لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الاثنين، 23 يوليو 2012

"جَدَّتي في عِيدِها التِّسعين" قصة للأطفال بقلم: د.طارق البكري

جَدَّتي في عِيدِها التِّسعين
د.طارق البكري
 جَدَّتي عُمْرُهَا تِسْعُونَ سَنَةً.. احْتَفَلَتْ قَبْلَ يَوْمَيْنِ بِعِيْدِ مِيْلاَدِهَا.. ارْتَدَتْ أَحْلَى ثِيَابَهَا.. وَضَعَتْ عَلَى رَأْسِهَا مَنْدِيلاً مُلَوَّناً.. وَزَيَّنَتْ صَدْرَهَا بِعَقْدٍ مِنَ اللُّؤلُؤ، وَوَضَعَتْ في شَعْرِهَا وَرَدَةً حَمْرَاءَ.. فَجَدَّتِي تُحِبُّ الْحَيَاةَ..
 أَسْمَعَتْنَا جَدَّتِي في عِيْدِ مِيْلاَدِهَا الأَخِيرِ حِكَايَاتٍ تَرْوِيهَا رُبَّمَا لِلْمَرَّةِ الأَلْفِ، ومَعْ ذَلِكَ، سَمِعْنَاهَا بِشَغَفٍ وحُبٍّ.. أَعَادَتْنَا إلى الوَرَاءِ أَعْوَاماً طَوِيلَةً.. ذَكَّرَتْنا بِطُفُولَتِنَا.. وقَالَتْ إِنَّهَا سَتَرْوِي لَنَا قِصَصًا أُخْرَى جَدِيدَةً عِنْدَ اُحْتِفَالِهَا بِالْعِيْدِ المِئَةِ مِنْ عُمْرِهَا.. 
الْعِيْدُ التِّسْعُونَ جَمَعَ كُلَّ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ.. أَطْفَالاً وشَبَاباً وشُيُوخاً.. فَجَدِّيْ عُمْرُهُ سَبْعُونَ سَنَةً.. وهِيَ في الحَقِيْقَةِ لَيْسَتْ جَدَّتِي، بَلْ أُمُّ جَدِّي، أَعْنِي أَنَّها جَدَّةُ أَبِي.. وأَبِي عُمْرُهُ خَمْسٌ وأَرْبَعُونَ سَنَةً.. قَضَيْنَا وَقْتَاً طَوِيْلاً ونَحْنُ نَفْتَحُ الهَدَايا الَّتِي مَلأَتْ دَارَ جَدَّتِي الوَاسِعَةَ.. الكُلُّ تَسَابَقَ لِيُهْدِيَهَا هَدِيَّةً تُعَبِّرُ عَنْ حُبِّهِ لهَا.. 
أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أُرِيْدُ هَدِيَّةً مُخْتَلِفَةً.. لَمْ أَشْتِرِ هَدِيَّةً مِنْ مَحَلٍّ ولا من سوبِّرْ مارْكِتْ.. أَرَدْتُ أَنْ أَصْنَعَ لَهَا شَيْئاً بِيَدَيَّ أنا.. صَنَعْتُ لها ثَوْبَاً مُلَوَّناً بِقِطَعِ قِمَاشٍ كَثيرةٍ لِيَبْدُو الثَّوْبُ تُحْفَةً رائِعَةً.. فأنا خَيَّاطَةٌ ماهِرَةٌ، وكُلُّ طالِباتُ مَدْرَسَتِي يَحْسُدْنَنِي عَلَى ذَلِكْ.. فَقَدْ عَلَّمَتْني جَدَّةُ أَبي أَشْيَاءَ كَثيرةً، فهيَ مَدْرَسَةٌ.. بَلْ جَامِعَةٌ لِكُلِّ الكُلِّياتِ الجَامِعِيَّةِ.. قَبْلَ يَوْمَيْنِ فَقَطْ، عِشْنَا مَعَ جَدَّتي لَحَظَاتٍ عائِلِيَّةٍ نَادِرَةٍ، الْجَمِيعُ حَضَرَ مِنْ كُلِّ الأَنْحَاءِ، حتَّى عَمِّي الْمُهَاجِر في كَنَدا وخَالَتِي الَّتِي تَعْمَلُ طَبِيْبَةً في بَلَدٍ خَلِيجِيّ.. وابْنُ عَمِّي الَّذِي يَدْرُسُ في فَرَنْسَا.. وعَمَّتِي الَّتِي تَعِيْشُ في مَدِينَةٍ بَعِيدَةٍ.. كانَ احْتِفَالاً حَقيقيًّا.. لَكِنَّنِي في الحَقيقةِ لا أدْري كَيْفَ اُسْتَوْعَبُ مَنْزِلُ جَدَّتي كُلَّ هذا العَدَدِ مِنَ النَّاسِ.. بَعْضُهُمْ كانَ يَقْضِي الْوَقْتَ في الحَديقةِ، وبَعْضُهُمْ جَلَسَ في الصَّالَةِ، وبَعْضُهُمْ خَرَجَ إلى سَطْحِ الْمَنْزِلِ لِيَتَنَشَّقَ الهَواءَ المُنْعِشَ.. وكنَّا جَميعاً نَحْرِصُ على الْالْتِفَافِ حَوْلَها قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ لِنَسْتَمِعَ إلى حِكَاياتِها الَّتِي تُكَرِّرُها دونَ أنْ تَنْسَى تَفَاصِيْلَهَا ودُوْنَ أَنْ تَمَلَّ مِنْ ذِكْرِهَا.. فِيْمَا الْمُسْتَمِعُونَ لا يَمَلُّونَ مِنَ الْإِسْتِمَاعِ إلَيْهَا، فَمِنَ النَّادِرِ حَقًّا أَنْ تَجِدَ واحِداً لَمْ يَسْتَمِعْ إلى قِصَّةٍ مِنْهَا وَلَوْ مَرَّةً واحِدَةً لِأَنَّها تَرْوِيها باسْتِمْرارٍ.. 
أمّا أنا فَقَدْ كُنْتُ المُسْتَمِعَةُ الدَّائِمَةُ.. أَحْفَظُ قِصَصَ جَدَّتِي عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وأُطَالِبُها بالْمَزِيدِ وتَكْرَارِ القِصَصِ.. 
فَهِيَ عِنْدَما تَرْوي قِصَّةً وتُعِيدُ رِوَايَتَها تَرْوِيْهَا بِأُسْلوبٍ جَدِيْدٍ يَبْدُو لِي وكَأَنَّها المَرَّةُ الأُوْلَى الَّتِي تَرْوِيها فِيْها.. عِشْتُ مَعْ جَدَّتِي طُفُولَتي وصِبَايَ.. بَيْتُنَا قَرِيْبٌ مِنْ بَيْتِهَا.. فَأَبي مِثْلُ أَبِيْهِ وجَدِّهِ يُحِبُّونَ الحَيَاةَ في القَرْيَةِ ويُفَضِّلُونَ العَيْشَ فِيْهَا، وَمِنَ الْنَّادِرِ أَنْ يُغَادِرُوا الْقَرْيَةَ إلاَّ لِسَبَبٍ قَاهِرٍ.. لِذَا فإنَّنا قَليلاً ما نَبْتَعِدُ عَنْ جَدَّتي، الَّتي أَعْتَبِرُهَا صَدِيْقَتِي رَغْمَ فارِقِ السِّنِّ بَيْني وبَيْنَها.. والجَمِيْعُ يَعْرِفُ كَمْ أُحِبُّها.. قَبْلَ يَوْمَيْنِ فَقَطْ اجْتَمَعَتِ العَائِلَةُ كُلُّها.. كِبَاراً وصِغَاراً لِيَحْتَفِلُوا بِعِيْدِ مِيْلاَدِ الجَدَّةِ العَجُوزِ.. وكَانَتْ تَعِدُهُمْ باحْتِفَالٍ أَكْبَرَ في عِيْدِها المِئَة.. الْيَوْمَ صَبَاحًا.. وَمِنْ دُوْنِ مَوْعِدٍ مُسْبَقٍ؛ عادَ أَفْرَادُ العَائِلَةِ لِيَجْتَمِعُوا جَمِيْعًا وَلِيُوَدِّعُوا جَدَّتِي الوَدَاعَ المُفَاجِىءَ.. الأَخِيرْ.

ليست هناك تعليقات: