاجة ، وقال :
الأب : المسألة مسألة أذواق ، ولكن يجب أن تبقى كل واحدة كباباها وماماها .
الطفلة: هل أقول لها إنها موضة قديمة وإني موضة جديدة ؟
فبادرها :
الأب : كل دين حسن ، المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله . . .
الطفلة: ولِمَ تعبده هي في حجرة وأعبده أنا في حجرة ؟
الأب : هنا يعبد بطريقة وهناك يعبد بطريقة . . .
الطفلة: وما الفرق يا بابا ؟
الأب : ستعرفيه في العام القادم، أو الذي يليه ، وكفاية أن تعرفي الآن أن المسلمة تعبد الله، والمسيحية تعبد الله .
الطفلة: ومن هو الله يا بابا ؟
وأخذ، وفكر مليا ، ثم سأل مستزيدا من الهدنة :
الأب : ماذا قالت "أبلة " في المدرسة ؟
الطفلة: تقرأ السورة وتعلمنا الصّلاة ، ولكني لا أعرف،، فمن هو الله يا بابا ؟
فتفكر وهو يبتسم ابتسامة غامضة ، وقال :
الأب : هو خالق الدنيا كلها .
الطفلة: كلها ؟
الأب : كلها .
الطفلة: معنى "خالق" يا بابا ؟
الأب : يعني أنه صنع كل شيء.
الطفلة: كيف يا بابا ؟
الأب : بقدرة عظيمة. . .
الطفلة: وأين يعيش؟
الأب : في الدنيا كلها . . .
الطفلة: وقبل الدنيا ؟
الأب : فوق . . .
الطفلة: في السما ، ؟
الأب : نعم .
الطفلة: أريد إن أراه.
الأب : غير ممكن .
الطفلة: ولو في التلفزيون ؟
الأب : غير ممكن أيضا .
الطفلة: ألم يره أحد ؟
الأب : كلا.
الطفلة: وكيف عرفت أنه فوق ؟
الأب : هوكذلك .
الطفلة: من عرف أنه فوق ؟
الأب : الأنبياء.
الطفلة: الأنبياء؟
الأب : نعم . . . مثل سيدنا محمد. . .
الطفلة: وكيف يا بابا ؟
الأب : بقدرة خاصة .
الطفلة: عيناه قويتان ؟
الأب : نعم .
الطفلة: لِمَ يا بابا ؟
الأب : الله خلقه كذلك .
الطفلة: لِمَ يا بابا ؟
وأجاب وهو يروض نفاذ صبره :
الأب : هو حر، يفعل ما يشاء.
الطفلة: وكيف رآه؟
الأب : عظيم جدا ، قوي جدا ، قادر على كل شيء. . .
الطفلة: مثلك يا بابا ؟
فأجاب وهو يداري ضحكه :
الأب : لا مثيل له .
الطفلة: ولِمَ يعيش فوق ؟
الأب : الأرض لا تسعه ولكنه يرى كل شيء.
سرحت قليلاً ثم قالت :
الطفلة: ولكن نادية قالت لي إنه عاش على الأرض .
الأب : لأنه يرى كل مكان ، فكأنه يعيش في كل مكان .
الطفلة: وقالت لي إن الناس قتلوه . ! !
الأب : ولكنه حي لا يموت .
الطفلة: نادية قالت إنهم قتلوه .
الأب : كلا يا حبيبتي، ظنوا أنهم قتلوه ، ولكنه حي لا يموت .
الطفلة: وجدي حي أيضا ؟
الأب : جدك مات .
الطفلة: هل قتله الناس ؟
الأب : كلا، مات وحده .
الطفلة: كيف ؟
الأب : مرض ثم مات .
الطفلة: وأختي ستموت لأنها مريضة ؟
وقطّب قائلا وهو يلحظ حركة احتجاج آتية من ناحية الأم :
الأب : كلا، ستشفى إن شا ء الله .
الطفلة: لِمَ مات جدي؟
الأب : مرض وهو كبير.
الطفلة: وأنت مرضت وأنت كبير فلم تمت .
ونهرتها أمها ، فنقلت عيناها بينهما في حيرة ، فقال هو:
الأب : نموت إذا أراد الله لنا أن نموت .
الطفلة: ولم يريد الله أن نموت ؟
الأب : هو حر يفعل ما يشاء.
الطفلة: والْموت حلو؟
الأب : كلا يا عزيزتي. . .
الطفلة: ولم يريد الله شيئا غير حلو؟
الأب : هو حلو ما دام الله يريده لنا .
الطفلة: ولكنك قلت إنه غير حلو.
الأب : أخطأت يا حبيبتي. . .
الطفلة: ولِمَ زعلت ماما لما قلت إنك ستموت ؟
الأب : لأن الله لم يرد ذلك بعد.
الطفلة: ولم يريده يا بابا ؟
الأب : هو يأتي بنا إلى هنا ثم يذهب بنا .
الطفلة: لِمَ يا بابا ؟
الأب :لنعمل أشيا ء جميلة هنا قبل أن نذهب .
الطفلة: ولِمَ لا نبقى؟
الأب : لا تتسع الدنيا للناس إذا بقوا .
الطفلة: ونترك الأشيا ء الجميلة ؟
الأب : سنذهب إلى أشيا ء أجمل منها .
الطفلة: أين؟
الأب : فوق
الطفلة: عند الله ؟
الأب : نعم.
الطفلة: ونراه ؟
الأب : نعم.
الطفلة: وهل هذا حلو؟
الأب : طبعاً .
الطفلة: إذن يجب أن نذهب .
الأب : لكننا لم نفعل أشياء جميلة بعد.
الطفلة: وجدّي فعل ؟
الأب : نعم .
الطفلة: ماذا فعل ؟
الأب : بنى بيتا، وزرع حديقة .
الطفلة: وتوتو ابن خالي ماذا فعل ؟
وتجهم وجهه لحظة، واسترق إلى الأم نظرة مشفقة ثم قال :
الأب : هو أيضا بنى بيتا صغيراً قبل أن يذهب .
الطفلة: لكن لولو جارنا يضربني، ولا يفعل شيئاً جميلاً.
الأب : ولد شقيّ.
الطفلة: ولكنه سيموت . . .
الأب : إلا إذا أراد الله . . .
الطفلة: رغم أنه لا يفعل أشيا ء جميلة ؟
الأب : الكل يموت ، فمن يفعل أشياء جميلة يذهب إلى الله، ومن يفعل أشيا ء قبيحة يذهب إلى النار.
وتنهدت ثم صمتت ، فشعر بمدى ما حل به من إرهاق . ولم يدْرِ كم أصاب، وكم أخطأ. وحرك تيار الأسئلة علامات استفهام راسبة في أعماقه . ولكن الصغيرة ما لبثت أن هتفت :
الطفلة: أريد أن أبقى دائما مع نادية .
فنظر إليها مستطلعا ، فقالت :
الطفلة: حتى في درس الدين .
وضحك ضحكة عالية ، وضحكت أمها أيضاً ، وقال وهو يتثاءب:
الأب : لم أتصوّر أنه من الْمُمكن منلقشة هذه الأسئلة على ذلك الْمستوى.
فقالت المرأة: ستكبرالبنت يوما، فستطيع أن تدلي لها بما عندك من حقائق.
والتفت نحوها بحدة ليرى ما يطوي عليه قولها من صدق أو سخربة، فوجد أنها قد انهمكت مرة أخرى بالتطريز.

من مجموعة «خمارة القط الأسود»

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

القصة جمييييييييييييلة ولازم نتعلم منها عدم الالحاح[الكلام الكثير]

Unknown يقول...

قصة حلو بس الاسلام دين الله