لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الاثنين، 26 مارس 2012

"الدبدوب لعُوب " قصة للأطفال بقلم: عبد الرحيم الماسخ

الدبدوب لعُوب
 عبد الرحيم الماسخ

الدبدوب لعوب وأمّه يحبّان الفسحة في البراح , خاصة بعد العصر إلى ما قبل غروب الشمس.
اليوم خرجا سويًا للفسحة على شاطئ الترعة , كان الجو رائعا , الشمس ساطعة , الطير تغرّد , بعض الطيور صائدة الأسماك تقبض أجنحتها في الجو , ترصد السمك الصغير تحت الماء ثم ترفرف بأجنحتها الملوّنة , ثم تهبط مُنقضّة على فريستها بسرعة خاطفة : تغوص تحت الماء وتخرج وفي منقارها السمكة تتلوّى ثم تطير إلى عشها فِرحة بإطعام صغارها , تمرّ ورود النيل أحيانا متجمّعة في شكل حدائق صغيرة منسّقة يحيطها الماء من كل جانب وبعض الطيور الكبيرة واقفة في وسطها تتنزّه سارحًة في ملكوت الله , النسيم العليل يُموّج الماء فيبرق الزّبَد الأبيض كأكوام اللؤلؤ المتناثرة !
الدبدوب يتفرّج ويشير إلى المناظر البديعة وأمه تحضنه من آن لآخر في متعة خالصة , وهما لا يهتمّان كثيرًا بما حولهما من مكامِن الخطر , يركضان ويتضاحكان ويحكيان ويلعبان , وقد اقترب الغروب , فانعكست الشمس بحجمها العظيم على صفحة الماء المتماوج كالماس المشتعل !
الراعي الشاطر همس في أذن صديقه : انظر إلى هذين الدبدوبين إنهما جريئان أكثر من اللازم لا يخافان شيئا , رغم أن الحياة مليئة بالمخاطر !
ـ الدباديب هذه الأيام غالية الثمن فهي ُتباع لحدائق الحيوان لِتُمتّع الزوّار بقفزاتها الرعناء وكلامها المتلعثم !
ـ لماذا إذن لا نمسك بهما لنبيعهما ؟
ـ إن الإمساك بهما سهل , لكن لمن سنبيعهما ؟ وحديقة الحيوان بعيدة جدًا تحتاج إلى سفر طويل , وحمل الدبدوبين إليها فيه خطر ولن نستطيع شحنهما في عربة بدون ترخيص فتهجير الحيوانات البرية من موطنها ممنوع أصلا !
ـ أعرف رجلا يتعامل مع حديقة الحيوان وقد اصطدنا له من قبل بعض الذئاب !
ـ لقد كانت مخاطرة , لكنها جاءت محمودة العواقب, فقد ذهبنا إلى الجبل في الظهيرة وهجمنا على الذئاب النائمين في المغارة الشبه مظلمة !
ـ كشّافاتنا الكهربائية القوية أخافت الذئاب
ـ وبنادقنا المخدّرة أوقعت بعضهم
ـ ولم يجرؤ البعض الآخر على الاقتراب
ـ وبعد ركوبنا السيارة .. انطلقوا وراءنا في عُواء كالبُكاء الأرعن ولم يستطيعوا اللحاق بنا بالطبع
ـ أما الدبدوبان فالإمساك بهما أسهل علينا , ولا يحتاجان إلى بنادق ولا سيارة , كل ما يحتاجانه هو الاقتراب منهما على حذر ثم الهجوم عليهما في الوقت ا لمناسب !
أمسك الرجلان بالدبدوبين.
 الدبدوبان يصيحان : أنا دبدوب.. أنا لعوب.. 
والرجلان يسرعان بهما إلى منزل الراعي , أظافر الدبدوبين تخدش جلد الرجلين بليونة , أخيرا وصل الرجلان بصيدهما وتقدّم الراعي ففتح باب منزله و ألقيا بالدبدوبين داخل هذا المنزل وأغلقا عليهما الباب ومشيا !
قال الراعي لصديقه : البيت يخلو من الناس فأنا أسكنه وحدي , والدبدوبان سيبقيان به حتى نجيئهما بالتاجر في أمان وسلام, وذهب الرجلان إلى المدينة لإحضار التاجر وتركا الدبدوبين !
نظر الدبدوب إلى أمه فوجدها مشغولة بفحص كل شيء في البيت لم تضيّع أي وقت , فتحتْ الثلاجة ووضعت ما بداخلها في كيس كبير وجدتْه بجانبها ثم جمعتْ ما استطاعت من أكياس السكر والفاكهة حملت كل هذا على رأس صغيرها وصعدا على السلم.
 في الدور الثاني وجدا عشّة الدواجن فحازا معظم الطيور وذبحا كثيرًا منها ووضعاه في جوال وجداه على سطح المنزل ونظرا فوجدا عمود الكهرباء قريبا من السطح والبيت محاط بالنخيل فألقيا بما جمعا في الشارع ثم قفزا إلى عمود الكهرباء وانزلقا عليه حتى نزلا إلى الشارع فوجدا الحمارة كمارة واقفة تمضغ البرسيم في بلاهة فحملا ما جمعا ووضعاه على ظهرها وقفزا فوق الحمارة وهربا !
الراعي وصديقه عادا من المدينة بصحبة التاجر , اقتربوا من المنزل وهم يحكون ويتضاحكون عن الدبدوبين وكيف كان الإمساك بهما سهلا , ثم تجادلوا في الثمن الذي يجب على التاجر دفعه فيهما , التاجر يعرض ثمنا ضئيلا وفي نفس الوقت يتمسك بشرائهما , فكلما هَدّده الرجلان بإطلاق سراحهما وإلغاء البيع زاد في الثمن.
أخيرًا وصلوا المنزل.. تقدّم الراعي ففتح الباب صائحا : هاهما الدبدوبان 
 ثم دخل فلم يجدهما لكنه لم يخَف لأنه لا يتوقع هروبهما , فقال لضيفيه : تفضّلا , فالدبدوبان اختفيا في ركن ما من البيت 
 ودخل حجرة جلوسه يبحث تحت المقاعد والمناضد , فتح غرفة نومه , بحث تحت سريره , دخل المطبخ , بدأ إحساسه يتغير فربما ………..
فوجئ بالثلاجة مفتوحة وخالية فارتعدت فرائصه : ما هذا الذي أرى ؟ 
الضيفان وراءه يتعجّبان , ارتقوا السلّم بسرعة , وجدوا على سطح المنزل آثار الدماء ولا أثر للدبدوبين !

ليست هناك تعليقات: