لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الاثنين، 13 فبراير 2012

"الحكيمة والصياد" مسرحية للفتيان بقلم: هيثم بهنام بردى

الحكيمة والصياد
(حكايات شعبية عراقية ممسرحة)
مسرحية للفتيان
هيثم بهنام بردى 

المشهد الأول

الزمان: قديم جداً
المكان: أي مكان
الوقت: فجراً
غرفة متواضعة، آثاث عتيق، فراش قديم، صياد يكمل ارتداء ثيابه وزوجته تكمل إعداد الصرة، أطفال نائمون.
الصياد: آن وقت الذهاب.. هل كل شيء جاهز؟
الزوجة: الصرة جاهزة، وكذلك عدة الصيد.
الصياد: الخبز والبصل كالعادة.!
الزوجة: نعمة من الله.
الصياد: (بتأفف) متى تُفرج..؟
الزوجة: مستورة والحمد لله.
الصياد: أي ستر يا امرأة، لقد نسينا طعم اللحم، حتى السمك الذي اصطاده لا نصيب لنا فيه.
الزوجة: تفاءل بالخير يا رجل.. فالدنيا فجر ورزق يومك بيد الخالق.. من يدري، ربما سيكون اليوم يوم صيد وفير..!
الصياد: (يشير إلى أطفاله النائمين) أنظري إليهم، صاروا جلداً على عظم، أنظري إلى نفسك في المرآة.
الزوجة: ما بالك هذا الصباح يا زوجي العزيز؟ اتكل على الله فهو لا ينسى عباده.
الصياد: (بعد فترة صمت) ماذا أفعل يا أم أولادي؟ آستغفر الله، إن الفقر ظالم.
الزوجة: لا بأس.. الحمد لله على نعمه، اتكل على ربك وابحث عن رزقك، فالبحر كريم طيب لا يرد صياداً.
إظلام
المشهد الثاني
الوقت: صباحاً
المكان: سوق السماكين، دكاكين متجاورة، أمامها أسماك مفروشة على مصاطب أو معلقة على حبال أمام الواجهات، صيادون، تجار، امرأة عجوز تقتعد دكة متواضعة أمامها بسطة.
العجوز: (تكلم نفسها) كلهم في حركة دائمة، الفقراء لأجل توفير لقمة الخبز، والأغنياء لاكتناز الذهب.
الصياد: صباح الخير يا خالة.
العجوز: (تنظر إليه بعمق) صباح الخير، كيف كان أمسك..؟
الصياد: كالعادة، حفنة من النقود لا تسد رمق أطفالي.
العجوز: (تهمس لنفسها) إني أرى الاثنين في عينيك، في الأولى أرى الطيبة وفي الأخرى.. اللهم اجعله خيراً.
الصياد: أريد ملحاً..
العجوز: (تجفل) خذ ما تشاء.
الصياد: (يأخذ حفنة صغيرة) مع السلامة.
العجوز: (بصوت مسموع) هذا الصياد طيب، ولكنني أراه ضحية نفسه الجموحة.
رجل ما: أريد كيساً من الملح.
العجوز: (تبتسم) أبشر.
الرجل: وأخيراً يا خالة أطلّ ابني.. (لنفسه) أورقت شجرة العائلة غصناً جديداً.
العجوز: (ترفض أخذ قطعة النقد) هذا الملح هدية مني لك.
الرجل: (مبتعداً) طيبتك لا حد لها أيتها المرأة الطيبة.
العجوز: إنها الحياة.. تبلى قامة لأجل قامة.
(يُسمع صوت عراك بين رجلين في قلب المسرح، يتجمع الصيادون والتجار حولهما)
العجوز: سباق محموم لأجل لا شيء.. إنه..
(رجل ممزق الثياب طويل اللحية يقطع المسرح ركضاً يتبعه جمع من الصبيان)
صبي: أيها المجنون..
صبي آخر: أرقص مثل الدب..
آخر: قل واحدة من حكمك أيها المجنون.
الرجل: (يقف، يهرش صدره، يجلس القرفصاء أمام العجوز، يتناول حفنة من الملح ويواجه الجمهور) كونوا مثل الملح (يذرو الملح في الوجوه ويلتفت إلى الصبي) هذه حكمتي..!.
العجوز: صدقت يا رجل..
الصبي: (لأقرانه) لم نفهم شيئاً.. (بعد وقفة) إنه مجنون.. هيا (يخرجون).
الرجل: (بعد أن يشيع الصبية المغادرين بابتسامة حب، يتجه نحو محل فخم يحتل دكته العالية تاجر أنيق الملبس) خذ هذا الملح. إنه الملاذ.
التاجر: (بعصبية) أغرب عن وجهي يا مجنون.
إظلام
المشهد الثالث
الوقت: ضحى
المكان: قاعة العرش في قصر السلطان، السلطان جالس على الكرسي، ومعه وزيره.
السلطان: (بوجه مبتسم) والآن.. ماذا لدينا يا وزيري؟
الوزير: جولة كل يوم..
السلطان: أين هذا اليوم..؟
الوزير: نطوف أطراف المدينة.
السلطان: كالعادة.
الوزير: نعم يا مولاي.
السلطان: بأي زيّ نتنكر هذا اليوم؟
الوزير: (بعد تفكير) مولاي.. ما رأيك بزي التاجر؟
السلطان: تاجر؟.. فكرة جميلة.. هيا.
الوزير: لوحدنا.
السلطان: مثلما نفعل دوماً.
إظلام
المشهد الرابع
الوقت: قبل الظهيرة
المكان: ساحل البحر، صيادون، الصياد يلملم الشبكة.
الصياد: (بتذمر) ما هذا النحس..؟ منذ الصباح لم أصطد شيئاً.. (ينظر نحو البحر ويخاطبه) أعلم أيها البحر ما تختزنه في أحشاءك من نفائس ودرر ولكنك اليوم بخيل جداً معي. (بعد لحظة صمت) أنظر يا صديقي البحر إلى هؤلاء الصيادين، إن سلالهم عامرة بالصيد وسلتي فارغة، ماذا اقترفت من ذنب تجاهك؟. يشهد الله إني احبك كثيراً لأنك كريم دائماً معي.. تهبني الصيد الوفير (بعد لحظة تأمل) وأنا أبيعه في سوق السماكين واشتري ما يشبع الزوجة والأولاد (يلتقط أنفاسه ويتأمل الأفق ثم يتابع) أعرف أنك صديق الصيادين الفقراء لا تبخل عليهم بوافر كرمك، ولكنك اليوم بخيل معي، أترضى يا صاحبي أن ينام أطفالي اليوم جائعين، أحس أن قلبك الطيب لا يقبل بهذا.. أليس كذلك..؟
البحر: (يدخل المسرح بهيئة رجل يرتدي ملابس زرقاء) إني صديقك أيها الصياد الطيب، وصديق كل الناس، أقدم كل كنوزي الدفينة أمام شباك الصيادين ويبقى الرزق بيد الخالق، وثق بأني لا أرضى لك ولكل الناس سوى الخير والسعادة.
الصياد: (يبدو أنه لا يسمع كلام البحر ولا يحس بوجوده) أتمنى يا بحر لو كنت رجلاً أحكي لك همومي وأحلامي المشروعة (مدة صمت) سأفترض هذا يا بحر، لنجلس معاً (يجلس الصياد ويجلس البحر بجانبه ولكن الصياد لا يحس به).
البحر: (لنفسه حزيناً) إن الصياد لا يراني ولا يحس بوجودي رغم جلوسنا متجاورين، يا للأسف.
الصياد: أنا يا صديقي إنسان فقير لا يكاد رزقي يكفي أفواه أطفالي المفغورة دائماً، ولي طموحاتي التي لا زلت منذ سنين أسعى إلى تحقيقها في مستوى أفضل من العيش، فلماذا لا يكون لي بيت جميل مؤثث، وأطفالي يتعلمون في الكتاتيب؟ لماذا لا يكون لي زورق صيد؟ لماذا لا يكون لي دكان في سوق السماكين؟ لماذا لا يكون لي فرس بيضاء؟ لماذا لا يكون لي خزين من المال ينير سواد الأيام الحالكة؟ لماذا..؟
البحر: (مقاطعاً) على رسلك يا صديقي؟ ما تقوله حق مشروع، ولكن ما أخشاه تواصل (اللماذا) إلى أكثر من طاقتي على التحمل.
الصياد: مرات كثيرة بعد أن تنام الزوجة والأولاد أبقى ساهراً أشيِّد عالمي الخاص في رأسي وأتخيل أنك وهبتني سمكة في أحشائها لؤلؤة كبيرة فأبيعها بثمن غالٍ وأحقق كل أمنياتي المستحيلة (بعد وقفة قصيرة) وأغفو على صورة زاهية للمستقبل لأستيقظ فجر اليوم التالي على واقعي الحقيقي البائس.
البحر: أخشى أن تكون مسكوناً بالشيء الذي أخشاه.. إياك..؟
الصياد: (موجهاً كلامه للبحر الساكن في الأفق) أيها البحر. امنحني كنزاً من كنوزك.
البحر: (متفكراً) حسناً أيها الصياد، إني أرى يوم سعدك في متناول يدك وعليك أن تحسن التصرف، كما يفعل العقلاء الذين يقنعون بما يستطيعون الحصول عليه.
الصياد: (لا يسمع كلام البحر أبداً) لا تتخل عني يا صديقي فأنت ملاذي.
البحر: سأفعل يا صديقي.
(يدخل السلطان والوزير بزي التجار)
الصياد: (ينتبه إليهما) من هذان..؟ إني ما رأيتهما من قبل؟ يبدوان تاجران.
السلطان المتنكر: (يتقدم من الصياد مبتسماً) طاب يومك.
الصياد: طاب يومك، هل من خدمة..؟
السلطان المتنكر: شكراً لك.. (بعد مدة صمت) أنت صياد؟
الصياد: (بتبرم) ماذا ترى..؟
السلطان: (بمرح) أرى أمامي صياداً.
الصياد: (بتبرم اكبر) مرحى لك.. (يصفق باستخفاف)
السلطان: (بعد أن يعطي إشارة للوزير الغاضب) كيف كان صباحك؟
الصياد: وما شأنك أنت؟
الوزير المتنكر: (يخرج عن طوره) كيف تخاطب...
الصياد: (يصرخ) إن كنتما كسلانين يمضيان ساعات فراغهما، ابحثا عن غيري..
الوزير المتنكر: (بحنق) أنت فظ.
الصياد: وأنت متبطر.
الوزير المتنكر: أتعرف من تخاطب؟!.
السلطان المتنكر: (للوزير والصياد) كفاكما.
الصياد: عليك بصاحبك.
السلطان المتنكر: (للصياد) أنا تاجر سمك، وأريد أن اشتري صيدك.
الصياد: (يعود إلى هدوءه) عاندني البحر هذا اليوم.
البحر: (يقف في زاوية المسرح بعد أن يتأكد أن لا أحد يحس به أو يسمعه) أنا..؟! سامحك الله يا صديقي.
السلطان المتنكر: (للصياد) إلق شبكتك، وأي شيء تصطاده أعطيك وزنه ذهباً.
الصياد: (يعود إلى غضبه) قلت لك أيها الرجل إني لست لعبة للمتبطرين من أمثالك.
الوزير المتنكر: (يصرخ بغضب شديد) أيها الأحمق.
الصياد: الأحمق هو أنت.
الوزير المتنكر: لقد طفح الكيل.
الصياد: (متحدياً) وما أنت فاعل؟.. أرني..
الوزير المتنكر: أتعلم من تُكّلم؟
السلطان المتنكر: (للوزير) كفى...
الوزير المتنكر: حاضر.
السلطان المتنكر: (للصياد) إني جاد تماماً.
الصياد: (للسلطان) هل أنت معتوه..؟
الوزير المتنكر: (يرفع كفه محاولاً صفع الصياد) أيها...؟
السلطان المتنكر: (للوزير) لا يا صاحبي.. (ثم للصياد) ماذا قلت..؟
الصياد: (يفكر) كلام رجال؟!
السلطان المتنكر: كلام رجال، وصديقي شاهد على ذلك.
البحر: (يتقدم نحوهم) وأنا أيضاً شاهد على هذا.
الصياد: وما المطلوب مني..؟
السلطان المتنكر: أن تلقي شبكتك.
البحر: (يخاطب الصياد) إفعل.. وسأمنحك كنزاً من كنوزي.
الصياد: (للسلطان المتنكر) ذهب!..
السلطان المتنكر: (مؤكداً) نعم.
الصياد: (لنفسه) هذا الرجل به مسّ من الجنون.
السلطان المتنكر: (مبتسماً كمن يقرأ أفكار الصياد) ليكن.. أنا مجنون.
الصياد: (يلقي شبكته ثم ينتظر قليلاً ويسحبها) إنها فارغة، أعلم أن حظي سيء، الفقر لا يلد إلاّ الفقر.
السلطان المتنكر: (منتبهاً) يبدو أنك اصطدت شيئاً.
الوزير المتنكر: أجل.. هناك شيء ما في الشبكة.
الصياد: (يتفحص الشيء العالق في الشبكة) ما هذا..؟
الوزير المتنكر: أجل.. هناك شيء ما في الشبكة.
الصياد: (يتفحص الشيء العالق في الشبكة) ما هذا..؟
السلطان المتنكر: (بدهشة) إنها جمجمة..؟
الصياد: جمجمة إنسان!.
الوزير المتنكر: هذا نصيبك.
الصياد: (بحزن) حظي، بل نكدي وطالعي العاثر (يلتفت صوب الأفق) شكراً يا بحر، كل يوم تهبني سمكة، اثنتين، ثلاث، واليوم جمجمة.. جمجمة يا بحر!، بوزن الريشة، لو منحتني سمكة صغيرة لكنت حققت كل أحلامي المؤجلة.
البحر: (يلمس كتف الصياد بحنو أبوي) قلت لك أنه يوم سعدك وعليك أن تتصرف كالحكماء.
السلطان المتنكر: (للصياد) إني عند وعدي.. هيا إلى داري.
الصياد: (بلهجة رجاء) لماذا لا أحاول ثانية؟
السلطان المتنكر: اتفقنا على محاولة واحدة، ووعدتك أن أعادل وزن صيدك ذهباً، وإني لن أخنث بوعدي مطلقاً.
الصياد: (يتوسل) محاولة أخرى.
السلطان المتنكر: (بلهجة حازمة) لملم شبكتك واحمل صيدك واتبعني.
يخرجون من المسرح
إظلام
المشهد الخامس
الوقت: أول العصر.
المكان: قاعة العرش في قصر السلطان، يدخل السلطان والوزير المتنكرين يتبعهما الصياد والبحر.
الصياد: (بتوجس) اخبراني بالله عليكما.. لم جئتما بي إلى هنا؟
السلطان: (يهدئ من روعه) لا تخف يا رجل.
الصياد: ولكن لماذا أنا هنا؟ (يحدق في كرسي العرش) يبدو أني في قصر السلطان... (ينظر نحو السلطان المتنكر) من يكون هذا الرجل؟ (يقفز كمن لسعه دبور) أيكون السلطان..؟!!
السلطان: (وكأنه يقرأ أفكار الصياد) نعم... أنا السلطان.
الصياد: (بخوف) مولاي..
السلطان: أنت بضيافتي يا رجل..
الصياد: مولاي.. سامحني على سلاطة لساني.
السلطان: لا بأس يا صديقي.
البحر: (يهمس بأذن الصياد ولكن الصياد لا يسمعه) إنه يوم السعد.
السلطان: (يصفق بيديه فيدخل الحاجب) إليّ بميزان.
الصياد: يكفيني رضاك يا مولاي.
السلطان: الحق حق.. (يدخل الحاجب وهو يحمل ميزاناً صغيراً) ضعه على الخوان وإليّ بالخازن.
الخازن: (يدخل المسرح وينحني للسلطان) مولاي..
السلطان: إليّ بكيس من الذهب.
الخازن: (وهو يخرج) أمر مولاي.
السلطان: (موجهاً كلامه للصياد) ضع الجمجمة على إحدى كفتي الميزان.
الجمجمة: (وهي بين يدي الصياد) لا تفرط بحقك أيها الصياد.
الصياد: (مذهولاً) من يكلمني...؟!
الجمجمة: أنا.
الصياد: (يتراجع خطوتين وهو ينظر إليها بخوف) جمجمة تتكلم؟!.
الجمجمة: اجل أنا أكلمك (بعد برهة) وأنت فقط من يسمعني.
الصياد: (يزداد خوفه وهو ينظر في محجري الجمجمة) ماذا تريدين؟!
الجمجمة: كن مصراً على وعد السلطان، وستربح ربحاً لم تحلم به طوال حياتك.
البحر: (يهز الصياد من كتفه ولكن الصياد لا يسمعه) أحذرك، إياك وكلام هذه الجمجمة، فإنها تبغي الشرك لك.. أنا أعرفها جيداً.
الجمجمة: (للبحر) سوف يطيعني..
السلطان: (للصياد) ما بك.. إنك ترتجف.. هل أصابك برد..؟
الصياد: (وهو يضع الجمجمة على كفة الميزان) لا يا مولاي..
السلطان: (للوزير) هيا زن الجمجمة.
الوزير: (يتناول محبساً صغيراً مرصعاً) أظن هذا يكفي.
السلطان: أستطيع أن أساعدك إن شئت أيها الصياد.
الصياد: (ينتبه) كيف..؟
السلطان: (يتناول حفنة من الذهب بكفه ويرفعها في الهواء) أعلم أن وزن الجمجمة لا يعادل ذاك المحبس، ولكن إن شئت أن تأخذ هذا الذهب كهدية وتنصرف لحال سبيلك.
الجمجمة: (تقدح عيناها وتصرخ) لا توافق.
البحر: (بمودة) وافق يا صديقي.
الجمجمة: (بصوت عميق آسر) أطعني وسوف تصبح أغنى الأغنياء.
البحر: أعطها الأذن الطرشاء.
الجمجمة: (بصوت أعمق) الفرصة تأتي مرة واحدة فلا تدعها تفلت.
البحر: أنظر إلى هبة السلطان، إنها ثروة، وافق عليها.
الجمجمة: (بهمس كالفحيح) إن كل كنوز العالم لن تعادل وزني.
الصياد: (بعد أن ينقاد منتشياً بوعود الجمجمة) الوعد يا مولاي.
السلطان: كما تشاء (للوزير) إبدأ عملك.
الوزير: (يضع قطعة واثنتين وثلاث وخمس.. إلخ على الكفة الأخرى) عجبي.. لا تزال كفة الجمجمة هي الأثقل رغم الذهب الكثير مقابلها.
السلطان: (يمد يديه نحو الميزان ويقلبه ثم ينظر فيه) عجيب.. الميزان لا خلل فيه!.
الجمجمة: (وهي تلتهم الذهب بنظراتها الشرهة) الآتي أعجب.
الصياد: (لنفسه) ما الذي يجري، هذا الذهب يكفيني مدى العمر.. هل أوافق؟
الجمجمة: آنظر إلى عينيّ (يفعل الصياد مسلوب الإرادة) لا توافق.
البحر: (للصياد) آصح يا صاحبي قبل فوات الأوان.
الوزير: (بعد أن يكوّم الذهب في الكفة الأخرى ولكن دون فائدة) كفة الجمجمة ما زالت في مكانها لم تتزحزح. لا بد أن في الأمر سراً.
السلطان: آتوني بميزان أكبر.
البحر: (للصياد) ارضَ بهذا الذهب.. لا تكن طماعاً.
الصياد: (لنفسه مذهولاً) هل أنا في حلم..؟ كل هذا الذهب؟ سأوافق.
الجمجمة: (تنظر إلى عينيه مباشرة فتأسره بنظراتها) لا تفعل.. وأخيراً جاءت الفرصة - تهمس لنفسها- التي حلمت بها طول عمري.. (للصياد) إنها فرصتك الذهبية فلا تدعها تفلت منك.
الصياد: (للجمجمة وهو يؤشر نحو الذهب) ولكن هذا كثير جداً.
الجمجمة: (وعيناها تلتهمان كل موجودات القاعة وخارج القاعة) الآتي أعظم، سوف يصير كل شيء ملكك.
السلطان: (للصياد) لا بد أن ما يحصل الآن شيء يفوق إدراكنا ونحن بشر، ما رأيك لو أعطيتك كل ما أملك من مالي الخاص، وبهذا أكون قد أوفيت بوعدي.
البحر: (بحرارة) هذا كثير، كن قنوعاً.
الجمجمة: لا توافق.. كل شيء سيصير لك.
الصياد: (وقد استبد به الطمع يخاطب الجمجمة) لن أوافق، أنتِ على حق.
البحر: (بأسىً) اليوم سعدك، لا تحيله بحماقتك إلى يوم حزن وندم.
السلطان: (للصياد) إني أنتظر إجابتك.
الصياد: (بصوت يشبه صوت الجمجمة) مولاي.. الوعد.. أريد الوعد.
الوزير: (بحنق وغضب) أيها الطماع.
السلطان: (للوزير) دعه.
الوزير: (خارجاً عن طوره) دعني أتصرف مع هذا الجشع يا مولاي.
السلطان: (للوزير وبهدوء) الحق معه.. وأنا عند وعدي.
الجمجمة: (للصياد) تتصرف كالحكماء.
البحر: (بأسف) سوف يخسر يوم سعده.
الوزير: (بعد أن يضع كل ذهب الكيس) كل هذا الذهب، والجمجمة اللعينة لم تتحرك من مكانها.
السلطان: (بحيرة وذهول) ما سر هذه الجمجمة؟ (يحملها فتهوى كفة الذهب نحو الأرض ثم يضعها في مكانها فتطفو كومة الذهب في الهواء) ما سرك أيتها الجمجمة.
الوزير: ما صادفت مثل هذا الأمر المحير من قبل.
السلطان: هيئوا إحدى الغرف لراحة الصياد (للصياد) أمهلني حتى العصر.
إظلام
(ثم يضاء المسرح في نفس المكان، الوقت عصر نفس اليوم، القاعة مليئة بالمنجمين والسحرة وقارئي الطالع، والأطباء النطاسيين ... الخ)
السلطان: (نحو الجمع) كلكم ما استطعتم حل اللغز.. ماذا نفعل؟
الوزير: دعني أتفاهم مع هذا الصياد.
السلطان: لقد أعطيته الأمان.
الخازن: ليأذن لي مولاي السلطان برأي.
السلطان: هاتِ ما عندك.
الخازن: ننادي في المدينة بمكافأة مجزية لكل من يحل لغز الجمجمة.
السلطان: رأي صائب.. نفذ أيها الخازن.
إظلام
المشهد السادس
الوقت: قبل المغيب.
المكان: سوق السماكين، رجلان يتحاوران قرب العجوز.
رجل1: (لصديقه رجل2) هل سمعت المنادي..؟
رجل2: كلا.. ما الأمر؟
رجل1: مولانا السلطان خصص مكافأة مجزية لمن يحل لغز جمجمة الصياد.
رجل2: إليَّ بالتفاصيل.. ربما يكون الحل بأيدينا ونفوز بالمكافأة.
رجل1: صياد اصطاد في حضرة السلطان جمجمة..
العجوز: (تنتبه للحوار) ما أمر الجمجمة..؟ ثم ماذا يا رجل..؟
رجل1: وعده السلطان أن يعطيه مقابل وزنها ذهباً..
رجل2: وما الغريب في الأمر..؟
رجل1: هنا اللغز... ؟.
العجوز: ماذا تقصد..؟
رجل1: كل ذهب السلطان ما عادل وزن الجمجمة..!
رجل2: لغز محّير...؟!.
العجوز: (لنفسها) سأذهب..
رجل1: (للرجل الثاني) هل تفكر في شيء؟
رجل2: لنذهب ونرى.
رجل آخر: أنا ذاهب.
رجل آخر: عندي الحل.
رجل آخر: لنجرب حظنا.
العجوز: (للرجل1) أبنائي.. خذوني معكم.
رجل1: (بازدراء) أنت..؟
العجوز: (بصوت حازم) خذوني إلى قصر السلطان.
إظلام
المشهد السابع
الوقت: أول الليل
المكان: قاعة العرش في قصر السلطان، ميزان كبير جداً، كومة كبيرة من الذهب، القاعة مليئة بالناس.
السلطان: (قانطاً) يبدو أن هذا اللغز يبقى دون حل، عامة الناس أيضاً ما استطاعوا إيجاد تفسير له (للحاجب) هل بقي أحد..؟
الحاجب: امرأة عجوز يا مولاي.
السلطان: أدخلها.
العجوز: (تدخل، تنحني للسلطان، تنظر في الأرجاء، تستقر نظراتها على الجمجمة، تعرفها..) أنتِ..؟!
السلطان: (للعجوز) تفضلي.. هاتِ ما عندكِ.
الجمجمة: (للعجوز) إياكِ أن تفشي السر، وسأجعلكِ تقاسمين الصياد نصف الذهب.
البحر: (للعجوز) لا تسمعي هراءها.
الجمجمة: (للعجوز) وافقي.. وسأجعلكِ سيدة هذا القصر.
البحر: (للعجوز) إياكِ أيتها المرأة الطيبة (بعد صمت) أنا وأنتِ فقط نعرف السر، ولكن لا احد هنا يسمعني.. هذا الصياد أعماه بريق الذهب، ولم يعد يسمع سوى هذه الجمجمة.
الجمجمة: (للبحر) لا فائدة، إنها لا تسمعك، بل تسمعني أنا فقط.
العجوز: (تبتسم للبحر) حسناً أيها البحر، أنت لم يسمعك أحد ولكنهم سيسمعونني.
الجمجمة: (بخوف عظيم) إياكِ.
البحر: (بارتياح) انتهى الأمر.
العجوز: لا يصح إلاّ الصحيح.
الجمجمة: (بصوت مرتفع يطرش أذنيّ العجوز والبحر) لا.. لا..
السلطان: (للعجوز) هيا.. فكي اللغز.
العجوز: (تتقدم بثبات وجوارها البحر) حل اللغز بسيط.
السلطان: (بفرح كبير) حقاً..
البحر: (للسلطان) نعم... الحل يسير جداً.
العجوز: مولاي.. خصصت مكافأة ثمينة لكل من يحل لغز الجمجمة، أليس كذلك..؟
السلطان: (بنفاذ صبر) أجل.
العجوز: كم....؟!
السلطان: (يشير إلى كل الذهب المكدس) كل هذا الذهب.. وأكثر إن شئتِ..
العجوز: (تلتفت إلى الصياد الواجم وتهمس له) لماذا أعماك الطمع؟
الصياد: أنا لست طماعاً.
العجوز: لا تزال أمامك فرصة (تتناول قطعة ذهبية وتعطيها للصياد) خذ هذا الذهب وانصرف.
السلطان: (مؤيداً) لا مانع لديّ، بل عشرة مثلها.
العجوز: بل هذه فقط..
البحر: (للصياد) إنها الفرصة الأخيرة،... وافق.
الصياد: (بتوكيد) إني مصر على موقفي.
العجوز: لا فائدة.
البحر: ضيّع يوم سعده.
العجوز: (للسلطان) سأضع حداً لكل شيء. (للجمجمة) حان الوقت لترتاحي، آن لعينيك الجشعتين اللتين ما شبعتا في الحياة وما بعد الحياة، أن تنطفئا والى الأبد.
الجمجمة: أتوسل إليكِ... لا.. لا تفعلي.
العجوز: (للصياد) إني أرى هاتين العينين (مشيرة بإصبعها إلى الجمجمة) في رأسك، عينين طماعتين لا تشبعان.
الصياد: أنا...؟
البحر: (للصياد) لقد طار يوم سعدك، يا للأسى.
العجوز: (وهي تخُرج من زنارها كيساً به تراب وتفرشه على الخوان) هذا هو الحل..
السلطان: تراب..!؟!
العجوز: (تغرف التراب وتذروه على محجري الجمجمة) انتهى الأمر.
السلطان: (يصمت مأخوذاً)...
العجوز: (تحمل الجمجمة، تذهب إلى الميزان، تضعها في إحدى الكفتين، تتناول نفس القطعة الذهبية وتضعها في الكفة الأخرى فتتهاوى نحو الأسفل وتطير كفة الجمجمة في الهواء) هذا هو حل اللغز يا مولاي.
السلطان: (بعد أن تهدأ صيحات الإعجاب) أريد التفسير أيتها الحكيمة الطيبة؟
العجوز: (تحمل الجمجمة بيدها) هذه جمجمة إنسان طماع لا يرضى بكل كنوز الدنيا (تتجه نحو الصياد المصعوق) مثل عيني هذا الصياد.
السلطان: (بإعجاب) لله درّك.
العجوز: (تحمل القطعة الذهبية وتعطيها للسلطان) وهذا هو ثمن الوعد.
السلطان: (للصياد) خذ..( ويعطيه القطعة الذهبية ) وتعلم من هذا الدرس لأيامك القادمة.
الصياد: (بتوسل) مولاي...
السلطان: (بحزم) اذهب لحال سبيلك.
العجوز: (تخُرج من زنارها كيساً صغيراً وتقول للصياد) خذ هذا وتعلم الحكمة منه.
السلطان: ما الذي أعطيته يا حكيمة.
العجوز: ملح.
البحر: (للصياد المغادر) سأبقى وفياً معك رغم كل شيء، تعال إليّ كل فجر واقنع بما تأخذه من أعماقي.
العجوز: (تنحني وتنسحب) فليأذن لي مولاي.
السلطان: أين...؟
العجوز: إلى سوق السماكين.
السلطان: والمكافأة.
العجوز: لا أريد شيئاً يا مولاي.
(تبتسم وتنسحب خارجة من المسرح وسط دهشة الجميع).
إظلام
( سِتار )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اسم المؤلف : هيثم بهنام بردى.
اسم الكتاب : الحكيمة والصياد، مسرحية للفتيان.
تصميم الغلاف : الفنان لوثر ايشو.
الرسوم الداخلية : الفنان عمر طلال.
الطبعة الأولى : 2007 م.
المطبعة : بيريفان – اربيل.
رقم الإيداع في مكتبة المديرية العامة للثقافة والفنون /        اربيل ( 210 ) لسنة 2007 م.

ليست هناك تعليقات: