لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الخميس، 29 سبتمبر 2011

"السلة" قصة للأطفال بقلم تيسير حامد

السلة
تيسير حامد
حدثتني جدتي عن حكاية سلةٍ صغيرةٍ ، ليست كبقية السلال ، جميلة ، لطيفة ، ناعمة ، لكنها قوية ، تبتسم دائما ً، وتبكي أحيانا ً، وتتكلم ..!!

جدتي تصنع سلالها من القش ، تجمعه من جنبات الوادي القريب ، تنقعة بالماء أياماً ، تفرده كسجادةٍ كبيرة في فناء المنزل ، تقلبه ، حتى يجف تحت أشعة الشمس ، ثم تضفي علية أصباغاً زاهية من لحاء الشجر ، حتى تغدو أعواده صقيلة ً أنيقة ، ونحيفة ، كسيقان فراخ الفلامنكو الوردية الطويلة الدقيقة..!!

الوان القش المتماهية الملتمعة تحت شمش ضحى الربيع ، تجذب الدجاجات ، فتطردها جدتي ، وتلاحقها بعصاها وهي تتوعدها ، إن هي عادت ، ستكسر أرجلها وتقطع مناقيرها ، حتى لا تفسد كنزها الثمين ، ومبعث فخرها في جلساتها مع عجائز القرية ..!!

عندما همّتْ بصنع سلالها كعادتها في كل عام ، قفزت لرأسها فكرةٌ جديدة ..!

" لمَ لا أصنعُ سلةً أهديها للحفيدة الصغيرة ، تلهو بها ، وتضع فيها عرائس القماش التي تصنعها أمها من بقايا الثياب وحبات الخرز والأزرار المهملة ؟؟ حتما ستدخل السرور إلى قلبها الغض .. يا لها من فكرةٍ رائعة ..!!"

فالصغيرة لم تكمل ربيعها الخامس بعد ، يطيب لها دوماً ان تجلس بجوارجدتها ، تصغي لحكاياتها الجميلة المكررة ، وتخاف وتحزن عندما تضع العجوز يدها المتغضنة على جانب صدرها الأيسر لتبث شكواها من وخزةٍ في قلبها المنهك ، ولا تجد بجوارها غير تلك الصغيرة ..!!

تعودت ان تندفع إلى غرفة الجدة فتحضرَ غطاء رأسها كلما سمعتْ طرق الباب ، ، فلربما كان الزائر رجلاً ، لقد حفظت الصغيرة مهامها جيداً ، تناول الجدة عصاها عندما تهم بالوقوف ، وتحضر لها فيما تحضر ، طقم أسنانها المستعار ، وبسرعةٍ هائلة ، فقد ألِفَتْ مكانه جيدا ، في الإناء الفخاري المملوء بالماء والملح بجوار الموقد ، وتنبهها عندما يرتفع صوت المؤذن منادياً لصلاة الظهر ، فحاسة السمع عند جدتي تقاعدت منذ زمنٍ طويل ...!!

ثم ما لبثت الجدة أن إسترسلت بخيالها :

لا شك أن الصغيرة التي يعيقها قليلا مرض شلل الأطفال منذ خطواتها الأولى ، تستحق ذلك ، ولسوف تطير فرحاً ، فهي لا تملك ألعاباً كبقية أطفال القرية ، وتستحضر الجدة بحسرة بالغة ، بكاء الصغيرة ودموعها ، عندما ترى طفلاً يحتضن لعبةً جميلة ..!!

حل الصيف ، موسم الجدة المفضل ، سلالاً ثمانٍ كبيرة متقنة بحق نسجتها ، تشكلت بين يديها المتغضنتين ، وما إن أوشكت على الإنتهاء في يومها الرابع ، حتى طلبت إلى الصغيرة الجلوس عن يمينها ، أحضرت آخر حزمةٍ من القش ، وضعتها في حجرها بطريقةٍ مستعرضة ، مسحت عليها بكفها وهي تقرأ المعوذتين ، وتتمتم ببعض الأدعية والأوراد ، والصغيرة تنظر إليها بدهشةٍ وحيرة ، وضعت الجدة يدها على فمها وهي تنظر للصغيرة ففهمت الصغيرة أنها إشارة الصمت ، وتابعت فقرأت آياتٍ من القرآن مما تقرأه في صلواتها ، ثم غطت وجهها بكفيها وأغرقت في الدعاء ...!!

وما هي إلا لحظات حتى إنهمكت الجدة في نسج السلة الصغيرة ، وبدأت معالمها تتكشف رويداً رويداً ، والصغيرة تراقب بحبورٍ ظاهر .

رائعةً هذه السلة ، تهللت أسارير العجوز ، وآثرت أن تجعلَ لها مقبضاً واحداً على هيئة قوس من قشٍ مجدول ، وحرصت أن يكون لون المقبض مختلفاً ، مما زاد من غبطة الصغيرة المتلهفة .

ما أن إنتهت الجدة من عملها ، حتى علت وجهها المتجعد المستدير بوشمه المعتق ، إبتسامة مشوبة بالفخر والرضى عما صنعت ، رفعت السلة الصغيرة بكلتي يديها قبالة وجهها في الهواء ، طارت الطفلة لتخطفها من يدي الجدة ، فازتْ الصغيرة بتحفتها ، ركضت بها إلى الداخل ، لملمتْ عرائسها المتناثرة ، نادتها بأسمائها ، وضعتها واقفةً في سلتها كجندٍ متأهبينْ ، وخرجت إلى الفناء وهي تلوح بها كبندول ساعة ، وتحني برأسها فوق كتفها الأيمن وهي تقول : لن أسمح لإبنة الجيران أن تلعب بها ....!!

ثم جلست على حافة الحوض المزروع ووضعت السلة أمامها ، وبدات تكتب ميثاقاً غريباً ، تعدد للسلة بنوده كأنها تعلن معاهدة دفاعٍ مشترك ، تشير بسبابتها كقائد صارم ، وتوميء برأسها ، وتعاهدها ان تحفظ ميثاقها هي أيضاً ، فلا تفارقها يوماً ، وتحافظ عليها ، نظيفةً دائماً ، وتضعها بجوارها عندما تنام ، لا تتركها عرضةً للغبار والشمس وفضول القطط والكلاب ، ولا تضع فيها ما لا تحب ، ولا تتركها وحيدةً يوماً ، وأن تبقي بداخلها مصحفاً صغيراً ، وفرشاة رسم وسنبلة قمح ..!!

همهمت السلة بألفاظٍ غير مفهومة ، فهمت الصغيرة أن السلة أقّرّتْ الميثاق أيضاً ، مرت فراشة اثناء المراسم ، كانت الشاهد الوحيد ، وعلا صوت المؤذن فلم تنس الصغيرة أن تذكّر جدتها بالصلاة ، ثم عادت لتنشد للسلة ما تحفظة من أناشيد ...!!

تعلمت الصغيرة لغة السلة ، ولم تنقض ميثاقها أبداً ...!!

قيل يوماً أن أفعى تسللت إلى السلة والصغيرة نائمة ، وإختبأت بين عرائسها وعندما إستيقظت ، سمعت السلة تبكي بصوت متهدج ، تذكرت الميثاق ، فقرأت المعوذتين ، فخرجت الأفعى من السلة إلى سبيلها ، وقيلَ أيضاً ، أن السلة إهتزت يوماً بقوة ً ، لتنبه الصغيرة إلى ثعلبٍ كانَ يتعقبها ويتحين الفرصة للإنقضاض عليها ، فنَجَتْ الصغيرة والسلة معاً ، ويوم مرضت الصغيرة كانت السلة تهمس لها بكلماتٍ رقيقة حانية ، خففت عنها مرارة المرض ، ولم تكن تنام حتى تطمئن عليها ..!!

كبرت الصغيرة ، وتزوجت وتركت سلتها أمانة عند جدتها ، فيما ظلت السلة صغيرة كما هي ، لكنها إتسعت دوما لكل عرائسها وأحلامها ، وفي يومٍ من أيام الشتاء الباردة ، ماتت الجدة ، فحزنت السلة حزناً شديداً ، ذهبت إلى رفيقتها ، أنبأتها ، وأجهشت بالبكاء عند قدميها ، وعاهدتها أن تحفظ لها أيضاً مع أسرارها وأحلامها وعرائسها وريشة الرسم والسنبلة ، ذكريات الجدة ، وثوبها وغطاء رأسها وعصاها أيضاً ، وأمنيةً جديدة ...!!

الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

"فرقة النملة الموسيقية" قصة للأطفال بقلم روضة السالمي

فرقة النملة الموسيقية
روضة السالمي
كان يا ما كان في قديم الزمان، كانت هنالك النملة تخرج إلى السوق كلّ يوم، فتجمع فتات الخبز وما تساقط من حبوب، وما تيسّر من بقايا الفاكهة، وتحملها على ظهرها إلى بيتها، لتخزن مؤونة الشتاء. 
وكانت تنام مبكّرة من التعب والإعياء، لتفيق في الصباح متحمّسة للعمل وتحصيل رزقها.

إلى أن اتخذ الصرصار مسكنه جوارها، فحرمها لذّة النوم، والراحة بعد التعب. فقد كان يلذّ لهذا الجار أن يقيم كلّ ليلة حفلة موسيقية يدعو لها كلّ أصحابه.. تحمّلت النملة طباع جارها السيّئة بعض الوقت. غير أنها لم تعد تقوى على قلّة النوم في الليل ومشقة العمل في النهار. فنقص مردودها، وفترت همّتها، وأصابها الإعياء، ولم تتمكّن من تحصيل مؤونة الشتاء.

فكّرت النملة طويلا قبل أن تطرق ذات يوم باب جارها. ففتح لها الباب صرصار وسيم مفتول العضلات، وهو يتثاءب، فقد كان منهكا بعد ليلة صاخبة قضاها يرقص ويغني.

قالت النملة:
- صباح الخير يا جاري العزيز..
فأجابها الصرصار:
- صباح الخير.. ماذا تريدين؟
فقالت النملة:
- جئت أطمئن على صحتك وأسألك إن كنت قد فكّرت في جمع مؤونة الشتاء؟
فقال الصرصار مستغربا:
- ولماذا أفكّر في جمع مؤونة الشتاء ما دمت يا جارتي العزيزة قد فعلت ذلك
فسألته النملة:
- ماذا تقصد؟
فأجابها الصرصار:
- ألست تجمعين ما يكفيك ويكفيني من المؤونة لنأكله طيلة الشتاء؟
فقالت النملة متلعثمة:
- أجل، أجل... كنت بالفعل أودّ ذلك، لكنني وجدت في الآونة الأخيرة صعوبة في النوم، وعندما أستيقظ صباحا أحس بتعب ووجع في رأسي يمنعني من التركيز في العمل..
فقال الصرصار:
- ولماذا يا جارتي، ماذا حلّ بك؟
فأجابته النملة:
- لقد التوى كاحلي، ولم يعد بمقدوري العمل لبعض الوقت..
فقال الصرصار:
- مسكينة يا جارتي، ماذا ستفعلين والشتاء على الأبواب؟
فقالت النملة:
- لهذا السبب جئت إليك أطلب المعونة
فاستغرب الصرصار:
- وكيف لي أن أساعدك؟
فقالت النملة:
- فكّرت أنه بمقدورك أن تقرضني من وقتك ساعة كلّ يوم، لتحمل معي بعض المؤونة، وسأجازيك عنها ضعف نصيبي من المحصول...
فقال الصرصار:
- ولكنني غير معتاد على العمل، ولا أعرف كيف أحمل حبة قمح واحدة
فأجابته النملة بحماس:
- لا تخشى شيئا.. سأعلمك كيف تجمع فتات الخبز وحبوب القمح...

فكّر الصرصار قليلا، ثم وافق على فكرة النملة، خاصة وأنه سيجني منها الكثير. واتجه مع النملة إلى السوق، وكانت تلك أوّل مرّة يذهب فيها إلى ذلك المكان نهارا. فرأى الناس النشطين يغدون ويروحون في كلّ اتجاه وسمع أصواتا متداخلة وضجيجا كثيرا، فقال للنملة بأنه لم يعتد على سماع مثل هذه الضجة، لأنه حين يغني في الليل يكون السكون قد عمّ أرجاء المكان..

وفي تلك الزيارة الأولى للسوق التقت النملة بالعديد من الأصدقاء، فعرّفتهم على جارها الصرصار، وقدّمته إليهم على أنه مساعدها الجديد. وتبع الصرصار النملة في كلّ مكان توجّهت إليه، ورغم أنه وجد مشقة في البداية في حمل حبة القمح على ظهره، فقد تمكّن من حملها والحفاظ على توازنه والذهاب بها إلى مخزن جارته النملة، والعودة سريعا إلى السوق لحمل قطعة من الخبز أو بعض الفاكهة.

وهكذا قضى الصرصار أول يوم في العمل.. وعند المساء، لم يستطع أن يقيم حفلته كالعادة، وسرعان ما استغرق في النوم، وكذلك فعلت جارته النملة التي استمتعت بسكون الليل وغطت في نوم عميق.

وفي صباح اليوم التالي، استيقظت النملة مسرورة متحمّسة للعمل، واستيقظ الصرصار متعبا، متورّم الأقدام، موجوع الظهر، لكن ما كان يزعجه أكثر هو عدم تمكّنه من تنظيم حفلته المعتادة. وعندما جاءت النملة لتصطحبه معها إلى السوق، أخبرها بأنه لا يستطيع الوقوف على أقدامه من كثرة التعب.

فهوّنت عليه النملة، وأخبرته أن ذلك طبيعي، وقالت له أن يفكّر في أيام الشتاء القادمة التي سينعم خلالها بالدفء والطعام الوفير.. ولما أبدى شكّه في إمكانية المواصلة، أخبرته له بأنها ستمكّنه من يوم راحة أسبوعية يقيم خلالها حفلته، ووعدته بالمشاركة ودعوة أصحابها أيضا، وأكّدت له بأنه يمكنه قضاء الشتاء كلّه في العزف والغناء. أعجب الصرصار باقتراح النملة، واقتنع بحججها وكلامها، ورافقها إلى السوق. وتمكّنا يومها من جمع الكثير من المؤونة، وواصلا العمل طيلة أشهر، حتى أن مخزن النملة لم يعد يتسع لكلّ القمح وفتات الخبز الذي جمعاه.

فكّر الشريكان في حلّ، واتفقا على الاستمرار في هذا النسق، ومواصلة تجميع المؤونة، ووضعها في بيت الصرصار.. وهكذا انقضى فصل الصيف، وحلّ فصل الخريف. فنوّع الصرصار والنملة من المؤونة التي يجمعانها، فجمعا حبات العنب، والرمان، والزبيب، حتى أنهما تمكّنا من جمع بعض الزيتون، والسفرجل، والتمر.

ومرّ الخريف، بلمح البصر. وأصبح الصرصار بارعا في اقتناص أجود أنواع الحبوب والفواكه. وانضمّت النملة إلى الفرقة الموسيقية التي يرأسها الصرصار، بعد أن قضت ليالي الخريف في التدرّب على الرقص والعزف على العود. وأصبح بيت الصرصار، كلّ نهاية أسبوع، قبلة لكلّ أنواع الحشرات التي تحبّ الحفلات الراقصة.

حلّ الشتاء بأيامه الباردة. وكانت النملة في زيارة لجارها الصرصار، نظرت من النافذة، فتذكّرت سهرات المواسم المنقضية، واستغرقت في ذكرياتها لأسعد صيف وخريف قضتهما في حياتها... عندها اقترب الصرصار منها، قدّم لها كأس عصير، وسألها:
- هل تحنين مثلي لتلك الأيام؟
فأجابته النملة متنهدّة:
- لقد كانت أياما جميلة..
تنهّد الصرصار وقال:
- أجل، كانت أجمل أيام حياتي...
صمتت النملة قليلا ثمّ قالت له بعد أن ارتشفت بعضا من العصير:
- يبدو أن الشتاء سيكون طويلا هذه السنة..
هزّ الصرصار رأسه موافقا، ارتشف بعض العصير، ووقف ينظر من خلال النافذة، وقال بعد صمت قصير:
- لقد اشتقت للأصدقاء، وكل تلك الأوقات المرحة التي قضيناها معهم..
صمت الصرصار والنملة بعض الوقت، وغرق كلّ منهما في أفكاره، إلى أن قطعت النملة الصمت قائلة:
- وجدتها... أجل وجدتها..
التفت الصرصار نحوها متسائلا:
- ماذا وجدت؟
وضعت النملة كأس العصير على الحافة النافذة، نظرت إليه، وقالت:
- أعتقد أنه بإمكاننا استعادة ذلك الزمن الجميل...
نظر إليها الصرصار مبتهجا ، وقال لها:
- هل تقصدين؟..
فأجابته النملة بسعادة:
- أجل، ما المانع؟ يمكننا فعل ذلك..

لم يمض على تلك الأمسية بضعة أسابيع، حتى شرع الصرصار والنملة في تنفيذ فكرتهما، فقاما ببيع نسبة مما جمعاه من مؤونتهما ليحصلا على التمويل الضروري، وشرعا في تنفيذ أشغال بناء جمعا بفضلها منزليهما معا، بعد أن أزاحا الجدار الفاصل بينهما، فأصبح لديهما غرفة استقبال كبيرة جدةّ تتسّع لعشرات المدعوّين، وجهّزا فضاء لبيع العصير والمرطبات، وأعدّا مطبخا احتوى على أفضل المعدّات لصنع العصير الغلال ومنتجات الحبوب التي جمعاها طيلة الصيف. واقتنيا أثاثا جديدا، وأدوات موسيقية جعلت من منزلهما قبلة السمّار في ليالي الشتاء الطويلة، في انتظار موسم العمل القادم، مع حلول فصل الصيف.





الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

حاسوب ينظف البيت" قصة للأطفال بقلم نادر أبو تامر

حاسوب ينظف البيت
نادر أبو تامر
بدّي حاسوب، بدّي حاسوب، بدّي حاسوب... بدّي أحكي مع أصحابي على الانترنت... بدّي أعمل دردشة معهم.... بهذه العبارات ظلّ رامي يلحّ على أمّه حتى تشاورت مع البابا وقرّرا في النهاية أن يشتريا له ولإخوته حاسوبًا...

قرّرا شراء الحاسوب ليس لأنّه لم يتوقف عن المطالبة، بل لأن البيت بحاجة لحاسوب إضافي، عدا حاسوب البابا والماما.

أمس أحضرت الماما حاسوبًا جديدًا وركَّبّتْهُ في غرفة المكتب.

جلس رامي أمام الحاسوب ساعات طويلة.

طلبت منه أمّه أن يرتاح قليلا ويحضّر وظائفه ويرتّب غرفته، لكنّه لم ينتبه حتّى، كأنّه لم يسمع كلام أمّه.

عندما عاد أخوهُ أمجد من ملعب كرة القدم طرح عليه السّلام، لكنّ رامي لم يجبه، كأنّه لم يسمعه.

رامي يحبّ الحاسوبَ أكثرَ من أيِّ شيءٍ آخر. ما عدا البابا والماما وإخوته. يجد فيه الكثير من المعلومات والفائدة ويتراسل مع أصدقائه ويلعب.

لكن، منذ اشترى هذا الجهاز فهو لا يفعل حتّى ما يطلبه منه أبوه وأمّه، مع أنه في الماضي كان يلبي طلباتهما بسرعة.

في أحد أيام العطلة استيقظ رامي مبكّرًا. سارع إلى غرفة المكتب قبل أن يغسل وجهه بالماء والصابون، وقبل أن يفرك أسنانه. حاول تشغيل الحاسوب، لكنه لم يعمل.

ذهب إلى غرفة أمّه التي تنهض مبكرًا لتراجع موادّ الجامعة، وطلب منها تشغيل الحاسوب.

قالت له: الحاسوب لن يعمل إلا إذا رتّبت غرفتك.

ألم أرتّب غرفتي اليوم؟، سألها رامي مستغربًا من نفسه.

اِذْهَبْ إلى غرفتك وافحصْ بنفسك.

عاد إلى الغرفة فكانت فيها فوضى عارمة.

وضع رامي الشرشف على سريره. أعاد كرسيّ المكتبة إلى مكانه. أخذ الأوراق المبعثرة وَوَضَّبَهَا. وَضَعَ الكتبَ والدفاترَ في الحقيبة.

وانطلق إلى غرفة المكتب. شاشة الحاسوب كانت مظلمة.

سألته أمه: هل قمت بكل ما يجب أن تفعله؟

قال رامي: لا، لم أنسَ شيئًا. لماذا لم يعمل الحاسوب؟

لا بدّ أنّ هناك شيئًا لم تفعله كما يجب، قالت أمّه وتابعت في تحضير حقيبتها، لأنّها بعد قليل ستغادر إلى الجامعة حيث تعمل هناك.

أسرع رامي إلى الحمّام، غسل وجهه، فرك أسنانه ومشّط شعره قبل ان تخرج أمّه من البيت وذهب إلى الحاسوب، فعمل الحاسوب هذه المرّة بصورة عاديّة.

ودّعته أمّه قبل أن تغادر لكنّه لم ينتبه لها. فاقتربت منه وقبّلته. قبّلها رامي بسرعة قبل أن يخسر في اللعبة التي ركّبها له صاحب محلّ الحواسيب، وعاد إلى اللعب المثير، وحتى نسي أن يفحص إذا أقفلت الماما الباب قبل مغادرتها.

في اليوم التالي أفاق رامي مبكّرًا وسارع إلى الحاسوب فلم يعمل. عاد ورتّب غرفته وأوراقه وحقيبته وفرك أسنانه و... و... ذهب إلى الحاسوب وشعر بسعادة كبيرة لأنّ الحاسوب كان يعمل.

سأل أمّه يومًا، لماذا لا يعمل الحاسوب إلا إذا رتّبت غرفتي؟

فقالت له: هذا سرّ!!

في الأيام القادمة رتّب رامي غرفته قبل الذهاب إلى الحاسوب. وهذا ما صار يفعله كلّ يوم. يرتّب أغراضه ومن ثم يذهب إلى الحاسوب ليلعب. وهكذا صارت غرفة رامي مرتّبة طوال الوقت. رامي لا يغادر غرفته قبل أن يرتّبها.

وذات يوم دخل إلى غرفة المكتب فلاحظ أن الحاسوب مفصول عن الكهرباء، فعرف أن الماما تفصله عن الكهرباء بعد أن ينام، وفي الصباح لا تربطه من جديد إلا إذا رتّب غرفته.

ضحك رامي لأنه عرف السرّ، وأخبر إخوته الذين تعوّدوا هم أيضًا على ترتيب غرفهم قبل البدء بأي نشاط في يومهم الجديد.

الاثنين، 26 سبتمبر 2011

"عقوق الوالدين" مسرحية للأطفال بقلم عبدالكريم وحمان

عقوق الوالدين

عبدالكريم وحمان*

المشهد الأول
في بيت
الأم ( تنادي ) : محمود .... محمود .... تعالى أرجوك يا بني..
محمود ( يظهر . يتأفف ) : أأأأوف.... ماذا تريدين يا ماما ؟
الأم : أرجوك يا بني أن تذهب إلى الجزار و تحضر لي نصف كيلو لحم.
محمود : لن أذهب .... اذهبي أنت إذا أردت أن تشتري شيئا.
الأم : و لماذا لا تذهب يا بني ؟ تعرف أنني مشغولة بتجهيز الطعام و غسل ملابسك التي قمت بتوسيخها بعد أن لعبت في الوحل.
محمود : أأأوف .... أنا ليس لدي الوقت للذهاب إلى الجزار .... فقد وعدت صديقي يوسف أن ألعب معه.
الأم : رضي الله عنك يا بني . أجلب لي اللحم و اذهب أينما شئت مع صديقك يوسف.
محمود : لقد أخبرتك أنني لن أذهب. .... لن أذهب
يدخل الأب
الأب : ما بك يا أم محمود ؟ ما كل هذا الصراخ ؟ ماذا هناك ؟
الأم : لقد طلبت من محمود أن يشتري لي نصف كيلو لحم من عند الجزار و لكنه أصر على الخروج مع صديقه يوسف للعب .
الأب : أرجوك يا بني ، اصغ لأمك و لا تكن عاقا.
محمود : أنا أريد أن ألعب ، لا أن أصبح خادما كلما احتجتم لشيء ناديتم علي.
الأب : اقترح عليك شيئا يا محمود : إذا اشتريت اللحم لأمك أعطيك درهما لتشتري شوكولاطة.
محمود : شكولاطة ؟ لقد كبرت على الشوكولاطة يا أبي . اعطني خمسة دراهم لألعب ألعاب الفيديو إذا أردت أن أجلب لأمي اللحم.
الأم : لا فائدة من هذا الولد العاق يا أبا محمود.... سوف أذهب بنفسي لشراء اللحم.
محمود : أبي ، ألن تعطيني خمسة دراهم لأشتري لأمي اللحم ؟
الأب : لن أعطيك شيئا . اذهب و العب مع صديقك .... أطلب فقط من الله العلي القدير أن يهديك و يصلحك. ( يلتفت للأم ) سوف أذهب لشراء اللحم . لا داعي أن تتعبي نفسك يا زوجتي.
محمود ( يهز منكبيه ) : لو أعطيتني خمسة دراهم لأرحتك من مشقة هذا المشوار.
يخرج محمود من يسار المسرح و الأب و الأم من يمين المسرح .

المشهد الثاني
في الشارع
محمود و صديقه يوسف .
يوسف : لقد أعطاني أبي خمسة دراهم ... سوف أذهب لألعب لعبة الفيديو. ألن تأتي معي؟
محمود : لقد رفض والدي أن يعطيني المال .
يوسف : أما أنا ، فقد أعطاني أبي عشرة دراهم قائلا أنني ولد صالح أستمع لقوله و أنفذ أوامره و لا أتأخر في العودة للبيت.
محمود : أما أنا ، فليس لدي الوقت لمساعدة والدي.... أنا ما زلت صغيرا و لن أشقى منذ الآن . إذا أراد والداي شيئا فليعتمدا على نفسيهما.
يوسف : و لكن ، ألم تستمع إلى المعلم في المدرسة و الذي قال لنا أنه واجب علينا أن نطيع والدينا و أن نسعى لراحتهما؟
محمود : والداي لا يزالان بصحة جيدة و يستطيعان الاعتماد على نفسيهما.
تظهر فتاة في ملابس متسخة . الفتاة تبدو كمتشردة
الفتاة ( تتوجه بالحديث إلى محمود ) : أرجوك أيها الولد أن تجلب لي كأس ماء..... فأنا عطشانة و أكاد أهلك.
محمود ( ينظر إلى الفتاة باحتقار ) : أغربي عن وجهي أيتها المتشردة التي ترتدي ملابس متسخة.... هيا أغربي عن وجهي قبل أن أرجمك بالحجارة.
يوسف ( يخاطب محمود ) : توقف عن هذا الكلام الغير مؤدب يا محمود . ( يلتفت إلى الشابة ) سوف أجلب لك كأس ماء ...... هل تريدين خبزا أيضا ؟ هل أنت جائعة؟
الشابة : بارك الله فيك أيها الولد ..... كأس ماء يكفي.
يوسف : سوف أعود حالا.
يخرج يوسف .
الشابة : و أنت يا محمود ، ألا تسعى لفعل الخير مثل صديقك يوسف ؟
محمود ( مستغربا ) : كيف عرفت اسمي و اسم صديقي أيتها المتشردة ؟ من أخبرك باسمي ؟
الشابة ( تبتسم ) : سوف أخبرك حالما يعود يوسف و أروي ظمئي.
يدخل يوسف حاملا كوب ماء .
يوسف : تفضلي كأس الماء و اشربي هنيئا أيتها الشابة .
الشابة : بارك الله فيك يا يوسف ( تأخذ كأس الماء و تشرب )
يوسف : و لكن ، من أخبرك باسمي ؟
الشابة : سأخبركما بسر : أنا في الحقيقة لست متشردة ، ولكنني أميرة أسكن في قصر جميل
و أملك مالا كثيرا . و أنا أقوم دائما بالتخفي في هذه الملابس الرثة حتى أمتحن الأطفال مثلكم.
يوسف : أميرة؟؟؟ تمتحنين الأطفال؟؟؟
الأميرة : أجل ، و قد نجحت أنت يا يوسف في الامتحان . و لذلك سوف أجازيك و أعطيك هذه اللؤلؤة الغالية مكافأة لك. ( تخرج لؤلؤة من سترتها )
يوسف ( يأخذ اللؤلؤة و ينظر إليها غير مصدق ) : لؤلؤة لمجرد أنني جلبت لك كوب ماء؟
الشابة : هذا نظرا لخلقك الكريم و قلبك الطيب و مساعدة الغير.
محمود : أنا أيضا أريد لؤلؤة .... سوف أجلب لك كوب ماء حالا و تعطيني لؤلؤة مثل صديقي يوسف.
الشابة : أنت فشلت في الامتحان ، كما و أنني أعرف أنك عاق لوالديك. لذلك لن أعطيك لؤلؤة مثل صديقك يوسف الطيب و المطيع لوالديه.
محمود : أنا أيضا طفل مؤدب و مطيع لوالدي.
الشابة : إني أرى أمك قادمة . سوف أسألها و أعرف منها إن كنت تقول الصدق أم تكذب.
تدخل الأم .
محمود ( مخاطبا أمه ) : ماما ، أرجو أن تخبري هذه الأميرة أنني مطيع لوالدي و مؤدب و لست عاقا لوالدي حتى تعطيني لؤلؤة غالية.
الأم : للأسف يا أميرة ، ابني محمود عاق و لا يستمع لما أقول . و لا يتوقف عن إجابتي بأأأأوف كلما طلبت منه شيئا.
الشابة : أرأيت ؟ لذلك لن أعطيك لؤلؤة مثل يوسف.
محمود : أعدك أيتها الأميرة أن أصبح من الآن فصاعدا مطيعا لوالداي و لن أعصي لهما أمرا و أنفذ كل ما يطلبانه مني.
الشابة : سوف أذهب الآن دون أن أعطيك شيئا . و لكن سوف أعود في السنة القادمة مرة أخرى و أرى إذا غيرت من تعاملك مع والديك. عندها فقط أعطيك لؤلؤة و أبشرك بشرى جميلة و مفيدة لك.
محمود : أعدك أن أكون مطيعا لوالداي... أعدك أيتها الأميرة . و أعتذر لك عما بذر مني من جفاء و قسوة اتجاهك .
الشابة : لن أثق بك حتى أعود مرة أخرى في السنة القادمة و أسأل أمك عن تصرفاتك.
الأم : و أنا سأخبرك بكل أمانة إذا ما تغير أيتها الأميرة و لن اكذب عليك.
الشابة : سأذهب الآن لأمتحن أطفالا آخرين في الأحياء الأخرى.... إلى اللقاء في السنة القادمة.
محمود ( يلتفت لأمه ) : هل ما زلت بحاجة للحم من عند الجزار ؟ سوف أذهب حالا يا أمي لأجلبه لك . ( يقبل يديها ) و أعتذر لك يا أمي عن تصرفاتي السابقة و أعد ك أن أكون مطيعا من الآن فصاعدا. ( يخاطب يوسف ) رافقني يا صديقي يوسف عند الجزار.
يخرج محمود و يوسف من الجهة اليسرى .
الأم : أرجو فعلا أن تتغير يا بني و تحافظ على وعدك و تكون مطيعا و طيبا معي و مع والدك.... أصلحك الله يا ولدي و هداك إلى فعل الخير.
تخرج الأم من الجهة اليسرى.

المشهد الثالث
يدخل محمود و يوسف .
يوسف : أين تأخرت يا محمود ؟ فقد كنت انتظرك منذ عشرة دقائق .
محمود : أرجو أن تعذرني . فقد أرسلتني أمي لشراء بعض الخضر من السوق.
يوسف : أرى أنك تغيرت منذ لقائنا مع الأميرة المتخفية في ملابس المتشردة.
محمود : لقد تغيرت منذ التقيناها منذ عام مضى . فلم أعد ألعب في الوحل كي لا تتسخ ملابسي . كما و أنني لم أعد أزعج والداي بصراخي و إلحاحي عليهم إذا ما رفضوا أن يعطوني شيئا...
و لقد استحسنا والداي هذا التغيير و أصبحا دائم الدعاء لي بالنجاح في دراستي و أن يجنبني الله رفاق السوء.
تدخل الشابة دائما في هيئة المشردة.
يوسف : أنظر يا محمود ، إنها الأميرة . لقد عادت كما وعدتنا في السنة الماضية.
الشابة ( مبتسمة ) : مرحبا يا أولاد .... كيف حالكم و حال عائلاتكم ؟
محمود : بخير و الحمد لله أيتها الأميرة .
الشابة : كيف هي تصرفاتك مع والديك يا محمود ؟ هل ما زلت عاقا لوالديك ؟
محمود : كلا أيتها الأميرة ، لقد تغيرت كثيرا و يمكنك أن تسالي يوسف عن تصرفاتي . ( يلتفت إلى يوسف ) لقد لاحظت تغيرا كبيرا في تصرفاتي يا يوسف ، أليس كذلك؟
يوسف : أجل أيتها الأميرة. فمحمود الواقف أمامك مختلف تماما عن محمود الذي التقيته في السنة الماضية.
الشابة : هذا جيد ، ولكن يجب أن أسأل أمك عن تصرفاتك .... هلا ناديت عليها يا محمود؟
محمود : حالا أيتها الأميرة .
يخرج محمود و يعود و هو ممسك بيد أمه.
محمود : ها هي ذي أمي فاسأليها عن تصرفاتي .
الأميرة : هل صحيح أيتها الأم أن تصرفات محمود تغيرت و لم يعد عاقا لوالديه؟
الأم : لقد تغير كثيرا ... فقد أصبح مطيعا و مؤدبا و يسمع كلامي و كلام والده و يسعى لإرضائنا و يتجنب إغضابنا.
الشابة ( تبتسم فرحا ) : هذا جيد . أنت تستحق لؤلؤة من عندي. ( تعطيه لؤلؤة غالية أخرجتها من جيب سترتها )
محمود ( يأخذ اللؤلؤة فرحا ) : شكرا أيتها الأميرة الطيبة . ( يقدم اللؤلؤة لأمه ) هذه اللؤلؤة أهديها لك يا أمي. فأنت تستحقين هذه اللؤلؤة و كل كنوز الدنيا.
الأم ( تأخذ اللؤلؤة ) : شكرا يا ولدي. ( تلتفت إلى الشابة ) أرأيت أيتها الأميرة الطيبة مدى تغير تصرفات ابني محمود ؟
الشابة : لقد لاحظت ذلك.
محمود : و لكن يا أيتها الأميرة ، لقد قلت لي منذ سنة أنك سوف تعطيني لؤلؤة و تبشريني بشرى جميلة ... ما هي تلك البشرى يا ترى أيتها الأميرة الطيبة ؟
الشابة : البشرى هي أنك كلما أطعت والديك كلما أحبك الله و كافأك بالنجاح في حياتك و أدخلك الجنة التي يحلم بها كل مسلم و مسلمة.
محمود : هذه خير بشرى . و أعدك أيتها الأميرة أن أطيع والداي ما حييت و لن أغضبهما أبدا.
يوسف : و أنا أيضا أيتها الأميرة ، سوف أواظب على فعل الخيرات و طاعة والداي حتى أفوز بحب الله لي و يرضى عني.
الشابة : أنا سعيدة أنكم استوعبتم الدرس يا أولاد. ( تلتفت إلى الجماهير التي تشاهد المسرحية ) و أنتم أيها الأطفال ، هل تطيعون أولياء أموركم كما محمود و صديقه يوسف ؟ من يدري ، ربما أظهر فجأة أمام أحدكم و أمتحنه ... فواظبوا أيها الأولاد و أيتها الفتيات على طاعة الوالدين و لا تغضبوهم أبدا أبدا.

النهاية

* المغرب

الأحد، 25 سبتمبر 2011

"حابي الحزين"قصة للأطفال بقلم د.أميمة منير جادو

حابي الحزين

د.أميمة منير جادو

كان نهر النيل ينساب رقراقا عذباً بين الحقول ...لكنه كان حزيناً ...
لماذا كان النهر حزيناً ؟
لأنه كان يفكر في نفسه ويتذكر تاريخه العظيم ... كان نهر النيل العذب يقول في نفسه ..أنا حابي ..أنا حابي .. أنا نهر النيل العظيم ...منذ أيام أجدادنا الفراعنة وأنا أجري في مصر ...
أنا حابي كما أسماني أجدادي الفراعنة أي هبة الله للمصريين ...
كان أجدادي يحبونني ويقدسونني ... كان جدي الفرعون العظيم يحتفل بي و يعرف قيمتي ... أنا حابي ... أنا نهر النيل العظيم , أجري بين المزارع والحقول ,أروي الغيطان ..يخرج الزرع والثمار لبني الإنسان . خلقني الله وأجراني في أرض مصر من زمان ... من زمان ...
كان نهر النيل حزيناً لما يحدث له الآن ؟ لأنه يعرف قيمة نفسه بالنسبة لكل المصريين ... كان نهر النيل يحب مصر منذ زمان بعيد .
قال نهر النيل: كم أحب هذه البلد الجميلة .. الطيبة .. مصر...لكن أهلها يسيئون إلىّ كثيراً ...
نهر النيل يفكر فيما يحدث ويقول لنفسه :أنا نهر النيل ... أنا حابي العظيم ... تسبح في مياهي الأسماك ليأكلها الناس , أروي الغيطان , وأروي الطير والحيوان والأشجار و الإنسان ... أنا نهر النيل العظيم لا أترك أحداً أبداً عطشان , فلماذا يؤذيني البشر ؟
رأى نهر النيل طفلاًً يتبول فيه ,تضايق نهر النيل وقال :لماذا تلوثني يا بني ...؟ الطفل لم يسمع ومضى عنه ... رأى نهر النيل فلاحة تأتي بالملابس القذرة وتجلس على الشاطئ وتغسلها ثم تلقي بمياه الغسيل في نهر النيل .؟ غضب نهر النيل وقال لها :أرجوك لا تفعلي ذلك .. لكن الفلاحة غسلت كل الملابس وحملتها فوق رأسها ومضت من أمامه دون أن تبالي بحزنه .
جاء فلاح إلى نهر النيل , كان معه جاموسة وبقرة وعنزة وكلب , يربطهم بحبل طويل ويسحبهم إلى نهر النيل .. صرخ نهر النيل : ماذا تفعل أيها الفلاح ؟ ماذا تفعل ؟ أبعد هؤلاء عني ... لكن الفلاح لم يسمع ولا الحيوانات سمعت ... نزل الجميع في النهر ليستحموا وكان الكلب هو أيضاً يستحم ... تبول الجميع في نهر النيل ... ثم خرجوا منه ... , قال نهر النيل في أسف شديد : أنتم تشربون مائي العذب , وتستحمون فيه ثم تكافئوني هكذا ؟ هكذا تشكرونني على جميلي ومعروفي ؟ , كان نهر النيل حزيناً وقال في نفسه : كان جدي الفرعون الكبير يحبني ويقدرني ويمنع الشعب أن يلوثني بأي شئ ..., كنت نظيفاً وعذباً ونقياً لأن أولادهم كانوا يحبونني ويحترمونني ويقدرون ما أفعله لهم , فأنا واهب الحياة لمصر, ومصر هبة النيل لقد عرف الغرباء قيمتي ومكانتي أما أصحابي المصريون الآن لا يقدرون ذلك ؟ فلينتظروا ما سيحدث لهم ؟
أنا نهر النيل العظيم غاضب منهم , وغاضب عليهم , وحزين , لن أمنحهم عذوبتي بعد الآن ... هم فعلوا ذلك بأنفسهم ...
كان الأولاد يلعبون بجوار نهر النيل لكنهم ألقوا ببقايا طعامهم فيه ... وألقى رجال النظافة ببقايا الزبالة فيه ... وألقى الفلاحون بطيورهم الميتة وجثث حيواناتهم قال نهر النيل : انتظروا ما يحدث لكم ؟ إن مياهي صارت ملوثة إن مياهي الآن تنقل الأمراض ... فأنتبه أيها الإنسان ... انتبه ... حافظ على نظافتي حتى تحافظ على صحتك ... ولم يزل نهر النيل حزيناً ينتظر فعل الإنسان ... هل سيعود عما كان ؟
أصدر سيادة الرئيس قراراً بمعاقبة كل من يلوث نهر النيل ..فرح نهر النيل حابي العظيم وهو يقول : يارب الناس تسمع الكلام حتى أعود صافياً نقياً مثل زمان
.

السبت، 24 سبتمبر 2011

" محكمة الغابة" مسرحية للأطفال بقلم عزة راجح

محكمة الغابة
عزة راجح - مصر
مقدمة

 عندما يسود الظلم .. يطغى وينتشــــــر .، تمتد يد الشــر تحميه .. تعضده ..تساعده لكي ينتصروتكون له الغلبة علي الدوام
عندما يعجز الحق عن أن يرفع صوته علي الملأ ..، يخرج كالنور جهرا .. يقاوم الظلم .. يدحره ويقهره..، يعتلي العرش ، ويرفع رايته عالية خفاقة ..ليقول :أنا والخير قد وعدنا البقاء .. وإلي يوم الدين.
عندما نتخبط ونحن نرى الصورة سلبية ..، ومعكوسة .. نستغيث .. ولا من مغيث ..، تظلم الأشياء من حولنا .. تسقط بيد الظلم ، ليدوس أحلامنا ..طموحاتنا وآمالنا، فنصبح مجرد أشباح تمشي علي الأرض أو مجرد هواجس وهراء.. لابد أن نحتكم إلي قضاء عادل .. قوي معين ، لابد أن نلجأ "لمحكمة "
نعم .. وقد أصبحنا نحيا في غابة .. يأكل قويها الضعيف بلا خجل أو حياء..، يدوس قويها الضعيف بلا رحمة أوشفقة .. كان لزاما علينا أن نلجأ " لمحكمة"
محكمة نصابها الحب .. العدل ..، الرحمة والتسامح ، من أجل عالم يسوده
الحق والخير والجمال .

الشخصيات
1- الثعلب
2- النملة
3- الفأر (  الجرذ )
4- الفيل
5- الخرتيت (منزوع القرن .. ، مخلوع العين)
6- الأرنب
7- القرد
8- الأسد
9- اللبؤة
10- الشبل
11- الحمامة

الحيوانات.. أقنعة مطاطية يرتديها الممثلون

الفصل الأول
المشهد الأول


أضواءٌ خافتة لنور يميل إلي الاحمـــرار كأنه لغـــروب الشمس .. أصــوات متداخلة مشوشة خفيضة تأتي من خلف الكواليس .. كحفيف أوراق الشجـر.. وأصوات الحيوانات وصفير الهواء (تأثيرات صوتيه) .
الخلفـية لوحة لغابة بها أشجار كثيفة ممتدة إلي ما لا نهاية ..،من خلف  فروعها يظهر قرص الشمس الأحمر.. كأنه يبتعد عن الغابة .. ( لوحة لغابة كثيفة في وقت الغروب ) .
 علي المسرح .. بعض فروع الأشجار متناثرة بصـورة عشوائية غير منتظمة تنم عــن
آثار تدمير .
 فجأة .. يرتفع صوت من خلف الكواليس يبدأ واضحا جهـورا ..، يتدرج في الانخفاض
 إلى أن يتلاشى مع نهاية القول .. يقول الصوت :


في الغـابةِ.. تحيا الحيواناتْ
أسسٌ وقواعــــد .. تحكمُها
فالأقــوى .. دوما لبــــــقاءْ
دنيـــــا .. والخالقُ نظمَــها
للأقوى العرشُ .. له التاجْ
للغابةِ ينــهى .. يأمـــــرُها
مـــــلكٌ .. يخـــشاهُ الضعفاءْ
ووحوشُ الغـابةِ .. يأمنـُها
حـــــــدين ِ لسيفٍ .. قــــوتهُ
والقــــوةُ سيفٌ .. نعلمُـــها
فبهـــا .. قد نـــنصر أنفسنا
ولـها .. بالظلـــم ندمــــرُها
فالقــــوةُ إنْ تظــلم ..  شـرٌّ
والكلُّ يثـــــورُ .. ويلعنــُـها
واليـــوم .. تقول الحيواناتْ
في الغـابةِ .. ظلمٌ يقطنــُها

  فجأة .. تدخل الحيوانات إلي المسرح بوجوه غاضبة خائفة حزينة (   الخرتيت – القرد – الفأر –الأرنب البري -  النملة .. ، و تطير الحمـامة في سماء المسرح لتحط علي أحد الفروع المحطمة  (  حمامة ماريونيت )
تصطف الحيوانات أمام الجمهور برؤوس مُنكسة لتقول بصوتٍ غاضبٍ حزين :

 معنا في الغابةِ .. يحيا الفيـلْ
لكنَ الرحمــــــة َ.. يجهـلـها
فهــــوالعمــــلاقُ  .. العنتيـلْ
القـــــوة ُ.. ظـمًا  سخـــرها
فَبِهَا ..  قد أزهــــــقَ أرواحًا
ودمـــاءُ الغابةِ .. أهدرهـا
بجحــــور ٍ .. داستْ أقدامــهُ
زلزلَ أحجـارًا  .. حطمــــها
وصغارٌ .. بجحــــورٍ تصرخْ
وأدَ الصرخـات وأنكـــــرها
وبظلــــم ٍ .. صارَ يعاديــــــنا
النـــارُ بنا قـــــد أضرمهـــا
لم يرحمْ دمــــــعَ الضعفـــاءْ
بل عاشَ بحقـــــدٍ ينهمهـــا
الغابـــــة ُ ..  صـارت أطلالا
أشباحُ الموتِ .. تحاصرها
أوَنرضى الظلمَ من الفيـلْ ؟!
أوَنحني الرأسَ..ونقهرها؟

تتوقفت الحيوانات عن الكلام ..، تتفرق لتنتشر علي المسرح كلٌ يدور حول نفسه مفكرا
 في الحل .
 فجأة تتوقف جميعا .. كأنها استيقظت من غفوة .. أو أنها اتخذت قرارا جــــادا بعد عناء التفكير ..،  تنظر الحيوانات إلي بعضها البعض .. يعلو صوتها تقول :

أبدًا .. لن نخضــــــعَ للفيــلْ
لن نتركَ ظلمــــا يقهــــرُنا
إن نرضَ عن الحــــــقِّ بديلْ
ستئنُ الروحُ وتنهــــــــرُنا

 ترجـع الحيوانات علي المسرح خطــــوات للخلف .. ومن بينها .. يخــرج الخرتيت خطوات للأمام يتقدم الحيوانات يستدير .. ينظر إليهم وهو يقول:

نقتص اليــــوم َمن الفيـــــلْ
من ظــلم ٍ.. جاءَ يُدمــــرُنا
لن نصمت.. فالقلبُ ذليــــــلْ
والنفـــسُ بثأر ٍ .. تأمـــرُنا
والحــــقُّ .. معينٌ ودليــــــلْ
إن يهــــد خطانا .. ينصرُنا

  يستدير الخرتيت ليعود يقف في الخلف بين الحيوانات .. في حين ينتقل الضوء إلي القرد الذي  يقفز ..، يأخذ مكانه أمام الحيوانات .. ،يتوجه إلي الجمهور بالحديث قائلا :

للحــــق ِ.. كيفَ لنا السبيلْ
والخــــــوفُ يأكلُ قلبَنـــــــا
والفيـــــلُ .. ما كانَ الهزيلْ
لننــــــالَ منـــهُ قصاصَنـــــا
الهــــمُّ  ..  باتَ لنا يكيـــــلْ
بل باتَ يمــــــلكُ أمرَنــــــــا

يعبر الضوء على وجوه الحيوانات التي تردد جميعا بصوت يبدأ قويا  يتدرج في الانخفاض إلي أن يتلاشى تماما ...

للحق ِ.. كيفَ لنا السبيلْ
والضعفُ .. يأكلُ قلبنــــا

   فجأة .. يعلوصوت من خلف الكواليس .. يهز المكان ..، يومض الضوء مع الصوت
وهو يقول:

من ينصـــر الحــقَ النبيــلْ
من يرحم القلبَ الذليـــــــلْ
السلمُ .. صار المستحيــــلْ
والقبحُ .. باتَ له البديــــــلْ
و القولُ والفعلُ الأصيــــــلْ
بَاتَا الخيالَ .. المستحيـــــلْ
فالقولُ .. صارَ هو العويـــلْ
والفعلُ مكســــــورٌ .. هزيلْ
من يأتِ  بالحلــمِ الجميـــلْ
والحــقُّ .. يمضي له الدليلْ

تتفرق الحيوانات علي خشبة المسرح .. ،تبحث عن الصوت .. تفتش  بين فروع الأشجار المتناثرة هنا وهناك ..، وفي فتحات الكواليس .
فجأة .. يدخل الثعلب إلي المسرح  ..، يُسلط عليه الضوء وهو يقف باتجاه الجمهور ينحني .. يُحيي الجميع .. ،  تصفق كل الحيوانات اعجابًا بكلماته ..  يستدير إليها بعد تحية الجمهور ليواصل كلماته قائلا :

محكمةُ الغابةِ  ..  ننصبها
ولحــكمِ العدلِ .. سنطلبها
وغدًا .. تجتمعُ الحيوانات
ترفــعُ  للحق ِ ..  مطالبها

تخفض الحيوانات الرأس..في حين يصفق الأرنب  لكلمات الثعلب .. ويعلوصوته  يقول :

رأيٌ ميمـــــــــونٌ ولبيـــبٌ
محكمــةٌ في الغدِ .. ننصبُها
فالأمـــــــرُ خطيرٌ وعصيبٌ
يحتاجُ الحكمــــةَ َ .. يطلبُها
فالحـــــقُ .. أسيـرٌ وسليبٌ
دعوتهُ .. سدودٌ تحجبــُــــها
فلنقــــــوَ .. فللحــق ِ لهيبٌ
هـمم ٌلا شــــــيٌ .. يغلبـــُـها
محكمــــة ٌ .. فالعدلُ طبيبٌ
العلـــة ُ .. سوف يُطببُــــــها

يبتسم  الثعلب .. يقول للحيوانات  :

هيــا لمليكي .. لقضـــــاء ٍ
بصباح ِالغدِ .. هو ينصبهُ
بالحــــقِ ِ يناقشُ .. بدهاءٍ
الفيـــــلَ .. ليعرفَ مأربهُ

ينتقل الضوء إلى الخرتيت الذي ينظر إلى الثعلب وهو يقول:

مَنْ قــــــــــالَ أنَّ مليكنــــــا
سيعيدُ حقــًّـا بالقضــــــاءْ
ما الحــــــقُّ إلا حلمنــــــــا
أوَينفعُ اليوم الرجـــــاءْ؟!

يرد القرد على كلمات الخرتيت قائلا :

يا أنتَ هــــــذا دورنــــــا
لليثِ ..  هيـــا بالبكــــاءْ
بالدمعِ .. نرفــعُ أمــــرَنا
نروي له ســـرَّ البــــلاءْ
سيعيـــــدُ حتمًـا حقنـــــا
سيجيبُ للحـــق ِالنـــداءْ
فيعود الخرتيت يقول للحيوانات :

ما عـــاد حــــــقُّ يا رفاق
بالدمـــــع أو مـــرِّ البكاء
بل بالجهــادِ وباليقيــــــن
بالحــربِ وبحُــــرِّ الدماء

فيقول الفأر للخرتيت ولكل الحيوانات :

تلك المزاعـــمُ لا تفيـــــدْ
الغابُ .. دمـــــــرهُ العنيدْ
ما عادَ يحتمـــلُ المزيـــدْ
ما الحرب ُ بالرأي السديدْ

تنظر الحيوانات إلى بعضها البعض .. تعود تنظر جميعها إلي الثعلب .. لتردد في صوت
 واحد عال جهور :

هيــــــــا إذًا لمليكنـــــــــا
ندعو..ونخلصُ في الدعاءْ
فلربَّ محكمـــــــةٍ لنــــــا
تدعــــــو بما دعت السماءْ
بالقســـطِ .. تحفظُ حقنــا
وتـُقيــــــمُ بالقسطِ الجــزاءْ

 تخرج الحيوانات عن  المسرح يتقدمهم الثعلب .. في حين .. تطفأ الأنوار كأن الشمس
قد غابت وعمَّ الظلام ....

إظلام



المشهد الثاني
لوحــــة أشجـــار كثيفة وشمس مشـرقة حارقة أضــــواء صاخبة كأنها اشراقة الصبح
 ( خلفية المسرح ) .
إلي اليمين من  المسرح عرين الأسد مسلطة عليه الأضواء .. وقد تناثرت حوله قطع من جذوع الشجر وفروعها وبعض حطام لجحـــــور وأعشاش (آثار شغب وتدمير) .       
المكان يُخيم عليه الصمت لثوان .. بعدها تدخل الحيوانات بضجيجها وأصواتهــا المتعالية إلى المسرح ( الثعلب –الفأر – الحمامة – القرد - الخرتيت ) ..، تتجه  إلي عرين الأسد .. تخرج اللبؤة من العرين تنظر إلي الحيوانات .. تقول :

بَعْدُ الغضنفر في الفِراشْ
فلمَ التجمـــــــع والنقاشْ
ولمَا أتيتـــــــم مثلمــــــــا
النــــــورُ أدركهُ الفراشْ

تقترب الحيوانات خطوات من اللبؤة .. تهمُّ بالكلام ..، لكن يخرج الأسد من العرين ..، يفرك في عينيه وهوينظر إلى الحيوانات بدهشة .. ويقول :

أسمع أصواتا وضجيجــــا
للثــورةِ أنتمْ تجتمعــــونْ
أمْ حبًا .. جئتــــم أفواجًــــا
بمليكِ الغابةِ .. تلتفــــونْ

 يتقدم الثعلب الحيوانات ليقول :
بل نحنُ بحـــــبٍ لعظيــــم ٍ
جئنــا طمعـًــــا لو يُدركنا
ينصبُ محكــــمة ً للئيـــم ٍ
قد راحَ بشر ٍ .. يحرقنـــا

يحني الفأر رأسه .. يقول متألمًا :

جئنا .. والحزنُ كحيـــاتٍ
تلدغ ُ بالروح ِ .. لتهلكنــــا
لا نقـــوى .. نعدو  بثباتٍ
بيَـــدٍ .. تمتدُ .. تعضـــــدنا
أو جثث ٌ نمضي ..كرفــاةٍ
الضعفُ .. ذنوبٌ  تحرقنــا

فجأة .. تدخل النملة وهي تصرخ .. تقول :

يا ويلتـــــي .. يا ويلتـــــي
الفيـــــلُ حطـــــمَ مهجتي
قتلَ الصغـــارَ .. وصُحبتي
نحرَ الفــــــؤادَ .. ومقلتي

يقترب الفأر من النملة ، يربت على كتفها وهو منكس الرأس .. يقول  :

مهلا .. كفــــاكِ عزيزتـي
فمصابكــمْ .. كمصيبــــتي
مازلت أبكــــي زوجتـــي
أبكي أخــــي وصغيــــرتي
أبكـــي على الأرض التي
كانت دمـــــــي .. وهويتي

يخرج الخرتيت من بين الحيوانات ..، يقترب من الأسد ..، يشير إلى عينه وقرنه المكسور وجبهته التي يظهر بها آثار جرح غائر قديم .. وهو يقول :

انظـــــــرْ مليكـــي حالتـي
انظــــــرْ لعيني  .. جبهتي
انظـــرْ إلى القـــــرن ِالذي
قد كانَ حصنـي .. قلعـــتي
الآنَ .. أصبـــــحَ غائـــــرًا
فالفيــــــلُ ..  أسقطَ رايتي

يدخل الأرنب وهو مذعور إلى المسرح .. يقترب من الحيوانات وهو يبكي .. يمر بالواحد
 تلو الآخر وهو يقول :

وأنا  .. أتيتُ ودمعــــــتي
سبقتْ لتـــروي قصـــــتي
فالفيــلُ .. طاردَ أســـرتي
هدمَ الجحـــورَ .. وحُفرتي
بالغــــدر ِ ..داس كرامتي
سلــــبََ الحيــاة َ وعــزتي

يهز الأسد رأسه في حزن وأسى .. ثم يطرقها إلى الأرض .. فيتقدم الثعلب خطوات
من الأسد يقول :

أنت القــــــــويُ  مليكنــــا
مازلت تمــلك عرشــــــنا
أوَتترك الفيـــــلَ اللئيـــــمْ
بالوحـــل يطرحُ رأسنا ؟!

فيقول الخرتيت :

كيفَ الأمـــــورُ تستقيــــمْ
إنْ كانَ يُنكـِـرُ ليثنـــــــا ؟!
وبنا جميـــعًا .. يستهيـــنْ
ويدوس فـــــــوق رقابنـــا

تثور اللبؤة .. ترفع صوتها عاليا في وجه الحيوانات لتقول لهم بغضب :

ماذا دهاكمْ يا كــــــــرامْ ؟!
اليــــوم يُنكَـــرُ الاحترامْ؟!
أيــــن التأدب بالكـــــــــلامْ
بل أين تبجيلُ العظــــامْ ؟!

لحظات صمت .. تواصل بعدها اللبؤة الكلام .. تقول وهي تنظر إلي الأسد :

للغــــابِ .. قانونٌ حكيــــــمْ
ما خافَ شبحًا أو ظــــلامْ
فليحكــــم اليوم العظيـــــمْ
وليُفشِ بالعـــــدلِ السلامْ

تصفق الحيوانات ..، وتردد في صوت واحد :

و اليـــوم جئنا طامعيـــــنْ
في حكمة الليث الأميـــنْ
يدعــــــو لمحكمةٍ تعيـــــنْ
بالحق .. وحدهُ تستعيـــنْ

يعلو صوت الأسد .. يقول :

رأي ميمــــــــــــــــــــون ولبيب ...

ترتفع أصوات الحيوانات .. لتردد جميعا مع مليكها :

رأيٌ ميمــــونٌ ولبيـــــبٌ
محكمــــــةٌ .. آنَ لننصبها
فالأمــرُ خطـــيرٌ وعصيبٌ
يحتاج الحكمــةَ َ .. يطلبها
فالحــــقُ .. أسيرٌ وسليبٌ
دعـــوتهُ .. سدودٌ تحجبهـا
فلنقــوَ ..  فللحــــق ِلهيبٌ
همـــم ٌلا شيئٌ  .. يغلبهــــا
محكمة ٌ.. فالعـــدلُ طبيبٌ
العلة َ .. سوف يُطببهــــــا

إظلام



المشهد الثالث
منصة في منتصفِ  المسرح (المحكمة) .. يجلس الأســـدُ علي رأسهِ تاج العرش .. متوشحًا بوشاح القضاء .. و علي عينيهِ نظـــارة كبيرة .. إلي الكرسي بمنتصفها ..، إلي اليمين منه إبنه الشبل ..، وإلي اليسار زوجته اللبــــــؤة ..، في حين تصطف علي جانبي المسرح الحيوانات ليس فيها الفيــل ( الخرتيت – الأرنب – القرد – الحمامة – الثعلب – وبينهم النملة   .. الخ .
تتجول عين الأسد من خلف النظارة بين الحيوانات الوقوف للحظات ثم يقول متسائلا:

هذا اللعيـــــــنُ الغــــــادرُ
قد غابَ عنا .. هل يجئ ْ؟!
أم أنـــــــــــهُ متكبـــــــــرٌ
يأبىَ اللقـاءَ .. لنا يسئ ؟!

 يرفع الأرنب يده للكلمة .. فيهز له الأسد رأسه بالموافقة .. فيقول الأرنب :

هذا اللعيــنُ سيـــــــــــــدي
قد غابَ عن هذا الفنــــاءْ
أبدَى الشرورَ .. وقد عصى
هل يسمع اليومَ القضاءْ؟!

يتحرك القرد حركات خفيفة وسريعة .. ليقف أمام المنصة .. رافعا يده للكلمة .. ، يبتسم
له الأسد بالموافقة .. فيقول :

بل اللعيــــــنُ .. سيـــــدي
يزهو بنصـــرهِ في الخلاءْ
فأنا رأيتــــــهُ خلســـــــــة ً
يلهــــــو هنالكَ في العراءْ
بالذيل ِ يرقــــــصُ.. يعتلي
عرشَ الرذيلةِ والغبــــــاءْ

 تضحك كل الحيوانات ضحكة صاخبة مدوية .. ويهمس كل للآخــر .. فيسود الضجيج القاعة للحظات ..تعود بعدها للهدوء بنظرة من الأسد .. وبإشارة من يده لالتزام الهدوء .
دقائق من الصمت .. للانتظار ولا يجئ الفيل .. فتقول اللبؤة :

قد فاقَ هــــــــذا الغــــــادرُ
الحَــــدَّ.. حقا لن يجــــــئْ
لعبَ الغـــــــرورُ برأســــهِ
هذا السليـــط ُ .. بل البذئْ
   فلنبدأ الرأيَ .. الحــــــوارْ
فالويل ُ لو طـُـــعِن َ البرئْ
لو ماتَ حـــــقٌّ للجـــــوارْ
وتزعـــمَ الجـــــروُ الدنئ ْ

يخفض الأسدُ رأسهُ لثوانٍ معدودات .. يعودُ يرفعها ليقول لكل الحيوانات :

بالصـــدق ِ .. جدُّ تكلمـــوا
بالصدق ِ لا.. لن تـُظلموا
إن كانَ عـــــدلًا تطلبـــــوا
للعدل ِ.. بالصدق ِ اسبقوا
فالغابُ  ..  سكنٌ للجميــعْ
إن مسهُ الشـــرُ .. يضيعْ
بالسلم ِ ..كالحصن ِالمنيعْ
مأوى لوحش ٍ.. أو وديعْ
إن ماتَ من ظلم ٍ رضيـــعْ
وتمزقتْ روحُ القطـــــيعْ
لابد حتما أن يضــــــــــيعْ
السلمُ ..بل يفنى الجمـيعْ

تطير الحمامة لتحط علي طرف المنصة .. وتقول :

العدلُ ..عشتَ له الإمامْ
فالعــــــدلُ ..أنت تحققهْ
وأنا .. كرمــــز للســـلامْ
أدعـــــــو لحق ٍ.. تنطقهْ
فلقد أتيتُ عن الحمـــــامْ
أتلو الكتابَ .. وأصـــدقهْ
الفيـــلُ .. لا يبغي الوئامْ
فعنانُ شرهِ  .. أطلـــــقهْ
فانظرْ إلى هذا  الحطـــامْ
بالفيــل ِ وحشٌ .. أعتقهْ
بل واعتلى عرشَ اللئــامْ
الغـــدرُ .. أصبحَ منطقهْ
جئناكَ نسمــعُ في التحامْ
الحقَّ ..هيــَّـــا وانطــــقهْ
فالحــقُّ .. يدفــــعُ للأمامْ
والظلمُ .. نارٌ تحـــــــرقهْ

يبتسم الأسد في صمتٍ .. يضع رأسهُ بين كفيهِ .. ، كأنهُ يُفكر ويتدبر ..، ( ويأتي صوته من خلفِ الكواليس ..، كأنه يُحدث نفسه ) قائلا :
لأقــيس عقــلَ الحاضرينْ
بالكل ِ  .. أدركُ حـــــدتهْ
كي تبلغَ الحصنَ الحصين ْ
اعـــــرفْ لكل ٍ .. قدرتهْ
لا تخشَ من عضلٍ متيــن ْ
للعقل ِ .. احــــــذرْ قوتهْ
فلربمــــــا نالَ اليقيـــــــنْ
قــــــــزمٌ .. بنعمةِ فطنتهْ
ولرب عملاقٌ .. بديـــــــنْ
سلبَ الهـــــــوى عقليتهْ
فالبعضُ للعقـــــل ِ يهيــنْ
والبعض ُ يشكرُ نعمتــــهْ
سـرُّ الوصول ِ إلي اليقينْ
للعقـــل ِ .. باركْ خطوتهْ

يُنهي الصوتُ كلماته .. يَهز الأسد رأسه كأنه استيقظ من غفوةٍ وأفاق ..، ينظر إلي الحمامة .. ثم إلي جميع الحيوانات  ليقول :

اليوم .. أتيتُ لأسمعـــكمْ
والأمــر .. أناقـــشهُ معكمْ
أنتم من باتتْ أ دمعـــــكمْ
من ظلم ِالفيل ِ..تصارعكمْ
فلأسمعْ .. وأناقش معكمْ
كلَّ الأقــوال ِ.. سأسمعكمْ

يتوقف الأسد عن الكلام لحظات .. ينظر حوله وإلي كل الحيوانات ..، ثم ويواصل كلماته قائلا:

الفيلُ بشـــــر ٍ .. يخضعكمْ
وبظلم ٍ .. دوما يصرعكمْ
فالشورى..الرأيُ لأجمعكمْ
وأنا للحــــق ِ..سأدفـــعكمْ
سترى الأحلامَ مضاجعـكمْ
سِلمًـــــا وسلامًا يجمعكمْ

يخرج الخرتيت من بين الحيوانات يحيي الأسد بانحناءة .. ثم يستدير في مواجهة الجمهور
 كأنه يعيد عليهم لبَّ القضية ، ويشرح أسبابها .. فيقول:

للفــــــيل ِ .. عقـــلٌ يستفيدُ
اليـــــــوم من أخطائنـــــا
فلفرقةٍ .. صارَ  الطــــريقُ
تمــــــزقتْ ..  أوصالنــــا
فصار يقتــــلُ .. بل يبيـــــدُ
اليــــــوم كلَّ صغـــــــارنا
ونحـــــن والدمـــعُ  الرفيقُ
يثـــــــيرُ مـــرَّ جراحنــــا
أقـــــول .. هيا نستعــــــــيدُ
الأمــسَ .. منبع علمــــنا
فلرب خطــــــأ للصــــــديق ِ
بهِ .. نعــــــدلُ أمـــــــرنا
وبهِ ..نخطط ُ..بل نعــــــــيدُ
الحــــقَّ .. نصلحُ فكــــرنا

يواصل الثعلب .. يقول :

فلنطـــرقْ اليوم الحــــديدَ
الحبُّ . . يُصرعُ شــــرَّنا
ولنتحــدْ .. روحُ الفريــق ِ
بها .. نفـــــوق عــــدوَنا
فالنصرُ هدفٌ .. بالطريق ِ
إليهِ .. تســــــعَى روحنا
للفـــــــيل ِ .. هيا نستفــيدُ
الــــيوم من .. أخـــطائنا

تكرر الحيوانات كل من مكانه ..، في صوت واحد :

فلنطـــرقْ اليوم الحــــديدَ
الحبُّ . . يُصرعُ شـــرَّنا
ولنتحــدْ .. روحُ الفريــق ِ
بها .. نفـــــوق عــــدوَنا
فالنصرُ هدفٌ .. بالطريق ِ
إليهِ .. تســــــعَى روحنا
للفـــــــيل ِ .. هيا نستفــيدُ
الــــيوم من .. أخـــطائنا

يقفز الأرنب  بسرعة .. يستدير إلي المنصة .. يتحدث إلي الأسد قائلا :

الفيــــــلُ ..  جبارٌ عنيــــــدْ
لو ثارَ .. يقتلُ جمعنــــــا
فوزنهُ ..  جـــــــدٌّ يزيــــــدْ
أضعافُ وزنِ جميعنـــــا
والخـــفُّ .. أشبــــاحٌ تجيد ْ
رصـــدَ الطريق ِ وردعنا

ويقفز القردُ .. يقف إلي جوار الأرنب .. ليقول :

كيف السبيـــــلُ  لنغلبــــهْ
هو من أهانَ عظامَنـــا ؟!
دمُ الصغـــارِ .. يشـــــربه ْ
وغــــذاؤهُ .. من لحمِنا ؟!

تحني الحيوانات رؤوسها في حين يتحرك الخرتيت .. خطوات علي  المسرح ..،
 في مواجهة الجمهور ليقول :

يا سادتي .. لن نغلبــــــــهْ
إلا بوحــــــدةِ أمــــــــــرنا
الكلُّ يخـــرجُ .. يرقـــــــبهْ
في فرصـــــةٍ .. تأتي لنـــا
نهـــــوي عليهِ .. نستعيــدْ
حــــقَّ الصغــار ِ .. وحقنا
وننال منــه ..  ما نريــــــدْ
فلقــــد طغى في ظلمِـــــنا

  بالحركة الرشيقة يتحرك القرد ليقف إلى جوار الخرتيت .. ، أمام المنصة .. ينظر إليه شزرا وهو يقول :

الفيـــلُ الغاشــــــم ُ لو ثارْ
سيمـــــزقُ إربا وحدتنــا
سيهزُ الحجــــرَ ..الأشجارْ
وسيعرفُ كيف .. يفتتنــا
لابد لعقـــــــلٍ مـــــــــــكارْ
وحكيمٌ .. يرســم خطتنـــا
 عقل ٌ.. بالفطنةِ  يختـــــارْ
الوقتَ لنضــــربَ ضربتنا
فبقـــدر ِ ذكـــاءِ الأفكــــارْ
سيكونُ الفيــلُ .. بقبضتنا

تتسلل النملة .. خطوات في مواجهة الجمهور .. تنحني .. تحييه ..، ثم تستدير إلي الحيوانات لتقول :

يا أيها المـــلك العظيــــــمْ
قد جئتُ أعـــرضُ فكرتي
فمصابنا .. جـــللٌ أليــــــمْ
أعملــــتُ فيه .. فطنتـــي
وفوق ذي علـــم ٍ عَليـــــمْ
فلتسمعـــــــوا لخطتـــــي
إن كنتُ للحـــقِِّ  .. أقيــــمْ
فلتتبعـــــــــوا إرادتــــــي
إن حادَ فكري .. للعظيــــمْ
تعديلُ فكـــــري .. حيلتي
فالعقـــلُ والفكرُ الحكيـــــمْ
جيشُ انتصــار ٍ..سادتـي

تنظر كل الحيوانات حولها .. تنظر يمينا .. يسارا ، ثم تخفض الرأس .. ترى النملة .. ، تتشبث عيونها  بها  .
ثوان من الصمت .. بعدها ترتفع أصوات الحيوانات ضاحكة .. يضج المسرح بالضحك استهزاء بالنمله .. فيقول القرد :

نمــــــيـلة ٌ صغيـــــرة ٌ!!
جاءت لتعلــنَ رأيها ?!

تلحق بالقول الحيوانات ويرتفع أصواتها جميعا كأنه صوت واحد لتتابع الكلام سخرية من النملة تقول :

نمــــــيـلة ٌصغيـــــرة ٌ!!!
جاءتْ لتعلـــــنَ رأيهــــا ؟!
صغيــــرةٌ .. صغيـــرةٌ ؟!
تُلقـــــي علينا فكـــــرها ؟!
نحن العمالقــة الكبـــــارْ
نُصغي لها .. ولصوتِهــا ؟!
تضعُ الرسالة َ والشعــارْ
نحني الرؤوسَ.. نُطيعها؟!
عجبًا .. تجـــرأ الصغـــارْ
تـــطاولـــــتْ ضعــــــافـُـها
جاءتْ تطـــالبُ بالحـــوارْ
تبًا .. ألمْ تـــــرَّ نفسهـــــــا

 يعود المسرح يضج بضحك الحيوانات .. في حين تحني النملة رأسها و تخرج من المسرح باكية ..


إظلام


 *************************

الفصل الثاني



المشهد الأول
ضوء خفيض ..، المسرح خالي تماما إلا من منصة القضاء .. وفروع أشجـــار مبعثرة هنا وهناك .. تدخل النملة من الكواليس تمشي على المسرح ويمشي مسلطــا عليها الضـوء .. يتحرك معها ، وهي تبكي تتحــدث إلي نفســـــها .. ، في حين يدخل  الجرذ يمشي خلفها بحزن ، يسمع حديثها دون أن تراه وهي تقول :



صغيــــرةٌ ! صغيــرةٌ أنا ؟!
في الجســــم ِ .. قد أكونْ
بالعقــــــل ِ .. جدُّ كبيـــــرةٌ
وقـــــــــطٌ .. لا أخــــــونْ
فهـــــل وجدتـــــمْ نمــــــلة ً
للخير ِ .. لا تصـــــونْ ؟!
النمــــــلُ يسعى .. يتحــــدْ
ليحمـــــــــلَ الطـــــــــعامْ
تعـــــــــاونٌ .. وفطــــــــنة ٌ
بالجـــــــدِّ .. لا الكــــــلامْ
بالصيفِ يســعى .. يختفي
مــــن بــــــردٍ بانتظـــــامْ
فإن غفلتـــــــمْ حكمتــــــي
فانتــــــم .. تظلمـــــــوني
إن كنت جــــــدَّ .. ضئيـــلة ً
تعالـــــوا .. واعــــرفوني
ولتدرســــــوا بحكـــــــــمةٍ
سلــــــوكي وانصــــفوني

تنهي النملة  كلامها .. يقترب منها الجرذ ، يربت علي كتفها وهو يقول :

صديقــــــتي الحميمـــــــة ُ
إيــــــــاكِ أن  تتألمــــــــيِ
بالعــــــدلِ .. قــــــــد آمنتِ
وبهِ بصـــــدقٍ .. تـَسْلـَمي
فغـــــدا.. أكونُ أنا الدفاعْ
عن حقـــــكِ .. المتكلـــــم ِ
إن هم  بحـــــق ٍ يرفضونَ
الظلــــم .. لا.. لن تظلمــي
فكل ذي جســـــم ٍضئيــــلْ
للعقــــــل ِ.. ليس بمعــــدمِ
فلربَّ عقـــــــل للصغيـــــرِ
يســــوسُ كلَّ  العالــــــــمِ

فجأة .. يسطع الضوءُ لينير بصخب كل المسرح .. ، وتأتي أصواتُ الحيـوانات تقترب من الكواليس وهي تتحدث إلي بعضها البعض ..، تجري النمـلة .. تختبئ خلف فـــــروع الأشجار .. ، ويظل الجرذ وحده علي المسرح .
تبدأالحيوانات في الدخــول إلي المسرح .. يمشي الجرذ خطوات إلي اليسار .. حيث يجلس حزينا علي احدي فروع الأشجار .
يدخل الأسدُ مرتديا زي القضاءِ المهيب ..، تتبعه اللبؤة والشبل .. يسود الصمت .. ويعتلي الأسد المنصة هو وزوجته وابنه .. ينظر إلي الحيوانات .. ويقول :

أين المتهــــمُ الملعـــــونْ
مازالَ عنيدًا .. لن يأتي ؟!
مازالَ يعــــربدُ بجنـــــونْ
لا يدركُ خطوات الوقتِ ؟!
لا يلمـــحُ نارا أشعلهــــــا
أو قلبـــــا شحذهُ بالمقتِ؟!

يتحول الضوء إلي وجه اللبؤة الذي تعلوه انفعالات الحزن والألم .. تقول :

مولاي .. أنياب ُالبديــــنْ
حصـدتْ رقابَ صغــارنا
استلها عبــــــرَ السنيــنْ
لينالَ وحــــده عرشنـــــا
فكيف يجــــرؤ أن يجــئَْ
يبدي الدفــاعَ  أمامنـــــا
 هل يُطلق الصوتَ الردئَْ
متبـــرئا من جرحِنـــا ؟!

ينظر الشبل إلى أبيه .. ويقول :

دعْ لي شئـــــــــونهُ يا أبي
وأنا  .. أعلمـــــــهُ الأدبْ
بالشيخ ِ يرأف ُ.. بالصبي
بالعطفِ .. يبتلعُ الغضبْ

ينظر الأسد في صمت إلى الشبل ..، في حين يقاطع الثعلب الشبل الحديث قائلا :

أميرنا .. يا ابن العظــــامْ
الفيلُ قد طعــــنَ الســـلامْ
واغتالَ في النفس ِالوئامْ
زيتونهـا قبــــــلَ الحمــامْ
لذا  .. مضى وقتُ الكلامْ
واليــومُ ..  يومُ الانتقــامْ

تصيح كل الحيوانات في صوت واحد:

نعمْ مضى وقتُ الكــــلامْ
واليــــوم .. يوم الانتقـــــامْ
فلترفعْ السيفَ الحســـامْ
يا أيها الأســــــدُ الهمـــــامْ
ونحن خلفكَ ..  للأمــــامْ
الحــــقُ .. أو مـــوتٌ زؤامْ

هنا.. يخرج الجرذ من خلف فروع الأشجار .. يتقدم بخطوات واثقة ليقف أمام الحيوانات .. ، وجهــه لمنصـــة القضـــاء ، مسلطا عليه الضــوء ..، يقف في صمت .. لحظات ، ثم يستدير إلي الحيوانات يردد :

نعــم مضى وقتُ الكـــلامْ
واليــــوم .. يوم الانتقــامْ
فلترفــع السيـــفَ الحسامْ
يا أيها الأســــدُ الهمـــــامْ
ونحــن خلفكَ ..  للأمــــامْ
الحــقُ .. أو مـــوتٌ زؤامْ

يكرر وهو يهز رأسه أسفا وألما :

الحـــــــــــــــقُ .. أو مــــــــــــــــــــوتٌ زؤامْ
الحـــــــــــــــقُ .. أو مــــــــــــــــــــوتٌ زؤامْ

تنظر الحيوانات إلي الجرذ بدهشة ..، في حين يواصل هو يقول :

يا من ظلمتـــــمْ نمــــــلةً
عن حــــــــق ٍتبحـثونْ؟!
هل للعــــــدالةِ أوجـــهٌ ؟!
أقنـــــاع ٌ .. تلبـســونْ ؟!
للــنمـــلِ .. رأيٌ مثلـكــمْ
فلرأيهِ ..هل تسمعـونْ ؟!
أم أنَّ كـــــــلَّ قلوبكــــــمْ
غلفٌ .. ولستمْ تفقهـــونْ

ينظر الأسد إلي الجرذ ..همسات جانبية بين الحيوانات بعضها البعض..، ينطلق الثعلب يقول:

ماذا يقولُ لنا الصغيـرْ
الجـرذُ ذو الذنبِ الكبيـرْ
هل جاءَ في ثوبِ النصيرْ
يهجو القضاءَ المستنيرْ ؟!

تضحك الحيوانات .. فيقول القرد :

بل راحَ ينطقُ كالأميرْ
أوَنحنُ حشدٌ من حميرْ؟!

تعلو ضحكات الحيوانات وينظر الأرنب إلي الجرذ .. يقول له :

يا من تحثُ بنا الضميرْ
هل صرتَ للماءِ الخريرْ ؟!

يتحول ضحك الحيوانات إلي قهقهات .. ويقول الخرتيت :

ارحلْ بعيـدا يا صغيـــرْ
خــــذْ النميلـة ََللغديــــــرْ
ولتتركا العيـشَ العسيرْ
فالوقتُ.. يمشي كالضريرْ
الغابُ .. يتحدَى المصيرْ
فكفاكَ هـــذوًا يا صغيرْ؟!

فيقول الفأر:

قد جئتَ التمسُ الضميـــرْ
نمضي لهُ ..النجمَ المنيـــرْ
فالغابُ أصبـحَ كالأسيـــرْ
يبكي بهِ القلـبُ الكسـيــــرْ
ظلمٌ .. كما المرُّ المــــريرْ
منهُ النميلـة ُ .. تستجيــرْ!
أنبيتُ نحلــــمُ بالحريـــــرْ
بشذا العطورِ ..وبالعبيرْ؟!
بالله كيف لنا المصيـــــــرْ
إن كان بالظلم ِ.. المسيرْ؟!

هنا .. يصيح الأسد قائلا :

يا أيها الحشــــــد الجميلْ
للاعتذار ِ .. سارعـــــــوا
وليصبح الحــــق ُّ الخليلْ
وإليهِ وحده .. ارجعـــــوا
فينا .. يكون هو الوكيــلْ
وله استقيموا و اتبعــــوا
للنمـــــل والفأر النبيــــل
هيا جميعا .. واسمعـــــوا

إ ظلام


المشهد الثاني
 الحيوانات تقف علي المسرح ..، تلتف حول النملة ..، تقول لها :

يا مَنْ ظـُلِمْـــتِ تكلــــمي
جئنــــا لرأيكِ منصتـــينْ
نحني الرؤوسَ..فاعـلمي
إنا أتـينــــا آسفـــــــــينْ
جئناكِ  نصغي .. نستمعْ
للحـــقِّ .. جئنا منصفينْ
فمن سلوكــــــكِ نقـــتنعْ
إنــا بــــكِ إلى اليقـــــينْ
ففي التوحــــدِ .. قـــــوةٌ
وبهـــا ..نعـــيشُ آمنــينْ
وفي التـفـــــــرق ِ .. ذلةٌ
ما نحـــنُ عنها الغـافلينْ
تكلـــــــمي في عــــــــزةٍ
بالنمـــل ِ.. جئنا مؤمنينْ

تبتسم النملة .. تمر بالحيوانات الواحد تلو الآخر تربت علي كتفه ..، إلي أن تصل إلى الجرذ ( الفأر) فتمد يدها تصافحه ..وتقول له :
       
يا أيها الجـــرذ النبيـــــلْ
إني أتيتــــــكَ شاكـــــرهْ
فصنيعكَ الشهمُ  الجــليلْ
بعـــثٌ لروح ٍساحـــــرهْ
البطشُ يبقى؟! مستحيـلْ
فهنـا .. نفـــوسٌ ثائــرهْ
للخير ِ .. تدفــعُ كالدليـــلْ
تهـــدي القلوبَ الحائـرهْ
بالغابِ .. يحيا ألفُ فــيلْ
شــــرٌ .. نـــفوسٌ غادرهْ
وأنتَ .. كالحلـــم ِالجميلْ
دنيـــــاكَ حقـــــــا نادرهْ
فالشكرُ .. للفــــأرِ النبيـلْ
ودمتَ روحـــا طاهـــرهْ

تلتف الحيوانات حول الفأر والنملة أمام منصة القضاء.. يصفقون .. ويهللون قائلين :

جــدٌّ .. جميــلٌ للوفـــــــاءْ
أن تحـــــــتويهِ قلوُبــــــنا
ترويه بالحبِّ .. النقــــاءْ
تحفظـــــــهُ في طياتــــــنا
طهرًا.. يكـونُ بهِ البــقاءْ
سحــــرًا.. يقاوم ضعفنــا
فالحـبُّ نورٌ .. وارتـقــــاءْ
روحٌ .. تضـــئ نفوســــنا     
تدعــونا جهــــرًا للعــطاءْ
تسمـــو بنبض  قلوبنــــا
وبه .. تباركــــنا الســماءْ
فيفيضُ .. يمـلأ دربنــــــا
يتحقق الأمــلُ .. الرجـــاءْ
نصـــــبوا إلى  أهدافنـــــا

يقف الأسد واللبؤة والشبل تحية للحيوانات .. يصفق الجميع و..


إظلام


المشهد الثالث
المنصة في مواجهة الجمهور .. يجلس إليها الأسد واللبؤة والشبل .. كل في مكانه .. والحيوانات علي جانبي  المسرح .. وقد انضم إليهم الفأر والنملة .. يشير الأسد إلي النملة .. فتتقدم لتقف أمام المنصة تقول للحيوانات ..

كالنمــــل ِ .. هيا نتحــــــدْ
ولتنتظــــــــمْ  صفوفكـــمْ
فبالتعــــاون ِ والعمــــــــلْ
الانتصـــــــارُ حليفكــــــمْ
هيـــا لنحــــــفرَ حفــــــرة ً
وليخــــتبئْ جميعــــــــكمْ
فإنْ أتـــــــاها فــــــــــيلنا
يهـــوي .. ينال عقابكــمْ

يصفق الأسد بحرارة .. تتبعه اللبؤة بالتصفيق ..، ويتوالى التصفيق من كل الحيوانات .. يقف الأسد على المنصة ليقول موجها كلماته للشبل:

رأيٌ حكيــمٌ يا أميــــــرْ
أرأيت َذي الجسم ِالصغيرْ؟!
للقلب ِو العقـل ِالبصيرْ
درسٌ .. يزفُ لنا المصيـــرْ

ثم يدير وجهه للحيوانات  .. يقول :

لا وقــــــــت عندي للكلامْ
فلنسعَ .. فالعمـــلُ التزامْ
للجهــــــــد مني الاحترامْ
مادام َسعيًــــــا للســـلامْ

بعد ان ينهي الأسد كلماته .. يستدير ..، يخرج من الكواليس تتبعه اللبؤة والشبل .
 وتتجمع الحيوانات صفا واحدا علي  المسرح .. تتهيأ لتحفر الحفرة ..، وفي صوت واحد يتغنى الجميع:

هيــا بنـــــــــــا لنتــــــحدْ
بالحــــــبِ .. والوفــــاءْ
فالاتحـــــادُ  .. قــــــــــوةٌ
تخفــــــفُ الأعـــــــــباءْ
وبالتعـــــاون ِوالعمــــــلْ
قــــــد نادتْ الســـــــماءْ
بالجــــــد ِّهيا .. بالأمــــلْ
كي نقهـــرَ الأعــــــــداءْ


إظلام


*******************

الفصل الثالث



المشهد الأول
لوحة طبيعية للغابة وقت شروق الشمس ..، الأضواء .. صاخبة ( كاشـــراقة الشمس في الصباح) ..، في منتصف المسرح كومة من فروع الأشجار وضعت بصـــورة منتظمة الحيوانات .. كلٌّ بيديه فرع من فروع الشجر يلقي به علي المسرح بطريقة بعشـوائية .
 بعد ان تلقي الحيوانات ما بأيديها ..، تقف تنظر إلي بعضها البعض .. تقول :

بالحبِ انجــــــزنا العمـــلْ
قد باتَ يملؤنا الأمــــــــلْ
الصبحُ أشــــــرقَ واكتملْ
والجــــرحُ .. أوشكَ يندملْ

تجري النملة خطوات للأمام .. تمد يديها للحيوانات وهي تقول :

هــيا بنـــــا .. و لنخــــتبئْ
كي لا يـــــرانا الفـــــــيلْ
ودونَ صـــــوت ٍأو شغــبْ
نرى العــــرضَ الجميــلْ
الفــــيلُ هـــــــذا الظـــــالم ُ
سينتهي عمّا القليـــلْ ؟!
ستســــتريحُ صغـــــــارنا
لا مــــوتُ..لا دمٌ يسيـــلْ؟!

تجري الحيوانات بطريقة عشوائية .. يختبئ كل منها خلف فرع من الفـــروع الملقاة بعيدا عن الحفرة .. ويدخل الفيل إلى المسرح مرفوع الرأس .. يمشي في زهو ٍ في حين يسلط عليه  الضوء .
فجأة .. يظلم المسرح مع صرخة للفيل مدوية وصوت سقوط جسم ثقيل كأنه انفجار ......

إظلام




المشهد الثاني
 نفس اللوحــة الطبيعية للغابة في الصباح الباكر وقت شــــــروق الشمس ..، إضـــاءة صاخبة تسلط علي الفيــل وهو في منتصف المسرح .. سقط في الحفـــرة وتهاوت فوقه فروع الأشجار .. تغطيه بحيث لا يظهر منه سوي الخرطــوم الطويل وعيناه المنزعجتان ( القناع المطاطي لشخصية الفيل بين الفروع يظهر منها الخرطوم والعينان ) .
يصرخ الفيل ..، ويصرخ .. تخرج الحيوانات من خلف فـروع الأشجار ..يلتفون حوله و يصفق الجميع فرحا بالنصر ..، فيقول للحيوانات متألما :

أغيثــــوني  .. أغيثـــوني
يكادُ المـــــــوتُ يخطفني
فأشجـــارٌ .. سَتكسُــــونِي
وثغـــرُالجُحْــــر ِيرشفني
أنا العمــلاقُ جُــــــــروني
فكـــــلُّ الغـــاب ِيعرفنـــي

تردد الحيوانات بصوت ملئ بالفرحة وكل منها ينظر إلي الآخر بنشوة الانتصار :

هوى .. هوى الفيلُ اللئيمْ
الآن َ .. يرقـــدُ بالجحيمْ
بالنصر ِ.. فزنا .. بالنعيــمْ
من بعدِ صبر ٍ.. نستقيمْ

يعلو صوت الثعلب .. يقول:
من للمليكِ .. يُبشــــــرهْ
بالنصر ِ يمضي .. يُخبرهْ
عطــــــــرًا ونورًا ينثرهْ
فوق َالعرين ِ.. يُعطــــرهْ

ينطلق القرد يخرج من الكواليس قفزا وهو يقول :

أنا .. أنا سأبشــــــــــره ْ
بالنصــــر ِسوف أعطره ْ
والفرْح .. علنا أشهــره ْ
للغابِ .. بل وسأنشــــره ْ

تقترب الحيوانات من الفيل أكثر وأكثر .. تلتف حوله .. لتقول له :

يا من قتلــــتَ صغـــارنا
وأبدتَ كـــلَّ جحــــــــورنا
 لم تستجـــــبْ لدموعِنـــا
وما رحمـــتَ ضعافنـــــــا
غَرَّتكَ حِيـــــــرة ُأمــــرنا
وغشيتَ.. خنتَ ..ظلمتنــا
اليومُ .. حـــقَّ عقابنــــا
من بعض ِمكركَ..مكـــرنا
وعـــــدُ السماء ِ.. وحقنا
الثـــأرُ.. بلْ وقصاصنــــــا

يقفز الأرنب .. يقترب من الفيل .. ينظر إلي الحيوانات وهو يقول  :

كم عاشَ هــــــذا الغـــادرُ
بالخفِّ .. يطــــرحُ رأسنا
يمشي بزهـــــــــو ٍ عارم ٍ
ليدوسَ فــــوق رقابنــــــا
واليـــــوم نلنا الانتصــارْ
اليـــوم .. باتَ أسيرَنـــــا
فلنغتنمْ حلــــــــوَ الثمــارْ
نقضي عليـــه جميعنـــــا
ليعــــــودَ للغابِ العمـــارْ
ويعــــــودُ يلهـــو صغارُنا

تضحك الحيوانات .. تقول :

نعمْ .. نعمْ .. نِعم َ الكــــلامْ
المــوتُ للباغي .. السلامْ
للجـــرح ِ .. طيبٌ والتئــامْ
زيتونة ٌ .. تمحـــو الظلامْ

يدخل القرد عائدا إلي المسرح بيديه حبل غليظ .. وصندوق ثقاب .. يقترب من الفيل .. ينظر إليه وهو يقول :

بالحبــلِ  .. هيـــــا نشنقه ْ
بلْ بالثقابِ سنحرقـــــهْ ؟!
بالقلـــــبِ  مُــرُّ .. نبصقه ْ
رعدًا وبرقا .. يصعقه ْ ؟!

ينظر الفيل الي الحيوانات فزعا.. يصرخ .. ويصرخ يقول :

أخطأتُ حقا .. فاعلمـــــوا
أني بصــــــدقٍ .. آســــف
فلترحــموني واغفـــــروا
فريحُ جرحي .. عاصــــف
المـــوتُ؟! تلك نهايتي ؟!
لستُ الجبان .. الخائــــف
لكن امــــــوت بمرقــــدي
والكل حـــــولي ... واقـف
ندمٌ يناجــــي عطفكـــــــمْ
وانا بصــــدق .. آســـف

يتقدم الخرتيت .. يقف أمام الفيل ليقول له :

يا للعجبْ .. أهو الهـــــراء
الفيلُ ..  تدمــــــعُ عينـهُ
يبكي .. ومن هــــول ِالبكاءِ
حني الجبيـــنَ ورأســــهُ
الصــوتُ هذبَ .. بالحيـــاءِ
اليـــوم .. يطلبُ عتقــــهُ

يضحك الثعلب .. يكرر من كلمات الفيل :

المــــوت ..  تلك نهايتي ؟!
لست الجبــــان .. الخائف
لكن .. أمــوت بمرقــــدي
والكل حــــــولي واقـــــف

تعلو ضحكات الثعلب أكثر وأكثر .. مقهقها يقول:

مازال يقطنـــــــهُ الغـــــرورْ
كبرٌ تغلغلَ في الشعــــورْ
يدعــــو وبالصوتِ الجهــورْ
لنزفَّ روحــــهُ للقبــــورْ
لتشيع الجســــد الزهـــــورْ
وكأنه البـارَّ الطهــــــورْ؟!

يقهقه ثانية الثعلب وهو ينظر إلي الحيوانات ..، كأنه يستفزها ويثيرها لتتخذ القرار .. تلتف الحيوانات حول الفيل ، بوجوه ضاحكة تقول له :

بل ذي نهايتــــــكَ التــــــي
بالظلـــمِ .. أنتَ صنعتهـا
بالقــــــوة ِالعميــــاء ِ .. بلْ
بغــــــرور ِقلبكَ نلتهـــــا
اليــوم تصـــرخ ُ..تستغيثْ؟
والروحُ قد أزهقتهــــا ؟!
لم نظلمــــكْ .. أبدًا .. بلـــى
 للنفس ِ.. أنت ظلمتهـــــا

فيقول الأرنب للحيوانات :

يبكي ؟! لكم أبكى الصغارْ
أبكى الضعافَ مع الكبـارْ
أبكى علي الطفـــل ِالعشارْ
فالظلم ُ .. كان َله الشعـارْ
كان الحيـــاة َوالانتصــــارْ
واليــوم ينجـــو باعتذارْ؟!
ينجــو بدمــع  ٍوانكسارْ؟!
من كالَ للغاب ِالمـرارْ ؟!

ويعود الخرتيت يقول ضاحكا :

قد راحَ يطمــــــعُ بالفـــرارْ
ليعيد َللغـــــاب ِالدمـــــارْ
ويعـــودُ يفتكُ بالصغــــــارْ
يلهـــــو بآلام ِالكبـــــــارْ
ونعـــــودُ نحيا بالمـــــرارْ
الرأسُ يكسوهُ الغبــــــارْ

يقترب القرد من الثعلب ومن الحيوانات يقول :

لا لن تكــــون لنا الثمــــارْ
إلا بموتهِ .. لا الفــــــرارْ
فالصفحُ سيكونُ انتحــــارْ
سيكون قهــــرًا وانكسارْ

فيتقدم الثعلب  ليقول لكل الحيوانات :

فلنعلــــن اليوم  القـــــرارْ
نمضي بعــــــزم ٍواقتدارْ
فالعينُ بالعين ِ.. الشـــرارْ
قد صارَ محــــــرقة ًونارْ

 هنا تصيح كل الحيوانات بصوت واحد جهور :

الموتُ للفيـــل ِ.. القصاصْ
لا ينفــــــعُ اليوم التِماسْ
فالآن َقد حـــانَ الخـــلاصْ
بيد ِالعزيمــــة ِوالحماسْ


إظلام



المشهد الثالث
الحيوانات تحاصر الفيل من كل جانب .. كأنها تتهيأ لقتله ..، فتصيح النملة تقول للحيوانات :

يا أصدقائي .. أعدلـــــــوا
بعدَ اعتـــــــذار ِالفيـــــــل ْ
    فالكلُّ يُخطأ .. والهـــــوى
للنفــــس ِ ..  يستميـــــــلْ
والذنبُ .. يُغفــرُ بالهــدى
بالدمع ِ .. بالندم ِالأصيـــلْ
فلتغفـروا .. وتسامحــــوا
ولتصفحوا الصفحَ الجميلْ

يهرول الثعلب ..، يدور حول الحيوانات .. يدور حول الواحد منها  تلو الآخر  وهو يقول :

لن يهتدي هذا اللعـــــوبْ
سيعــــودُ .. يغلبُ طبعـــهُ
فالطبــــعُ غـــــــــلابٌ وإنْ
حاولت جهــدكَ منعــــــــهُ
سيعودُ يجرحُ .. والجريحُ
يعــــــودُ يذرفُ دمعـــــــهُ
سيعــودُ للظلــــــــم ِ الذي
النهـــــجَ كانَ .. وشرعــهُ

يهز الخرتيت رأسه  وينظر إلي النملة .. وإلى الحيوانات .. يقول  :

هذا البديـــــــنُ الظالــــــمُ
اليـــــوم يُغفـــــرُ ذنبه ُ؟!
ويعـــــودُ  .. يمــرحُ بيننا
والكلُّ يشـــربُ نخبـــه ُ؟!
بالأمس ِأفقــدنا المنــــــامْ
نامتْ عيـــونهُ .. قلبــــــهُ
واليـــــوم يحلــــمُ بالسلامِْ
تبًـــا .. فكيفَ  نحبــــهُ ؟!

ترد النملة..

العفـــــوُ .. عند المقــدره
سمـــــةُ النفـــوس ِ الخيره
فلنعفُ ..فالقلــــبُ اهتدى
والروحُ .. أضحتْ طاهـــره

يقترب الأرنب من النملة قائلا  :

من يضمن النذلَ العنيــــدْ
من يشتري النجمَ البعــيدْ
هل يسحقُ الثلـــجُ الحديدْ
أو يكتبُ الثـــورُ القصــيدْ
ما كان للفيــــــل ِ البليـــدْ
أن يشهد العهــــــدَ الجديدْ

فتعود النملة تقول للحيوانات :
قــد كان عهـــــــدا بيننـــا
الحــــــقُّ .. نورٌ يُتبـــــــع ْ
لو رحمــــة ٌسبقتْ .. أجَلُّ
وبالمحبــــــــةِ .. تتبـــــــعْ
والآن ..وجبت ْ يا رفـــاق
ولرحمـــــــــة ٍ.. سنتـَبـِـــعْ

تخفض الحيوانات جميعا رأسها .. ويقول الأرنب :

القلب ُ يخفقُ .. ننقـــذه ْ ؟!
أمْ حكمنا .. سننفــــذه ْ ؟!
قد حـِــــرتُ .. يرعبني الدَّمُ
بالقلــــب ِ.. نبضٌ ينبــذه ْ

تجري النملة إلي الأرنب ..، تقول له :

نِعمَ المشاعرِ يا رفيـــــــــقْ
الرحمــة ُ القلبُ الرقيـــقْ
فالصفحُ يعرفهُ الطليـــــــقْ
نورٌ .. يقــودهُ للطريـــــقْ

تقول الحيوانات في صوت واحد :

بالرحمــة ِ نشعرُ .. بحنانْ
ونتـــــوقُ لدفءٍ .. وأمـانْ
لكن .. نخشى لو عادَ الفيلْ
بالشــــرِّ.. يدمـرُ كالإنسانْ
أوْ عادَ بغـــــدر ٍ يُؤلمنـــــا
بالظلم ِ..يضخُ بنا الأحزانْ

يرفع الفيل خرطومه .. يصيح معلنا لكل الحيوانات أسفه وندمه.. ويقدم لهم وعده قائلا :

للظلم . . أبدا لن أعــــــودْ
الظــــلمُ  .. لهلاكٍ يقـــودْ
أدركــــت قبـــــحَ خطيئتي
وندمتُ ..أقسمُ لن أعــودْ
فالحــــقُّ .. كان قضـاءكم
للحقِّ . . قد كنتم جنــــودْ
وغــدًا . . لحـــــق ٍ اتــبعْ
وسينشرُ الحـــقُّ .. يسودْ
وعــــدٌ . . ولستُ مخالفـا
للوعد ِ.. أقسم لن أعـــودْ

يدخل الأسد في صمت إلى المسرح فيستمع إلى النملة وهي تقول للحيوانات :

قد تابَ .. آمـــن َواهتـــدى
الصبــــــحُ نــــــورٌ قد بدَا
مـــدوا الأيادي يا رفــــاقْ
لنباركَ الحــــبَّ .. الهــدَى
لنجـــــــرُّ مولـــودَ السماحْ
لنلبِّ للخــــــيرِ .. النــــدَا
هيـــا بصدق ٍ .. للفــــــلاحْ
نجني السكينة َوالرضَــــا

يبتسم الأسد ..   ينظر إلى النملة و إلى كل الحيوانات يقول :

النمــــــــلُ بحــق ٍ أعلنها
بسلوكه ..  كان ُيفسـرها
الفطنــــة فيـه يُكرمهـــــا
ما ضــل  بها.. ما أهملها
هو يعــرف كيف يُسيرها
وبعقلٍ .. عاش يُطـورها
منذ سليمان .. سخــــرها
لتكون سلاحه .. أمنــــها
واليـوم  .. أتى كي يُعلنها
قد فاق بها من أمهلهـــــا
واليــوم .. أنا لن أنكــرها
النملة ُ.. سوف َ أبجلـــها
فالمنطــقُ .. يثبت ُفطنتها
تبعتْ بالفطنةِ ..رحمتها
فلنشكــر علنًــا .. حكمتها
و بحبٍ .. نشكــر رقتــها

يصفق  الجميع .. ، ينحني الأسد علي اللبؤة .. يهمس لها .. يسود الصمت للحظات ، وتنظر الحيوانات بعضها إلى بعض ، فترفع اللبؤة رأسها لتعلن القرار  قائلة :

بالغــــابِ قد كانَ الكفاحْ
من دونِ ِ جيش ٍ أو سلاحْ
بل باليقيــــن ِ ودعـــــوةٍ
تاقت إلى نــــور ِ الصباحْ
راحت ترَوِّضُ وحشنـــَـا
والقلـــبُ .. تملأهُ السماحْ
واليوم .. نعلــنُ للـــورى
للفيل ِ .. أطلقنا الســــراحْ

يضجُ المسرح بتصفيق حاد من الحيوانات .. فتتوقف اللبؤة عن الكلام .. وتهمس الحيوانات إلي بعضها البعض ..، فيرفع الأسد يده مشيرا للحيوانات بالتزام الهـــــدوء
يسكن المسرح .. فيعلو صوت اللبؤة ثانية .. تكرر بصوتٍ عال ٍ جهور :

واليوم .. نعلــــــنُ للورى
للفيل ِ .. أطلقناالســــراحْ

فتعود الحيوانات للتصفيق الحاد ..
لكن .. تعلو طبقات صوت اللبؤة أكثر وأكثر تتابع ودونما توقف .. فيسود الصمت المسرح وهي تواصل تقول :

واليوم .. نعلــــــــنُ للورى
للفيل ِ .. أطلقنا الســــراحْ
لا الضعفُ كان ولا الهوى
للحبِّ .. أخفضنا الجنــاحْ
لنكونَ حصنا محكمَـــــــــا
لا النار نخشى .. لا الرياحْ

تنهي اللبؤة كلماتها .. فتعود الحيوانات للتصفيـــق والتهليل .. وسرعان ما تقترب من
 الفيل  .. تلتف حوله .. ومعهم النملة .. ينظرون إليه بابتسامة الرضا والتسامح ..ثم
 يمدون إليه الأيدي في محاولة لانقاذه  وجره من الحفرة وهم يرددون :

العفـــوُ .. عند المقـــــدره
سمـــــةُ النفـــوس ِ الخيره
فلنعفُ .. فالقلــــبُ اهتدى
والروحُ .. أضحتْ طاهـــره

في حين تتغنى الحيوانات بتلك الكلمات .. ينظر الأسد إلي اللبؤة .. فتنهض عن مكانها ..، وينهض الشبل .. فيمسك الأسد بيد اللبؤة يخرجان من المسرح مرفوعي الرأس ..، يتبعهما الشبل و.....


إظلام



المشهد الأخير
تصطف الحيوانات جميعا على المسرح وقد خرج الفيل من الحفرة ووقف بينهم .. ينظر إليهم في حياء .. يقول لهم :

لله شكـــــــرا يا رفــــــاقْ
ولكم جميعًــــــا .. أنحني
بالأمس ِ كنا في شقـــــاقِْ
واليـــــومَ .. راحَ لينجلي
الآنَ .. هيــــــا للعنــــــاقْ
للحــــــب ِّعرشٌ .. نعتلي

تصفق الحيوانات جميعا .. يعانق بعضها البعض ..، ويعانق كل منها الفيل .. ويعلو صوت الفأر يقول :

اليـــوم .. قد عاد الســــلامْ
عادت لنـــا روح الوئــــامْ
بعد التطاحــــن ِوالخصــامْ
الصفُّ .. وحـــده الحمــامْ

فيواصل الخرتيت .. يقول:

الحب ُّ .. أمسكَ بالزمــــامْ
صفـــحٌ وعفـــوٌ واحترام
نورٌ .. يقــــود إلى الأمــام
بالفعل .. لا حلــــو الكلام

فتكمل النملة :

وعدٌ .. محى عهــدَ الظلامْ
واغتــــالَ نارَ الانتقـــــــــامْ
صرنا جميعــا لالتحــــــامْ
بالحــــقِّ .. صار الاعتصام

يقفز الأرنب قفزات سريعة إلى الامام وهو يقول :

الحـقُّ .. وعـــــدٌ ياكـــــرامْ
باق ٍ إلى يـــوم القيــــامْ
باق ٍ .. بمعـــــروفٍ يقــــامْ
للروح ِ وشم بل وســـامْ

يقفز القرد .. يمسك بيد الأرنب ..، يرقصان معا .. وتصفق الحيوانات .. وهما يرددان :

اليوم .. نرقصُ بالحســامْ
ونقيمُ أعـراسَ الســـــلامْ
بالحبِّ .. بهديل ِ الحمــامْ
في الغابِ سيطيبُ المُقامْ

تدخل الحمامة ..، و يسدل الستار تدريجيا مع صوتها وهي تحلق بسماء المسرح وتردد :

فليســــدل الستــــــــــارْ
ولتطفــــــــــــــأ الأنـــوارْ
ضحكتْ لنا الأقــــــــدارْ
فلتخبُ فينـــــــــا النــــارْ
ولنرســـــم الأقمــــــــارْ
والزهــــــــرَ والنــــــوارْ
فالسلــــمُ بالأخيـــــــــارْ
قــــد عــــــــمَّ كــــــلَّ دارْ
فليســــدلْ الستـــــــــــارْ
وليسعـــــــدْ الصغـــــــارْ


النهاية